حالة هستيرية من البكاء والنحيب والولولة أصابت أصحاب المال والجاه والمصالح بمكناس، حاملي الشكارة ومستغلي خيرات المدينة الاسماعيلية منذ عقود، شرذمة من محترفي مص ضرع بقرة مدينة الهادي بنعيسى حتى جف حليبها، دون أن يقدموا لها "ربيعة لتعطيهم حليبة" كما يقول المثل المأثور، أبناء عاقون و جشعون موغلون في الجشع، يحاولون بدموعهم المزيفة إيهام ساكنة مكناس أنهم غيورون على مستقبلها وحزينون لحالها، ببلادة واستغباء منقطع النظير، يسعى هؤلاء النفعيون البراغماتيون المرضى استحمار الرأي العام وتقمص دور المدافع المحارب الجسور و المسؤول الغيور، الذي لن يغمض له جفن حتى يعيد للمدينة تاريخها ومكانتها واعتبارها، ولن ينزل من على صهوة الجواد ولن يضع سيف سيدنا علي، حتى يسترد هيبة مكناس المهدورة. هؤلاء الأبطال الأشاوس، الذين استعرت نار غيرتهم فجأة، و ارتفعت حرارة الدماء الباردة في عروقهم، مباشرة بعد نبأ طيران المناظرة الكبرى للفلاحة صوب مدينة الجديدة، كما طارت قبلها عاصمة الجهة، وطارت معها عدة مؤسسات نحو الجارة فاس، حيث يتواجد الغيورون "دبصاح"، هؤلاء المصاصون ممن ألفوا استباحة خيرات مكناس وراكموا الثروات وضخموا أرصدتهم البنكية، ماذا قدموا لهذه المدينة السخية الكريمة نظير ما منحتهم عشرات السنين لهم ولآبائهم وأجدادهم؟ ماذا حققوا وماذا أنجزوا للحفاظ على ترتيب مكناس ضمن كبريات المدن ورواد التنمية؟ يماذا فلحوا غير التنافس على تجهيز الحانات واستقطاب أجمل العاهرات لتأثيث الصالونات شبه المظلمة؟ على ماذا سهروا غير التسابق على المناصب والألقاب والمقاعد واستغلالها في احتكار الصفقات ونهب الثروات وابتلاع الامتيازات، على حساب ثروة مكناس الاقتصادية والثقافية و التراثية والتاريخية والإنسانية؟ جهّلوا الثقافة، طردوا السياحة، عجّزوا الرياضة، قزموا التنمية، بهدلوا السياسة، احتلوا الملك العام، و حولوا التمدن إلى بداوة، وصارات البهائم تشارك السيارات أضواءها وممراتها… فمن المسؤول عن هدر كرامتها وكرامة أبنائها غيركم؟ أليس أنتم؟ …أليس أنتم من أشاع الفواحش، ووفر للفساد الأجواء الروحانية، وأعطى للرشوة طعم القهوة، ذلّلتم رجالا بأموالكم ومياهكم؟ ألستم من اشترى الصمت واكترى صباغين وطبالين وزمارين ونكافات ليزينوا فسادكم، ويخفوا قبحكم، ويموهوا الأنوف عن روائحكم النتنة، ويداروا جرائمكم في حق مكناس مقابل دريهمات وسوائل وقضاء مصالح وحاجات؟. الآن بعد أن مُسّت مصالحكم المادية، ودخلت مشاريعكم دائرة الخطر، وبعد أن أدخلتم مكناس غرفة الإنعاش، تريدون إقامة الدنيا وتسخير نفس المواطن المحكور، المهدورة حقوقه، والمسلوبة إرادته، والمستلبة ثروته، تقحمونه كقطع شطرنج رخيصة في قيامتكم وحربكم من أجل بقاء مصالحكم واستمرار مشاريعكم التي لا يستفيد منها المواطن المكناسي ولا يجني منها سوى الانحراف وخراب البيوت، مقابل تشييد المزيد من البيوت والفيلات و العمارات وتسييج المزيد من الضيعات. الله يعطينا وجهكم. وكما قال أحد رجال وشيوخ مكناس القدامى: " مكناس لي طْغى فيها، يْسعى فيها". محمد بنعمر