لا يريد هارون إدريس سوى استبدال حياته في مخيم للاجئين في دارفور بحياة في أوروبا. فهو مثل غيره من الشبان ضحايا الصراع المنسي في السودان فقد الأمل في العودة لدياره. وقال إدريس (27 عاما) الذي يقيم في مخيم للاجئين منذ ثماني سنوات "حلم واحد هو ما أعيش من أجله هو الفرار من هذا المخيم والهجرة إلى أوروبا لبدء حياة جديدة بعد سنوات من البؤس." وقتل مئات الألوف في الصراع الدائر في دارفور الذي شرد كذلك 2.6 مليون شخص وفقا لتقديرات الأممالمتحدة منذ أن حملت قبائل غير عربية السلاح في وجه الحكومة التي يهيمن عليها العرب في عام 2003. وكان سكان دارفور قاسما مشتركا في تدفقات أكثر من مليون لاجئ ومهاجر تسللوا إلى أوروبا العام الماضي أغلبهم هربا من الحروب والفقر في الشرق الأوسط وأفريقيا. وانحسرت أعمال العنف في المنطقة الواقعة في غرب السودان خلال السنوات العشر الماضية لكن القتال مستمر. وصعدت حكومة الخرطوم هجماتها على الجماعات المسلحة في العام الماضي مما دفع بموجة جديدة من المهاجرين إلى مخيمات بائسة في شمال دارفور الهادئ نسبيا. وأغلب الشبان في المخيمات عاطلون عن العمل وأفقر من أن يلتحقوا بالجامعة. فهم يجلسون أثناء النهار يلعبون في الأزقة الضيقة حيث يتصاعد الغبار في الجو بسبب عربات تجرها خيول. *لا عمل ويقول الشبان إن الحرب والسنوات الطويلة التي قضوها في المخيمات حرمتهم من عملهم التقليدي في الزراعة والرعي ولم تترك لهم خيارات تذكر سوى الرحيل. وقال أدم حامد (31 عاما) الذي كان جالسا على مقعد متهالك تحت سقف من القش الجاف في مخيم زمزم "أمضيت في المخيم سبع سنوات بعد أن أُحرقت قريتي وقتل العديد من أفراد أسرتي." وأضاف "ليس لدينا عمل ونعيش على المساعدات. كنا نعمل كمزارعين ورعاة في قريتي مثل بقية شبان دارفور لكننا الآن لا نملك أي أرض زراعية أو ماشية." والمخيم الذي يضم 215 ألف شخص مكون من آلاف من المنازل الصغيرة المصنوعة من القش والطين والمتراصة بجوار بعضها وتحيط بها أزقة متربة. وتطغى رائحة نتنة على المكان إذ ليست هناك منشآت صرف صحي ملائمة ولا كهرباء. ويغطي الذباب كل سطح مكشوف ويشتري السكان الماء من مضخات يدوية بدائية في الشوارع. وفر الكثيرون من شبان المخيم إلى دول مجاورة بحثا عن عمل في مناجم الذهب ليتمكنوا من كسب مال كاف لدفع تكاليف مهربي البشر والوصول إلى أوروبا عن طريق ليبيا التي تربطها بدارفور حدود صحراوية طويلة. وفي العام الماضي عبر سوداني من دارفور النفق الممتد من فرنسا إلى بريطانيا وطوله 50 كيلومترا على قدميه متجنبا القطارات السريعة المنطلقة في النفق المظلم في مثال واضح على اليأس والمخاطر الصعبة التي يمكن أن يقبل عليها البعض. وقال سليمان حسين (22 عاما) بصوت غاضب "عمل عشرات من أصدقائي في المخيم لفترات طويلة في مناجم الذهب وجمعوا مالا كافيا لعبور البحر المتوسط من ليبيا إلى أوروبا." وأضاف "هذا هو ما أنوي عمله أيضا. الحياة جيدة في أوروبا.. هنا نحن لسنا بشرا." *لا شيء يمكن تقديمه ويقول كبار السن في المخيم إن الشعور بالظلم وفقدان الأمل أدى إلى إدمان المخدرات والعنف. وقال اسحق أدم (53 عاما) وهو جالس في منزله المبني من الطين والزجاجات الفارغة "البعض لجأ للجريمة والعصابات المسلحة والبعض الآخر انضم للميليشيات… لا يوجد ما يمكننا عمله لهم فليس لدينا ما نقدمه." وأضاف "سنوات شبابهم تضيع وهم لا يفعلون شيئا.. لا يمكنهم العمل ولا يمكنهم الزواج ويعيشون كالسجناء في هذه المخيمات." ويتوجه بعض الشبان يوميا إلى الفاشر عاصمة شمال دارفور بحثا عن عمل باليومية في غسل الأطباق أو تلميع الأحذية. لكن هناك الكثير من النازحين العاطلين وفرص عمل ضئيلة. وقال عبد الله ابراهيم (31 عاما) في مخيم أبو شوك جنوبي الفاشر "تعاطي المخدرات منتشر في المخيم لكن من الصعب حتى إيجاد مال يكفي لشراء المخدرات. يمكنك أن ترى أنا عاطل ولم أعمل شيئا منذ عشر سنوات في هذا المخيم." وحتى داخل المخيمات لا يزال كثير من النازحين لا يشعرون بالأمان خاصة في الليل. وقال العديد من سكان مخيم زمزم إن ميليشيات وعصابات مسلحة موجودة إلى الشمال مباشرة منهم وإن النازحين يتعرضون أحيانا لهجمات وللسرقة. وقال سليمان ابراهيم (35 عاما) "النساء لا يمكنهن جمع الحطب من خارج المخيم لاستخدامه كوقود لأنهن معرضات للاغتصاب على يد رجال الميليشيات." وأضاف "نعيش في حالة خوف دائم."