"الكورد" أصبح سيد المقامات بالنسبة لبعض الموزعين المغاربة الذين وجدوا فيه ضالتهم وأصبح الطريق الأسهل لبلوغ الشهرة وكسب المزيد من الارباح المالية على حساب الإبداع والذوق الرفيع. ما أصبحنا نسمعه هذه الأيام من أغاني الBuzz ، هو ضرب من العبث واستصغار واستهتار بالمستمع الذواق ،وخدش للإحساس الصادق وتكرار لجمل موسيقية بعينها ،مبتذلة ومغلفة بتموجات،وقفات وإيقاعات،هي في الأصل "حوادث عارضة"،تستعمل لماما من أجل كسر الروتين وتسهيل عملية الإنتقالات من مقام الى أخر بكل سلاسة.نجدها كما هو متعارف عليه عند الصناع السينمائيين بهوليود وخاصة عند DISNEY بالجمل الموسيقية التنشيطية،تتحرك بها بعض افلام الرسوم المتحركة.وهي كذلك بمثابة مسافات موسيقية محدودة الزمن،ترتكز عليها الحركات الكارطونية. المناسبة هنا شرط،الغرض منها تسليط الضوء وإماطة اللثام عن أغنيتين خلقتا ضجة، واستأثرا باهتمام المتتبعين،برزت الأولى نهاية سنة 2015 والثانية أطلت علينا هذه الأيام،تنتظر حظها لكسب المزيد من النقط والإنتشار خارج أرض الوطن،وتحطيم الرقم القياسي الذي بلغته الأولى. يتعلق الامر بأغنيتي "المعلم"،و"الاول".هل هي الصدفة وحدها أم أشياء أخرى؟.كيف يمكن لموزع واحد أن يعيد ويكرر نفسه في أغنيتين ،أداهما فنانان مغربيان؟. هما إذن عنوانان بارزان لأغنيتين مغربيتين،حققت الاولى نجاحا باهرا،لم تبلغه اية أغنية مغربية على الإطلاق.فاق عدد الناقرين على زر الإعجاب بها ومشاهدي اليوتوب الملايين ،وأضحت نموذجا عالميا،دفعت بصاحبها سعد لمجرد الى دخول العالمية،عبر بوابة هذا المنتوج الفني. جلال الحمداوي موزع هاتين الأغنيتين ومهندسهما، وضع أصبعه على مكامن النجاح والشهرة وصنع توليفة سحرية وترياقا ،أخرج الأغنية المغربية من سباتها العميق.فكانت أغنية "المعلم" (ضربة معلم) وكاشفة الشفرة المعقدة المؤدية الى النجومية،حيث اختير لها فنان بمواصفات محددة وكاريزما ومؤهلات أخرى ،أعطت دفعة قوية لاستلاب مسامع الجمهور الغفير الذي عانق شكلا "المعلم". هذه الأغنية من الناحية الفنية والتقنية،هي مجرد كلمات عادية ،دون المتوسط،حاول واضعوها استقطاب جماهير من الخليج العربي والشام ومصر وكذا دول شمال افريقيا،غلفت بتوزيع مركب،أساسه مجموعة من الجمل الموسيقية والإيقاعات الغريبة،ركبت ووضعت داخل قالب معروف،لتعطينا "سلعة" قابلة للإستهلاك،سريعة البوار،تلقفها العديد من الشباب ووجدوا فيها أنفسهم وذواتهم .في ظل أوضاع صعبة يعيشها العالم العربي،خلخلت موازين الذوق واربكت قنوات ومنابع الإحساس وزعزعت الساحة الفنية،حيث انقلب الحسن الى ضده. لقد علمنا التاريخ أن التطور الفني ،يكون دائما مع صناعه العباقرة من رجالات ونساء ،مهمتهم الخلق والإبداع،يتحسسون ذواتهم وعواطفهم وأفئدتهم لتصليب عود المنتوج الثقافي ،الفني والسياسي والإقتصادي،عبر إنتاجات ظلت صامدة الى الان،أغنت المكتبات وانارت الطريق لأجيال وأجيال. وإذا كانت أغنية"المعلم" قد حققت ماأريد لها من نجاحات،إنطلاقا من سياقات سبق ذكرها ومازالت تحقق المزيد من الشهرة،أطل علينا هذه الأيام حاتم عمور بأغنية شبيهة ومستنسخة من سابقتها من توزيع نفس الموزع،الذي أراد إعادة نفس الشهرة.لكنه في الحقيقة كرر ذاتها عن قصد،حسبها جيدا.لكنه لم يراعي المسافة الزمنية القصيرة الفاصلة بين "المعلم"و"الأول" .إذ مازال صدى أغنية لمجرد يرن داخل مسامع الجمهور.وهي بالتالي مغامرة غير محسوبة العواقب.إذ يمكن أن يفشل المنتوج الفني الثاني أمام قوة "المعلم" التي تواصل طريقها نحو العالمية.ويمكن كذلك ،إذا ماكتب ل"الأول" النجاح ،أن تفرمل مسيرة "المعلم" خاصة ان تركيبتهما متشابهة الى حد كبير.كلمات خليجية ممزوجة باخرى مغربية،نفس المقامات (الكورد على الصول)والانتقالات واللحن ونفس التوزيع. إذا رجعنا الى أغاني الخالدات،نجد الرواد وقتها من شعراء،ملحنين ومغنيين كل حسب اختصاصاته،يحترمون أعمالهم ومنتوجات الاخرين ،ويراعون سياقات الأغاني وظروف تنزيلها الى الساحة الفنية. رغم ان المنافسة الشريفة كانت على أشدها بين ام كلثوم،محمد عبد الوهاب ،ليلى مراد،عبد الحليم حافظ،فريد الاطرش ،اسمهان،محمد قنديل ،عبدو المطلب وفهد بلان،نفس الشيء بالمغرب بين عبد الهادي بالخياط،عبد الوهاب الدكالي،نعيمة سميح،عزيزة جلال،سمير سعيد،محمد الحياني،بنقاسم،محمود الإدريسي وغيرهم،إلا ان الإنتباه الى التوقيت شيء ضروري لضمان النجاح لجميع الاغاني،مع تفادي السقوط في التكرار والإقتباس اللذين قد ينهيان مسيرة بعض الفنانين. وإذا كان سعد لمجرد قد اتصل بحاتم عمور وهنأه على مولوده الجديد،فإنه داخل قرارة نفسه يدرك تمام الإدراك ان العمل مكرر وأن الأغنيتين معا هما توامان ولدا في زمنين مختلفين. حسن حليم