تحتفظ دولة الامارات العربية المتحدة بعلاقات صداقة ودية قائمة على المصالح المشتركة والاحترام المتبادل مع مختلف دول العالم، ويتعمق هذا النهج في علاقات الامارات مع بعض الدول العربية، وفي مقدمتها المملكة المغربية الشقيقة، التي تعتبر علاقاتها مع دولة الامارات نموذج يحتذى به في العلاقات الثنائية البناءة بين الدول الشقيقة والصديقة. ويشير تاريخ العلاقات الاماراتية المغربية منذ تأسيسها على يد المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان "طيب الله ثراه" والمغفور له بإذن الله تعالى العاهل المغربي الراحل الملك الحسن الثاني، يشير هذا التاريخ إلى وجود إرادة سياسية مشتركة لتقوية العلاقات وتطويرها وفق أسس راسخة ومرتكزات قوية تخدم مصالح البلدين والشعبين الشقيقين، سعياً للوصول إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية، فالابناء ماضون على درب الآباء المؤسسون ويدركون تماماً حجم التحديات التي تجابه دولتيهما وبالقدر ذاته يدركون أن الأسباب التي دفعت الآباء إلى التعاضد والتآزر والتعاون لا تزال وستظل قائمة، ومن ثم فإن المصالح المشتركة للدولتين والشعبين تملي على القيادتين ضرورة التمسك بموروث التعاون المشترك بين الدولتين. ومايميز العلاقات الاماراتية المغربية أنها ليست وليدة ظروف استثنائية عابرة، بل هي علاقات نسجت على مدى عقود وسنوات وتدرجت عبر رحلة زمنية طويلة لم تشهد خلالها أي منعطفات أو منعرجات تعرقلها أو توقف مسيرتها، بل شهدت على الدوام دفعات متجددة تثبتها وتقوي دعائمها. والمؤكد أن العلاقات الاماراتية المغربية هي علاقات من طراز فريد تتسم بقدر كبير من التفاهم والتقارب الشعبي والسياسي، ويحرص كل طرف فيها إلى ترجمة هذا المستوى المتميز من التقارب إلى مردود سياسي وتنموي يحصد الشعبين الشقيقين ثماره. وما يعزز هذا التوجه أن البلدين يساندان بعضهما البعض في الحقوق السيادية، فدولة الامارات العربية المتحدة تساند بقوة الحقوق المشروعة للمملكة المغربية في وحدتها الترابية وسيادتها على كامل اراضيها، وبالمقابل نجد أن القيادة المغربية تدعم حق دولة الامارات العربية المتحدة في استعادة سيادتها على جزرها الثلاث التي تحتلها إيران (طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبوموسى). وتؤكد مسيرة العلاقات التاريخية بين الامارات والمغرب أن الروح الأخوية والعزيمة الصادقة هي الأساس في حوارات البلدين وتعاونهما واتصالاتهما الثنائية في المناسبات كافة، فضلا عن التوافق المعهود في وجهات نظر البلدين حيال القضايا الاقليمية والدولية، وما يدعم هذا التوجه أن مواقف الجانبين ورؤاهما الاستراتيجية تتقاطع في كثير من المواقف، التي يبرز من بينها رغبتهما المشتركة في دعم المساعي الإقليمية والدولية لإرساء الأمن والاستقرار في المنطقة العربية وترسيخ قيم الانفتاح والاعتدال وقبول الآخر والتسامح والتعايش المشترك باعتبارها قيم تعكس جوهر الدين الاسلامي الحنيف وتؤسس لفكر انساني حضاري يسهم بشكل فعال في استئصال الفكر المتطرف والإرهاب بصوره وأشكاله كافة. ومن وجهة نظري، اعتقد أن الارقام والاحصاءات والمواقف الموثقة تعبر بشكل أفضل عن عمق العلاقات الاماراتية المغربية، ومن بين مؤشرات كثيرة استطعت حصرها من ملفات عديدة، أشير إلى وجود لجنة مشتركة تأسست منذ عام 1985 في الرباط، أي منذ ثلاثة عقود تقريباً، وهي اللجنة التي لعبت دوراً بارزاً في تفعيل التعاون بين البلدين الشقيقين، ولاسيما في قطاعات التجارة والاقتصاد والاستثمارات المشتركة، بما جعل دولة الإمارات تحتل المرتبة الأولى من حيث حجم الاستثمارات العربية في المملكة المغربية الشقيقة، كما استطيع القول بأن كل مرحلة تاريخية مرت على علاقات البلدين الشقيقين قد ولدت قوة الدفع الخاصة بها، فمثلما توافرت لمراحل التأسيس والبدايات قوة دفع كبيرة وضعت الأساس القوي للوضع الراهن للعلاقات، فإن المرحلة الراهنة في هذه العلاقات تشهد زخما إضافياً نوعياً يتمثل في توقيع مذكرة تفاهم بين المملكة المغربية وصندوق أبوظبي للتنمية في يونيو عام 2013، حيث تم منح الحكومة المغربية 25ر1 مليار دولار لتمويل مشروعات تنموية بموجب هذه المذكرة وضمن المنحة الخليجية البالغة 5 مليارات دولار لدعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية في المملكة، وساهمت دولة الامارات كذلك ب500 مليون يورو في رأسمال صندوق "وصال" للتنمية السياحية البالغ ملياري يورو، كما أصبحت الامارات أول مستثمر في بورصة الدارالبيضاء عام 2014 بنحو 5.5 مليارات دولار. وإضافة إلى ماسبق، تشير الاحصاءات إلى أن صندوق أبوظبي للتنمية قد أسهم منذ تأسيسه عام 1974 في دعم مسيرة التنمية المستدامة في المغرب، ويمتلك بصمات واضحة في قطاع البنى التحتية المغربية من مستشفيات وسدود وموانئ وطرق… ألخ، حيث بلغ قيمة القروض التي قدمها وأدارها الصندوق نيابة عن حكومة الامارات والمقدمة للملكة المغربية منذ عام عام 1976 نحو 3ر7 مليار درهم خصصت لتمويل 64 مشروعاً تنموياً تسهم من دون شك في دعم التنمية وتخفيف الأعباء عن الشعب المغربي الشقيق. وآخر هذه الاسهامات تمثل في تمويل بناء ميناء طنجة بمساهمة تقدر ب300 مليون دولار، بالإضافة إلى مساهمة الصندوق في تمويل إنشاء القطار فائق السرعة بين طنجةوالدارالبيضاء بنحو 100 مليون دولار. وتوج هذا التقدم المطرد في التعاون الثنائي بما تحقق من إنجازات خلال الزيارة الأخيرة لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة إلى المملكة المغربية الشقيقة، والتي شهدت توقيع 21 اتفاقية للتعاون الثنائي في مجالات مختلفة، بما يعكس وجود إرادة سياسية قوية على المضي بمسيرة العلاقات الاماراتية المغربية إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية. وقد شهدت السنوات الأخيرة تطور ملحوظ في حجم التبادل التجاري والاستثمارات الإماراتية في المملكة المغربية، وهناك عوامل عدة أسهمت بقوة في تعزيز مسيرة العلاقات البينية، وفي مقدمة هذه العوامل الزيارات المتبادلة التي يقوم بها كل من العاهل المغربي الملك محمد السادس وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، حيث لعبت هذه الزيارات دوراً مهماً في إضفاء قدر كبير من الحيوية والديناميكية على مستويات التعاون الثنائي في المجالات كافة، كما أسهمت في الاسراع بتنفيذ مشروعات التنمية والاستثمارات التي يتم الاتفاق عليها. وقد شهدت الزيارة الأخيرة لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان إلى المملكة المغربية افتتاح مستشفى الشيخ خليفة بالدارالبيضاء وتدشين مصنع إفريقيا للأسمدة ومعمل تحلية مياه البحر بالجرف الأصفر بإقليم الجديدة وتوقيع 21 اتفاقية تعاون بين البلدين الشقيقين كما ذكرت سلفاً، فضلا عن أن سموه قد ترك بصمات شخصية على مسيرة التنمية المشتركة للبلدين، حيث قدم سموه دعماً للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية ب100 مليون دولار، كما دعم مؤسسة محمد الخامس للتضامن ب10 ملايين دولار، ما عكس رغبة القيادة الرشيدة في دولة الامارات العربية المتحدة في دعم الشعب المغربي والاسهام في تحسين الخدمات المقدمة إلى هذا الشعب الشقيق، حيث يرى صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة أن العلاقات الأخوية بين دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة المغربية هي "نموذج للعلاقات الثنائية البناءة بين الدول الشقيقة". وختاماً، أثق كمراقب في أن العلاقات الاماراتية المغربية تمتلك آفاقاً واعدة للتطور والارتقاء، وهذا الأمر يعود بالنفع على الأمن والاستقرار في المنطقة العربية بشكل عام لأن البلدين يؤمنان بضرورة التعايش المشترك وتوطيد ركائز الأمن والسلام والاستقرار.