أرجع الدكتور أحمد الخمليشي، مدير دار الحديث الحسنية، ما يعيشه العالم العربي والإسلامي اليوم من ترديات وحروب أهلية، إلى تحييد المجتمع، منذ عهد الخلافة، عن مجالي الدين والسياسة. وقال، في مداخلته، ضمن أشغال الندوة الدولية، التي نظمتها جمعية "ثويزا" بمقر الجهة، إن تفسير بعض الآيات الخاصة بالشورى تفسيرا خاطئا لعب دورا كبيرا في إبعاد المجتمع عن الشأنين العام والديني وتقديم الفقهاء ورجال الدين في تأثر بما سبق الإسلام من أديان أخرى. وأوضح الخمليشي أن تداعيات هذا التحييد تمتد إلى اللحظة الراهنة وتفسر هذا التكاثر في الأديان، التي صارت تهدم سقوف المساجد على رؤوس المصلين، وتركب موجة العنف الدموي الناتج عنها. كما بين كيف امتدت آثاره إلى تكريس السلطة الاستبدادية غير المقيدة بأي قيود شعبية تستعين بالتفسيرات الدينية وتستمد قداسة اختصاصاتها من مفهوم الخلافة نفسه وعلاقته بالرسول (ص). ووقف الدكتور الخمليشي عند مستتبعات هذا التحييد، الذي طال نفي الفرد وجعل المجتمع الإسلامي برمته كتلة بشرية مأمورة ومنفذة وهو المشكل الذي استفحل اليوم. كما تطرق إلى انتهاج الدولة بسبب قلة الموارد، للطغيان، حيث كانت تأخذ أموال الناس بالقوة لتسيير شؤونها، بعدما كانت تعتمد في البداية على الأموال المتحصلة من الكفار عن طريق الفتوح وقلت مواردها في هذا الاتجاه، وعلى الترهيب من خلال انتقامها من المتمردين على طغيانها، حيث كانت تعمد إلى قطع رؤوسهم وتعليقها على أبواب المدن. وأشار الخمليشي إلى أن الاجتهاد الفردي يؤدي إلى كثرة وتشتت الآراء مما يخلق التوتر الذي تعيش الأمة تجلياته راهنا. إلا أنه نبه إلى أن كل هذه الاجتهادات تتم وفق قاعدة التقليد، وهو ما جعل من الإسلام الواحد إسلامات، وجعل الفتاوى تتناسل بشكل كبير بوصفها "ترجمان عن الله" كما صورها الفقهاء القدامى. وأكد الخمليشي أن على المثقفين مواجهة النصوص الدينية وهذا السيل المتدفق من الإفتاء مع ما يثيره من إعادة إنتاج التقليد بأشكاله. ورأى أحمد الخمليشي أن من دور المثقفين أيضا الدفاع عن شرعية الدولة في إطار أن تكون متماسكة مع قواعد المجتمع، معتبرا أن تمكين المجتمع من صلاحيات المساهمة في تأسيس الدولة والتشريع لها ضرورة للانتقال إلى مرحلة العقل، ولتحقيق التوازن بين حاجات الحياة اليومية والمعتقدات، داعيا المتدين إلى احترام غير المتدين والعكس على اعتبار أن الجامع بينهما هو العقل.