يقرر الكثير من الأزواج انهاء علاقاتهم كطريقة للتصدي لبعض المشاكل، لكن مرحلة ما بعد الطلاق ترمي بتداعياتها على الزوجة والأبناء بالخصوص، دون أن يتأثر الزوج الذي يتمكن من الانخراط في حياة جديدة، والتهرب من حياته الماضية، من خلال التخلي عن مسؤولياته المادية المتمثلة في توفير النفقة للزوجة والأبناء، مما يؤدي إلى توتر العلاقة بين أفراد الأسرة المنفصلة، وفي أحايين أخرى يصل التوتر للقطيعة بين الأبناء والأب المتهرب من النفقة. لم تكن حليمة تعلم أن زوجها الذي تحدى أسرته وفعل المستحيل من أجل الارتباط بها سيكون سببا في معاناتها التي دامت لسنوات، بعد أن استحال الاستمرار بينهما لأكثر من سنة. قرر زوج حليمة الانفصال ولم تجد هي بدا من قبول قراره دون تردد، بعد أن وجدت في أبغض الحلال الملاذ الأخير من أجل التخلص من المشاحنات اليومية التي تدور بينها وبين باقي أفراد الأسرة الذين لم يرضخوا لسياسة الأمر الواقع التي حاول الإبن فرضها عليهم. 17 سنة من التهرب بعد انتقال حليمة نحو بيت عائلتها استعدادا لتلقي خبر طلاقها بطريقة رسمية، فوجئت بحملها لكنها اتخذت قرار التكتم، حتى لا تؤثر على قرار زوجها، بعد أن استحالة فكرة تقبلها من طرف عائلة الزوج. رغم محاولة حليمة في اخفاء حملها، إلا أن الزوج تمكن من معرفة الأمر من طرف والدها الذي عارض فكرة التكتم بخصوص الحمل، معرفة لم تغير كثيرا من الوضع، لتحصل الزوجة على طلاقها، وتنتظر مجىء مولودها. بعد مرور أشهر وضعت حليمة مولودها الأنثى، لكن الاحتفال بالزائرة الجديدة اقتصر على أسرة الزوجة فقط، لتبدأ القطيعة بين العائلتين، دون اكتراث لمصير المولودة الجديدة. «لا أنكر أنني أخطأت، لكنني لم أكن على علم بما ستؤول إليه الأمور»، تقول حليمة التي تحمل نفسها مسؤولية تعقد الأمور، بعد أن اعتقدت في البداية أن زوجها سيتكفل بمصاريف ابنته دون أن تضطر هي لطلب الأمر منه بطريقة مباشرة. مرت الأيام والأشهر، وحليمة تنتظر أن يطرق الزوج الباب للسؤال عن ابنته، لكن الباب لم يطرق إلا لمرات قليلة، وكان الطارق هما الجدين اللذين بادرا بزيارتها دون علم الزوج الذي قرر بداية جديدة رفقة زوجة أخرى. «كنت أقول مع نفسي ها قد جاء الفرج، لكن سرعان ما أصاب بخيبة الأمل»، تقول حليمة التي كانت تعقد آمالها على زيارة والداي الزوج، اعتقادا منها أنها زيارات لإعادة المياه لمجاريها، أو فرصة ليتحمل الأهل نفقة حفيدتهم، لكن سرعان ما اختفى الزائران نهائيا نظرا لمشاغل الحياة، لتجد حليمة أنها رميت في زاوية النسيان رفقة صغيرتها. بعد وفاة والد حليمة الذي كان يتكفل بها ماديا، لم تجد من خيار آخر سوى طرق باب زوجها لتذكره بالطفلة التي تجمع بينهما، لكنها فوجئت بزوجها يشير لإبنه من زوجته الثانية قائلا، «أنا عندي ولد واحد هو هاداك اللي كتشوفي فيه»، حاول الزوج أن يحمل الزوجة مسؤوليتها في الابتعاد بينه وبين ابنته، «نتي اللي ما عمرك ماجبتيها ليا باش نعرف راه عندي بنت». ترتبك حليمة في تبني موقف محدد، وهي تتأرجح بين لوم الزوج، ولوم نفسها بخصوص صمتها، وعدم مطالبتها بحق النفقة مباشرة بعد أن رزقت بطفلتها. «طرقت باب المحكمة أكثر من مرة، لكنني كنت أتراجع»، تقول حليمة التي وجدت نفسها شبه تائهة أمام باب المحكمة، دون أن تعلم ما الخطوة الأولى، وما ستكون عليه الخطوة الموالية، لتتراجع في مرات كثيرة بعد أن اصطدمت بشهادات لنساء لم يفلحن في الحصول على النفقة من أزواج متهربين لسنوات طويلة. عمر ابنة حليمة اليوم 17، «لكن لم يسبق لها أن توصلت بدرهم واحد من والدها»، تقول الأم التي تجد أنها ضحت رفقة عائلتها حتى لا تشعر الابنة بأي عوز مالي، لكن السنوات كانت قاسية، «خاصة ملي كيجي العيد، والدخول المدرسي، والسوايع الإضافية...»، تقول الأم التي لا تتوانى في كل مرة عن تحميل نفسها مسؤولية التأخر في مطالبة الزوج بحق النفقة، مما جعله يتمسك بموقفه في التهرب من المواجهة، كما أنه كان يتحجج بالتواجد خارج المدينة، حتى لا يواجه الاستدعاءات الموجهة إليه. تمتهن الخياطة بانتظار النفقة ربيعة كانت أكثر شراسة من حليمة في المطالبة بحقها، لكن النتيجة كانت مشابهة. مرة أخرى طليق متهرب من تلبية المطالب المادية لأسرته. لم يدم زواج ربيعة طويلا لتجد نفسها تتجه صوب بيت عائلتها رفقة ابنتها ذات السبعة أشهر، مع تهديد بقرب موعد تطليقها، لم تكن الزوجة المهددة تعتقد أن الزوج مجد في قراره، معتقدة أن الأمر من باب التهديد فقط، لتفاجأ بجدية الأمر. لم تستسلم ربيعة كثيرا لحزنها لتطرق باب زوجها لتذكره بواجباته اتجاه ابنته، لم يتنكر الزوج للموقف بل طمئنها قائلا «ماغاديش نلوح بنتي». بقي الزوج وفيا لوعده مدة شهرين، لتجد ربيعة نفسها مضطرة لتذكير زوجها بواجباته، لكن الرجل تملص من التزاماته، ليزداد تعنته بعد أن أخبرته ربيعة أنها ستأخذ حقها وحق ابنتها بالقانون. كانت المسيرة طويلة بالنسبة لربيعة التي لم تغادر يوما محيط عائلتها، لتجد نفسها في ردهات المحاكم، وتطمينات المحامي، لكن كل ما استطاعت الزوجة الحصول عليه هو حكم لم يجد طريقه للتنفيذ بعد أن انتقل الزوج لمكان مجهول قصد التهرب من ملاحقتها، «أستغرب من فعل زوجي الذي يعلم حقيقة الحالة المادية المتواضعة لعائلتي، كما أستغرب لحماتي التي تتكتم عن مكان وجوده، دون أن تأخذها رحمة بحفيدتها»، وبانتظار أن تعرف الرحمة طريقها لقلب الزوج وعائلته، لم تجد ربيعة بدا من استغلال حبها للطرز والخياطة، لتحولهما لمصدر رزق لها، مع تلقيها لبعض المساعدات من أشقائها الذكور. تحاول ربيعة تدبير ميزانيتها بدقة، لكن الأقدار كثيرا ما تربك ترتيباتها، «أجد نفسي مرغمة على طرق باب عائلة زوجي عندما أشعر بالعجز لكن غالبا ما يقفوا مكتوفي الأيدي... عندما تعرضت ابنتي لحادثة سير لم أتمكن من تسديد نفقات العلاج لذا لجأت لعائلة زوجي، رغبة في أن يصله الخبر، لكن لم نتوصل منه بأي مساعدة، كما أنه لم يكلف نفسه عناء السؤال عن ابنته. تبلغ ابنة ربيعة من العمر واحد وعشرين سنة، لكنها لم تلتقي والدها، ولم تتعرف على ملامحه إلا من خلال الصور. سكينة بنزين