تجري في شهر دجنبر الحالي بمختلف هيئات المحامين بالمغرب الانتخابات المهنية ، لتجديد مجالس الهيئات ومؤسسة النقيب، بحيث تعتبر مهنة المحاماة من المهن الحرة المنظمة قانونا، وقد أسندت جميع التشريعات لأطر المهنة مهمة الإشراف على سير قطاع الدفاع، وذلك في مختلف بلاد المعمور، والفلسفة من ذلك تتجلى في ضمان الحفاظ على الدور الموكول للمهنة في الدولة والمجتمع ، والمتمثل في ضمان التوازن ما بين التطبيق السليم للقانون، وتكريس مبادئ دولة الحق والقانون، الذي تمثله هيئة الدفاع. والحفاظ على النظام العام والذي تتكفل به السلطة العامة. واعتبر إشراك كل مكونات هيئة الدفاع في تدبير شؤون وأمور المهنة ،من التساؤلات الملحة لأصحاب البذلة السوداء،خاصة بالمجتمعات، حيث تسود الثقافة البتريمونيالية، والتي تلبي بإنتاجها أفرادا غير مستقلين حاجة المجتمع البطريكي الحديث، ذلك أنها تعزز نظام الرعاية والولاء، وتضمن استمرار السلطة ذات الطابع البطركي، داخل المهن الحرة والمجتمع على السواء. وهذا ما يدفعنا إلى القول بمناسبة الانتخابات المهنية، بان إشراك المرأة المحامية في الأجهزة المسيرة للمهنة من مجالس الهيئات ومنصب النقيب ،يعتبر من التحديات الكبرى للقطع مع ثقافة التبعية، التي تنتج تكرار إمكانية قيام نفس الأفراد بمهمة تسيير شؤون المهنة. إن القراءة المتأنية لسلوك المحامية إبان الانتخابات المهنية، توضح بالملموس تكريس ثقافة التبعية والابتعاد عن الرغبة في تحمل المسؤولية من جهة، وانعدام التكتل المنتج للتغيير لدى المحاميات من جهة أخرى، ودلك على الرغم من ان قوانين المهنة وأعرافها لا تميز بين الرجل والمرأة في الشروط المطلوبة لتولي المسؤولية في مؤسسات المهنة . ان حضور المحامية في الأجهزة المسيرة للمهنة تاريخيا، يكاد يكون شبه منعدم. بحيث نلاحظ وعلى الرغم من أن أول امرأة مغربية قد التحقت بمهنة المحاماة قد كانت سنة 1966 وسجلت بهيئة المحامين بالرباط وهي الأستاذة نجاة الشرايبي برادة. وعلى الرغم من ارتفاع عدد الزميلات الممارسات للمهنة بحيث يشكلن ما يقارب من30% من المسجلين بجداول الهيئآت المغربية، فان عدد المحاميات اللواتي تقلدن المسؤولية داخل مجالس الهيئات لا يكاد يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة. ففي هيئة الدارالبيضاء وصل عدد المحاميات اللواتي تقلدن مهمة عضوات المجلس7 زميلات، وفي هيئة اكادير زميلتان، أما في هيئة مراكش فإن زميلة واحدة هي التي كان لها شرف العضوية بالمجلس.و في المجالس الحالية للهيئات فان عدد العضوات لم يتجاوز أربع زميلات ،في الوقت الذي يشكل فيه الأعضاء الذكور192 من اصل 196 عضو دون الأخذ بعين الاعتبار المقاعد التي آلت إلى النقباء السابقين بقوة القانون وهم كلهم ذكور. هذا في الوقت الذي لم تتولى فيه منصب النقيب إلا زميلة واحدة كانت بهيئة المحامين باكادير في الفترة من 1966 إلى 1968 وهي الأستاذة لوكاس ماجدولين. إن القوانين المنظمة للمهنة لا تميز بين الرجل والمرأة في الشروط المتعلقة بتولي المسؤولية داخل الأجهزة والمؤسسات المكلفة بتدبير شؤون الدفاع. ولكن واقع الحال مختلف كثيرا بحكم العادات والتقاليد، التي سمحت للرجل بالسيادة عبر التاريخ، وبحكم عزوف المحاميات عن العمل العام،وفي هذا الإطار تقول زميلة إن سبب هدا العزوف ناجم عن ان المرأة لا تمتلك الوقت الكافي لتولي المسؤولية داخل المجالس المهنية، حيث تجد نفسها موزعة بين عملها من جهة، وبين الاهتمام بالبيت من جهة أخرى، وهو أمر لا يعانيه المحامي الرجل الذي يمتلك كل الوقت للتفرغ للعمل العام، مضيفة ان نظرة المجتمع وشروط الأهل والزوج، تحد دائما من إمكانية المرأة ومدى إقبالها على العمل وتدبير الشأن المهني. إن تشكيل مجالس الهيئات السابقة وفشل المحاميات المترشحات في الحصول على أصوات زميلاتهن يدفع إلى التساؤل عن رغبة المرأة داخل المهنة بتولي أمورها، ذلك انه وفي معركة المصير المهني، فإن غياب المحامية عن الأجهزة المسيرة لا يتلاءم مع حضورها وبإلحاح في قلب جميع التحديات التي تواجه المهنة، ذلك انه وفي كل المحطات المهنية تنعكس صورة المحامية المغربية، في القرب أو في البعد،عن شعور أو عن غير شعور، وغالبا ما تكون هي المبعدة الصامتة فيها، الضحية الطيعة، وذلك على درجتين، فهي تبعد نفسها او مبعدة تحت نفس الشروط العامة ولنفس الأسباب التي تستبعد الرجال وتسحقهم اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا وثقافيا، ولكنها مستبعدة على درجة أخرى كأنثى كعضو اجتماعي قاصر وتابع للرجل وغير متساوي معه. لذلك ففي سياق بلورة وطرح إشكالية التفاوت البين في طريقة التعاطي مع مقاربة النوع الاجتماعي، كمنهاج ومرشد لتخطيط سياسة مهنية، قائمة على ترسيخ الحقوق، فإن الأمر ينبغي أن يأخذ بعين الاعتبار مبدأين أساسيين، لن يستقيم التخطيط الاستراتيجي الحقوقي داخل المهنة بدونهما وهما : التمكين بحيث ينبغي الانطلاق من منظور التخطيط الحقوقي من أولوية الحق على الحاجة لإتاحة الفرصة أمام الزميلات من أجل تملك وإدارة التمتع بالحقوق ،مع التأكيد على محورية الأداء داخل المهنة ،ومركزيتها في عملية التخطيط والإشراك . المساواة وعدم التمييز لكونه احد أهم أركان التدبير العقلاني، بحيث يكون الهدف من التصويت في الانتخابات، هو ضمان حضور كل مكونات المهنة في أجهزة تدبير وتسيير المحاملت لأنه يتيح فرصة لتيسير مشاركة الفئات المستهدفة والتفكير في الأسباب التي تجعل النوع الاجتماعي والعدالة الاجتماعية على درجة كبيرة من الأهمية بالنسبة إلى إعداد السياسات المهنية وانعكاساتها على المستهدفين والمستهدفات أي عموم المحامين والمحاميات. ومن جهة أخرى فان الحياة بصفة عامة ليست مسرحا للتفرج، بحيث على المحاميات أن يعملن على تحقيق الشروط الموضوعية والنفسية لاقتحام تدبير الشأن العام المهني،ذلك أن أهم نقط النقص مهنيا تتجلى في غياب المحامية من المراكز الإستراتيجية لتدبير المهنة لحد الآن، لذلك على المحاميات ان يقمن بدورهن في معركة التغيير، لان مصيرهن مرتبط اشد الارتباط في ذلك بمصير المهنة، ومصير المهنة في مصير المجتمع في شموليته. وهذا ما يدفع إلى طرح تساؤلات حول هل حان الوقت لكي تتكتل الزميلات لضمان حضورهن داخل مجالس الهيئات المقبلة من جهة، والتفكير في المشاركة في الإعداد لمخططات إستراتيجية تحافظ على الدور المحوري للمحاماة والمتمثل في الدفاع عن دولة الحق والقانون من جهة أخرى . إن التحول الذي عرفه تدبير الشأن العام وما أتى به من قواعد بهدف حث المرأة على تحمل المسؤولية في تدبير الشأن العام وما جاءت به الوثيقة الدستورية من قواعد لضمان مفهوم المناصفة، والمتمثل في المشاركة في تحمل المسؤولية في اتخاذ القرار وتحمل تبعاته، يدفع الى إحساس الزميلات بدورهن وضرورة الترشح والعمل على ضمان تواجدهن داخل مجالس الهيئات لضمان التوازن في مقاربة الشأن العام المهني. (*) محام بهيئة الدار البيضاء