يشكل مجيء بعض المناسبات مثل” العواشر” ورأس السنة الميلادية، فرصة للإنخراط في طقوس احتفالية تتشابه ملامحها في جل أنحاء المملكة، لكن بعض الآباء يقفون سدا مانعا أمام انخراط أبنائهم في الأجواء الاحتفالية. قسم من الآباء المعارضين يمانع لأسباب يراها دينية، والبعد يمانع لإعتقاده أن بعض المناسبات وافدة من ثقافة مختلفة، ومناقضة للأعراف والتقاليد، كما هو الحال في احتفالات رأس السنة، بينما يحتفظ بعض الآباء لنفسه بأسباب الرفض، دون أن يقدم لأبنائه أجوبة مقنعة، مما يدفع الأبناء للبحث عن أجواء الاحتفال بعيدا عن رقابة الأهل. تغص الساحات والواجهات الزجاجية ب”مخلوقات” ومصنوعات بلاستيكية تستنفر في الصغار متعة طفولية، يمتزج فيها الشغب بالزهو، لكن الأمر مختلف بالنسبة ليونس الذي يحاول سرقة متعته الطفولية بعيدا عن والده. احتفال بعيدا عن الأب لا يكترث الابن لتوصيات والده التي يرى فيها نوعا من المنع غير المبرر، بعد أن كانت الخطوات السابقة للأب تكتفي بنوع من التضييق من خلال الامتناع عن توفير المال الكافي لشراء لعب للأطفال. خصاص كانت تغطيه الأم من خلال المال الذي توفر جزءا منه من مصروف البيت اليومي، والجزء المتبقي من عطايا والدتها. لم يكتف الأب بدور الناصح ليستغل سلطته داخل البيت ويعلن رفضه النهائي لما اعتبره بدعة، وفعلا دخيلا. بالنسبة ليونس كل تبريرات والده لا تغدو كونها مجرد “تخربيق”، أمام المظاهر الاحتفالية التي تغزو حيه الشعبي. عناد غريب بدأ يتلبس الأب الذي أراد الإنسلاخ من الطقوس الموحدة التي تغزو المكان بحلول عاشوراء. حاولت والدة يونس إقناع زوجها بالعدول عن قراره، مما كان يجر الطرفين للدخول في ملاسنات لا تنتهي، لم يكن يونس ينتظر لمن ستكون الغلبة في هذا “الصراع”، ليجد لنفسه حلا من خلال الاستعانة بعمته التي قررت أن تشركه في فرحة أبنائها. «لا أستسيغ قرار أخي الغريب والمعاند، لكنني أحاول إسعاد الأطفال على طريقتي»، تقول ثورية التي تعبت من محاولاتها في إقناع شقيقها، لتعمل على إشراك ابنه الأصغر في ألعاب أبنائها بعيدا عن رقابته الصارمة. لا تستغرب ثورية كثيرا من قرار شقيقها غريب الأطوار، الذي ترى فيه ميالا لسرقة فرحة الآخرين منذ طفولته، «لم يكن أخي يحب اللعب، وكان يفضل قضاء وقته منفردا، بعد أن يعمد إلى تكسير ألعاب أقرانه، وهو اليوم يحاول دفع أبنائه نحو العزلة التي عاشها في صغره». لكن يونس وأشقائه يرفوضون الإذعان لرغبات والدهم، ويحاولون الإندماج قدر الإمكان في محيطهم. من أجل الذكرى بالنسبة لنورا ابنة الخمس عشرة عاما، لم يكن الاحتفال بنهاية رأس السنة يعني لها الكثير، وفقا للقناعات التي تلقتها داخل البيت، والتي تجعل من الأمر طقسا غريبا يستوجب حسب المنطق الذي ألفته داخل بيتها أن يبقى حكرا على النصارى. انتقال نورا من المرحلة الابتدائية نحو المرحلة الإعدادية، والتي اختارت أن تتابعها بمؤسسة تبعد عن محل سكنها، سمح لها أن تحتك بقناعات جديدة تجعل من الاحتفال فرصة لصياغة ذكريات لا تنسى. كانت الصور التي طالعتها نورا رفقة صديقاتها عقب رأس السنة فرصة للتعرف على معنى آخر للاحتفال، «كانت صور رائعة، دفعتني نحو شعور سلبي، والاحساس بعدم امتلاك ذكريات كافية»، تقول نورا ملخصة ما شعرت به حين رؤيتها للصور. لم يعد الاحتفال شيئا مستهجنا بالنسبة لنورا، ليتحول للحظة استمتاع تتجمع فيها الفتيات رفقة عدسات الكاميرا من أجل التقاط صور تؤرخ الذكرى، تفاصيل تحرص الفتاة بأن لا تصل لمسامع والدها، الذي ترى فيه أبا مثاليا، لكنه صعب الإقناع حين يتشبت بأمر يرى فيه صوابا. حذر يشعر الإبنة بنوع من الثقل، وهي تعمل على تخزين الصور في أماكن لا تصل لها يد الوالد، مع انتقادات مسترسلة من أم تخاف انكشاف الأمر. تعبر نورا عن انزعاجها من الموقف بقولها المممزوج بالسخرية والإنتقاد «كيخليوك تبقى تخبي عليهم، بحال يلا قاتل كينيدي». يتنازع الشعور بالمتعة والخوف سلوك نورا، التي كانت تفضل أن لا يوجد للطرق الملتوية مكان في علاقتها بوالدها. فرحة في الخفاء على نفس خطى نورا، تفضل سمية الانعتاق من تصور والدها، وهو يتساءل عن تفاهة الموقف الذي يدفع الجميع للدخول في معمعة الحصول على كعكعة الاحتفال برأس السنة. «الأمر أكبر من قطعة حلوى، بل هو سحر الجو»، تقول الفتاة بحرارة غريبة. قررت سمية الاحتفال على طريقتها منذ ثلاثة سنوات، وما يزيد من طرافة الموقف أن سمية تحتفل بمعية أشقائها داخل البيت دون علم الأب، مستغلة تواجد الأب بالطابق الأول من البيت، لتنظم رفقة أشقائها الحفل”الخفي” في إحدى الغرف المتواجدة بالطابق الثالث. تشير سمية أن نكهة المغامرة التي تطبع الاحتفال تزيد من تمسكها بالأمر، بالرغم من تأففها من تحمل مصاريف الحفل، إذ يكتفي باقي الأشقاء بالتهام ما تحتويه الصحون الموضوعة على الطاولة، دون المساهمة في تجهيز الحفل، لقناعتهم أن الأمر لا يستحق. تحاول الأم مجاراة أبنائها من خلال تسللها خفية اتجاه الطابق العلوي، دون علم الأب، موقف ترى فيه سمية انتقاصا للفرحة، التي كانت لتصبح أكبر لو شاركهم الأب ما يعتبره تفاهات... “المونيكات حرام” تمتلك زينب حظا أوفر، إذ لا يمانع والدها في توفير مجموعة من الألعاب من ماركات عالمية، يجلب معظمها من الولاياتالمتحدة، حيث تستقر عماتها، لكن فرحة الصغيرة تبقى منتقصة، لأنها لا تستطيع الحصول على دمى، «حيت المونيكات حرام»، تقول الصغيرة وهي تردد التبرير المقدم من قبل والدها الذي لا يمانع في تدليلها وتوفير متطلباتها، لكن بشروط تستدعي عدم تجاوز القناعات المتعارف عليها داخل البيت، حيث لا وجود للصور، ولا التماثيل التي من شأنها طرد الملائكة من البيت، وفقا للروايات الدينية التي يستند إليها الأب. لا تكترث الصغيرة للروايات التي تفوق قدراتها، وتصوراتها، لكنها تتأرجح بين الانصياع لرغبة الأب، وبين رغبتها الطفولية في مداعبة دمية قد تتحول لصديقة تتبادل معها أحاديث متخيلة كما حال جل الصغيرات. تجد زينب نفسها مجبرة على تغليب كفة الرفض المؤقت، «حيت بابا كيقولي إلى كنتي كتبغيني متلعبيش بالمونيكات» سكينة بنزين