ظروف صعبة تعيشها الكثير من الأسر رفقة أبنائها، منهم من يستسلم لينتهي المطاف بالتشرد، ومنهم من يهرب بعيدا ليترك الحمل على زوجة لا حول لها ولا قوة، تعاني التمزق بين توفير الرعاية للأبناء، أو الخروج لمعترك الحياة من أجل توفير لقمة العيش. قرية الأطفال استطاعت تجاوز هذه العقبة من خلال استحداث مشروع “دارنا”، الهادف إلى لم شمل الأم بأبنائها، من خلال تخصيص الفضاء لأنشطة تراعي حاجة الأم وأبناءها. يعج المكان بوجوه النساء رفقة أبنائهن، هناك بمركز”دارنا” بسيدي البرنوصي، التابع لقرية الأطفالsos ، كانت الفكرة رائدة تهدف إلى الإبقاء على قوة العلاقة، بين الأبناء وأمهاتهن، دون الحاجة إلى الفصل بينهما، كما هو معمول به في نظام القرية. تفتح الدار أبوابها للعائلات التي تعاني ظروفا اجتماعية صعبة، ولا تستطيع تلبية متطلبات أبنائها، إما لغياب الزوج نتيجة الطلاق أو الإختفاء، أو نتيجة عجز الزوج عن تلبية متطلبات الأسرة بالرغم من تواجده. وتنبني خطة الدار على إخراج النساء من خانة الإستسلام للأمر الواقع، إلى خانة تحمل المسؤولية، ودخول تجربة التعلم من أجل اكتساب مهنة، تضمن للأمهات مورد رزق، يساعدهن على تحمل جزء من نفقات الأسرة. وبالمقابل يستفيد الأبناء من مجموعة من الخدمات التي توفرها الدار، مثل وجود حضانة للأطفال دون سن التمدرس، وهي خطوة تعفي الأمهات من هاجس الخوف على سلامة الأبناء، إضافة إلى أقسام لتدريس الأطفال، وتوفير دروس الدعم في بعض المواد الدراسية، مع توفير الوجبات الرئيسية. دار بمواصفات خاصة صممت الدار بشكل يساهم في التخفيف من معاناة النساء. فضاءات مختلفة تراعي اعتبارات عدة، منها صغر الأبناء، مستوى وعي النساء، وحاجتهن الماسة للدعم المادي، لذا تم تخصيص الطابق الأرضي لتعلم فن طبخ الحلويات، بينما يضم الطابق الأول حضانة لرعاية الأطفال. أما الطابق الثاني فيضم ورشة لتعلم صناعة الشموع بطريقة احترافية، تراعي التعامل مع المواد الأولية، اختيار التصاميم الأنيقة، و تغليف المنتج في مرحلته النهائية. وقد ضم الطابق نفسه غرفة مقابلة خصصت للرسم على الزجاج... تخصصات ولدت الثقة لدى المستفيدات اللواتي يشعرن بمتعة التعلم الممزوج بالفنية. لا يتوقف دور الدار في التعليم، لكنه يتعداه إلى المساعدة في البحث عن فرص للشغل، وكذا تتبع كل حالة على حدة إلى حين بلوغ بر الأمان. وقد ابتكرت الدار فكرة افتتاح مطعم بالمدخل الأرضي بمحاذاة مع غرفة تعلم الخبازة، حتى تتمكن المستفيدات من تسويق منتجاتهن بعين المكان، إضافة إلى توفير طلبيات خاصة، وبالنسبة للشموع شرعت الدار في البحث عن أماكن للتسويق تستهدف الواجهات الكبرى، وبعض المحلات التي يرتادها السياح، إضافة إلى عرض نموذجين من مجسمات للشمع تحمل إحداهما شعار قرية الأطفالsos لحث الراغبين في التبرع باقتنائها تشجيعا لمسيرة النساء وإنتاجهن. شكل وجود الدار في حياة الأمهات والأبناء فرقا واضحا. الآن هن أكثر اتزانا على المستوى الشخصي، بعد أن أصبح لهن نشاط يأملن من خلاله تحمل التبعات المادية لأسرهن المتخلى عنها، إضافة إلى فضاء آمن يأوي أطفالهن طيلة اليوم، قبل العمل على اصطحابهم آخر اليوم، باتجاه بيت الأسرة، دون أن تحول الأوضاع الصعبة لإنفراط العقد الأسري كما هو وارد في مثل هذه الحالات. كما يستفيد الأطفال من توفير وجبات غذائية، وفصول دعم وتقوية، في بعض المواد الدراسية، إضافة إلى متابعة نفسية. * حقائب متفردة زيارتنا للدار صادفت يوما خاصا،، الهدف منه تزويد الأطفال في وضعيات صعبة، بحقائب مدرسية، بعد أن عجز الأهل عن توفيرها خلال الأيام الأولى للدخول المدرسي. « أنا فرحان بزاف» يترجم محمد بعفوية طفولية إحساسه بعد الحصول على حقيبته المدرسية، فرحة لها ألف مبرر. هي ستعفيه من حمل أغراضه داخل كيس بلاستيكي، سيشعر بالتميز ونكهة التفرد، مغايرة لذاك التمييز الذي كان يشعر به حين يسأل عن سبب عدم توفره عن حقيبة. لن يضطر للقول بأن والدته لا تستطيع توفير أهم المتطلبات الأساسية لطفل في سنه رفقة ستة من أشقائه. لن يضطر مرة أخرى للحديث عن والده الذي اختار الحياة رفقة زوجة ثانية وبداية حياته، بعيدا عن توفيرأضعف متطلباته الطفولية. ماذا يعني الحصول على حقيبة؟ لا شيء بالنسبة للبعض، أما أولئك المنسيون فالأمر يعني لهم الكثير، « هذه البادرة التي قد يستصغرها البعض، يمكنها أن تغير مصير طفل للأبد، الكثير من الأطفال توقفت مسيرتهم الدراسية الحالمة، لعدم توفرهم على حقيبة مدرسية، أوحتى الاستفادة من دفترأوقلم...الأمر يعني الكثير عكس ما قد يتصوره البعض» يقول محمد بلعوشي مسؤول قسم التواصل بمديرية الأرصاد الجوية، أثناء حضوره لحفل توزيع الحقائب المدرسية الذي نظمته الدار، في إطار شراكة مع مؤسسة كوكا كولا. تسلم المهدي محفظته، وضعها في حضنه ليطالع محتواها، ويقارنها بمحتويات زملائه، « ماما غادي تفرح بزاف من غادي تشوف المحفظة ديالي، حيت حنا معندناش الفلوس باش نشريو الأدوات» كلمات لها وقع السوط، تخرج على استحياء من ثغر مبتسم، لطفل تعني له الخطوة الشيء الكثير. وكما المهدي ينتظر 300 طفل موعدهم مع حقائب مدرسية مميزة، صنعت خصيصا تحت الطلب، لتكون عنوانا للافتخار والتميز، هذه المرة لن يبالغ الأطفال كما عادتهم، حين سيدعي كل واحد منهم،« لا أحد في المغرب يملك مثل حقيبتي». كلمة لا تقاس بميزان المبالغة اللغوية أو المجاز، لكنها حقيقة. خطوة كان الهدف منها تمكين الأطفال من وسائل تساهم في تشجيعهم وتشجيع عائلاتهم من أجل مواصلة الدراسة، لكون الكثير من الأسر تضطر لتوقيف أبنائها عن الدراسة لعدم توفر الكتب والأدوات المدرسية. ومن بين الأهداف المنشودة أيضا، أن يشعر الأولاد بنوع من التفرد لامتلاكهم محفظات غير متوفرة بالسوق، إضافة إلى تشجيع عملية إعادة التصنيع التي من شأنها الرفع من الوعي البيئي لدى الأطفال. أهداف استوعبها بعض الأطفال، بينما آخرون في الطريق إلى استيعابها مستقبلا، لكن في اللحظة الراهنة كل ما يهمهم هو الحصول على المحفظة، والالتفاف حول مائدة الحلويات والمملحات المصنوعة من يد أمهاتهم، اللواتي يستفدن من دعم الدار في تكوينات مختلفة تساعدهن في تعلم مهن تمكنهن من مسايرة أعباء الحياة، بعد أن قرر الزوج الهرب بعيدا، وفي أحيان أخرى لا يحدث وجوده سندا، لاعتبارات صحية أو لضيق ذات اليد. فضاء للثرثرة النسائية! الدار أيضا تشكل فرصة للفضفضة، وتبادل التجارب النسائية. مقارنات بسيطة بين قصصهن تجعل بعضهن يؤمن أن لمشاكلهن حلا مقارنة بالباقي، «أخرج من هنا أكثر راحة حين أعلم أنني لست الوحيدة التي تعاني، نتعامل كما الأخوات وعلاقتنا تتوطد خلال مرحلة التعلم. أضافت لنا هذه التجربة الشيء الكثير، وتمكنت شخصيا من تعلم الخياطة. لطالما أحسست أنني مبتكرة وأنا أتخيل بعض التصاميم، اليوم أنا في الطريق لتحقيق أمنيتي من خلال تكوين سيستمر مدة عامين» تقول حياة التي تحضر للدار رفقة أبنائها، معربة عن سعادتها في حصول أبنائها على حقائب مدرسية، لعدم قدرة زوجها على توفير المطلوب، بعد إصابة تعرض لها في أحد عينيه... وجوه كثيرة تحاول تجاوز محنتها ومحنة أبنائها وجدت المأوى الآمن، دون أن تضطر لتذوق طعم الانفصال. سكينة بنزين