مولدافيا تدعم مخطط الحكم الذاتي وتعتبره الأساس لتسوية النزاع حول الصحراء المغربية    الملك محمد السادس يهنئ دانييل نوبوا أزين بمناسبة إعادة انتخابه رئيسا لجمهورية الإكوادور    أسعار صرف العملات اليوم الأربعاء    ابنتا الكاتب صنصال تلتمسان من الرئيس الفرنسي السعي لإطلاق سراح والدهما المسجون في الجزائر "فورا"    واشنطن توافق على صفقة صواريخ مع المغرب بقيمة 825 مليون دولار    طقس الأربعاء.. قطرات مطرية بعدد من المناطق    وجدة.. تفكيك شبكة متورطة في تزوير وثائق التأشيرات    المغرب يعزز درعه الجوي بنظام "سبايدر".. رسالة واضحة بأن أمن الوطن خط أحمر    موظفو الجماعات يدخلون في اضراب وطني ليومين ويحتجون أمام البرلمان    الصين تسجل نموا بنسبة 5,4 في المائة في الربع الأول    مؤسسة الفقيه التطواني تنظم لقاء مواجهة بين الأغلبية والمعارضة حول قضايا الساعة    بطولة إسبانيا: توقيف مبابي لمباراة واحدة    مسؤولة تعرف الرباط بالتجربة الفرنسية في تقييم العمل المنزلي للزوجة    حملة ليلية واسعة بطنجة تسفر عن توقيف مروجين وحجز آلات قمار    التهراوي يعطي الانطلاقة لمعرض جيتكس ديجي هيلث ويوقع على مذكرات تفاهم    نسبة ملء السدود بلغت 49.44% وحقينتها ناهزت 6 ملايير و610 مليون متر مكعب من الموارد المائة    أشبال الأطلس يتأهلون إلى نهائي كأس أمم إفريقيا على حساب الكوت ديفوار    جهة طنجة تطوان الحسيمة: إحداث أزيد من ألف مقاولة خلال شهر يناير الماضي    عودة التأزّم بين فرنسا والجزائر.. باريس تستدعي سفيرها وتقرّر طرد 12 دبلوماسيا جزائريا    ثغرة خطيرة في واتساب على ويندوز تستنفر مركز اليقظة وتحذيرات لتحديث التطبيق فورا    إحباط تهريب 17 طناً من مخدر الشيرا في عملية أمنية مشتركة    توقيف شبكة تزوير وثائق تأشيرات وتنظيم الهجرة غير الشرعية    السفير الكوميري يطمئن على الطاوسي    مولدوفا تنضم إلى إسبانيا في دعم مبادرة الحكم الذاتي المغربية    رغم خسارة الإياب.. برشلونة يتألق أوروبيًا ويعزز ميزانيته بعد الإطاحة بدورتموند    الطقس غدا الأربعاء.. أمطار وثلوج ورياح قوية مرتقبة في عدة مناطق بالمملكة    تشكيلة أشبال الأطلس ضد كوت ديفوار    مصرع سائق سيارة إثر سقوطها في منحدر ببني حذيفة    العلوي: منازعات الدولة ترتفع ب100٪ .. ونزع الملكية يطرح إكراهات قانونية    اتفاقيات "جيتيكس" تدعم الاستثمار في "ترحيل الخدمات" و"المغرب الرقمي"    أرسين فينغر يؤطر مدربي البطولة الوطنية    تحفيز النمو، تعزيز التعاون وتطوير الشراكات .. رهانات الفاعلين الاقتصاديين بجهة مراكش أسفي    حين يغيب الإصلاح ويختل التوازن: قراءة في مشهد التأزيم السياسي    خريبكة تفتح باب الترشيح للمشاركة في الدورة 16 من المهرجان الدولي للفيلم الوثائقي    فاس تقصي الفلسفة و»أغورا» يصرخ من أجل الحقيقة    لقاء تشاوري بالرباط بين كتابة الدولة للصيد البحري وتنسيقية الصيد التقليدي بالداخلة لبحث تحديات القطاع    إخضاع معتد على المارة لخبرة طبية    عمال الموانئ يرفضون استقبال سفينة تصل ميناء الدار البيضاء الجمعة وتحمل أسلحة إلى إسرائيل    حرس إيران: الدفاع ليس ورقة تفاوض    "ديكولونيالية أصوات النساء في جميع الميادين".. محور ندوة دولية بجامعة القاضي عياض    وفاة أكثر من ثلاثة ملايين طفل في 2022 بسبب مقاومة الميكروبات للأدوية    دراسة أمريكية: مواسم الحساسية تطول بسبب تغير المناخ    فايزر توقف تطوير دواء "دانوغلبرون" لعلاج السمنة بعد مضاعفات سلبية    توقيع اتفاقيات لتعزيز الابتكار التكنولوجي والبحث التطبيقي على هامش "جيتكس إفريقيا"    محمد رمضان يثير الجدل بإطلالته في مهرجان كوتشيلا 2025    إدريس الروخ ل"القناة": عملنا على "الوترة" لأنه يحمل معاني إنسانية عميقة    نقل جثمان الكاتب ماريو فارغاس يوسا إلى محرقة الجثث في ليما    قصة الخطاب القرآني    اختبار صعب لأرسنال في البرنابيو وإنتر لمواصلة سلسلة اللاهزيمة    المغرب وكوت ديفوار.. الموعد والقنوات الناقلة لنصف نهائي كأس أمم إفريقيا للناشئين    فاس العاشقة المتمنّعة..!    أمسية وفاء وتقدير.. الفنان طهور يُكرَّم في مراكش وسط حضور وازن    المجلس العلمي للناظور يواصل دورات تأطير حجاج الإقليم    خبير ينبه لأضرار التوقيت الصيفي على صحة المغاربة    إنذار صحي جديد في مليلية بعد تسجيل ثاني حالة لداء السعار لدى الكلاب    العيد: بين الألم والأمل دعوة للسلام والتسامح    أجواء روحانية في صلاة العيد بالعيون    طواسينُ الخير    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يختزنون بداخلهم قصصا هي ليست بالضرورة عادية : المشردون حياة آلام وآمال ضائعة

ما أن تشرع أوراق الأشجار في السقوط مع أولى هبات رياح فصل الخريف ومع أولى قطرات المطر، حتى يشرعون بدورهم في السقوط تباعا، مشخِصين «ملحمة تراجيدية» عنوانها الرحيل من الدنيا صوب العالم الآخر. أجساد تتكوم في هذا الملتقى أو ذاك، بحديقة أو بجانب خط السكة الحديدية أو على أي رصيف، آنذاك قد يستفز البعض منظرهم، في حين قد يجده البعض الآخر أمرا عاديا وطبيعيا بحكم تعايشه معه، وبحكم أن مشهد المشردين من مختلف الفئات العمرية ومن الجنسين معا، أصبح مألوفا !
قد لايثيرون الانتباه إلا عند حالات الاستجداء، أو خلال تناولهم للكحول الحارق، أو نفخهم للأكياس البلاستيكية المحشوة ب «السلسيون» من أجل التخدير، أوفي حالات يثيرون خلالها الرعب في نفوس المارة عندما تنتابهم نوبات هستيرية تفيد بأن قواهم العقلية غير متحكم فيها، أما في غير هذه الحالات، فإن مشهدهم يصبح جزءا من مؤثثات الحياة اليومية لسكان العاصمة الاقتصادية التي لاتضيق بمشرديها من أبناء المدينة لوحدهم، وإنما تستقبل بين «أحضانها» مشردين آخرين أو «هاربين»، هم من بنات وأبناء مدن أخرى لاسقف لهم يأويهم سوى الشارع.
العثور على متشرد بالعاصمة الاقتصادية ليس بالأمر العسير أو الصعب، سواء تعلق الأمر منهم ب «الأسوياء» أو بمن يعانون من أمراض نفسية واضطرابات عصبية، فشوارع المدينة ومرافقها باتت هذه الفئة من المواطنين جزءا من سماتها. فرادى، مثنى مثنى وجماعات، يجلسون القرفصاء أو يفترشون الأرض ويلتحفون السماء، بجنبات المحطة الطرقية لأولاد زيان، كما هو الحال بالنسبة لساحة السراغنة، وللميناء، وعلى طول خط السكة الحديدية، أو بجنبات الممر تحت أرضي للكرة الأرضية بوسط المدينة، وبجوار فنار العنق... تعددت النقاط الجغرافية والمشهد واحد، مشردون ينتشرون في كل مكان.

تعددت الأسباب والتشرد واحد

«ضحك عليا واحد ولقيت راسي ما بين ليلة ونهار امراة ومابقيتش بنت، خفت من دارنا وخفت من لفضيحة وأنا نخرج للشارع»، كثيرات هن من يرددن هاته الجملة إن هن اقتنعن بالجلوس إليك ومخاطبتك، فالحوار مع «سكان الشارع العام» ليس بالأمر الهين، فعاملا الثقة والاطمئنان عنصران أساسيان لتجاذب أطراف الحديث مع المشردين الذين لامأوى لهم، وهو ما تأتى ل «الاتحاد الاشتراكي» عندما خرجت مرة أخرى إلى الشارع للحديث مع أصدقاء «علي زاوا» !
حالة «خديجة» هي جزء من حالات كثيرة لفتيات كن يعشن حياة سعيدة وهادئة قبل أن تتحول قصص الحب والعشق التي عشنها إلى جحيم يكتوين بلهيب نيرانه لوحدهن أو رفقة أبنائهن، في حين أن أخريات كن ضحية للاستغلال الجنسي والاغتصاب من طرف أب أو أخ أو عم أو خال، فكان وقع الصدمة عليهن ثقيلا، لذلك فضلن الهروب من العار نحو المصير المجهول الذي لم يكن يخلن يوما أنهن سيعشن تفاصيله.
رشيد طفل في الثانية عشرة من عمره، يقص حكايته التي رمت به إلى الشارع والتي لم تكن المتسببة في ذلك غير والدته، وفق روايته، التي يقول إنها تزوجت من رجل آخر بعدما طلقها والده رغبة في سيدة أخرى، فلم تقبل به لا الأم وزوجها ولا الأب وزوجته، مفتقدا دفء الوالدين ليبحث له عن عزاء في دفء جدران باردة وجامدة ! أما سعيد الذي يبلغ من العمر14 سنة ، والذي لم يكن سعيدا بالمرة بل تعيسا بالمطلق، فقد استولى شقيقه على الغرفة التي كان يقتسمها معه إبان حياة والدته عندما انتقلت إلى عفو الله، فأقدم شقيقه على الزواج وطرده إلى الشارع !
قصص مؤلمة قد لاتكون بأجمعها صادقة وقد تتضمن بعض التفاصيل الواقعية، إلا أنها لم تغير من الأمر الواقع شيئا الذي ليس سوى حياة التسكع شتاء وصيفا، مشردون معرضون للعنف، للاغتصاب وللقتل كما وقع بالنسبة لضحية «الكرة الأرضية»، أو للأمراض المختلفة وللجنون، وهو مادفعنا إلى تغيير وجهتنا نحو دار الخير بتيط مليل للبحث في حياة المشردين الذين من المفروض أن وحدات المساعدة الاجتماعية تنقلهم إليها لتمنحهم مأوى بديلا عن الشارع وقساوته.

تيط مليل .. «السبيطار»

التوجه صوب مؤسسة الرعاية الاجتماعية دار الخير بتيط مليل، لم يكن بسيطا ، فهي توجد في نقطة جغرافية ما وراء عمالة مديونة، ويتطلب الوصول إليها وقتا وكثيرا من الأسئلة ، أسئلة بمضمون واحد «فين جات دار الخير تيط مليل الله يخليك؟»، ليكون الجواب مفاجئا وهو أن سكان المنطقة لايعرفون المؤسسة التي كنا نستفسر عن مكان وجودها، واتضح بعد جهد أنهم يطلقون عليها «السبيطار»!
إسم خلنا أنه مستمد من واقع المرضى الذين يعيشون داخل جدرانه والذين يخضعون للعلاج بالأدوية في انتظار لحظة الشفاء، إلا أنه تبين لنا أن تحليلنا ما هو سوى جزء من الحقيقة، أما الجزء الآخر الذي هو أساس التسمية، فيتمثل في كون المؤسسة تجاور مستشفى فعلي للأمراض العقلية والنفسية هو لوحده موضوع وأي موضوع، فالبناية التي تحتضن أشغال بناء، تبدو كئيبة وجامدة، وما أن تتجاوز بوابتها الخارجية حتى تجد في استقبالك عشرات من المرضى وهم يجلسون القرفصاء، الذين ما أن يلمحوا أحدهم حتى يتوجه كل واحد منهم نحوه، ويطالبه بسيجارة أو «شي بركة»، كما هو الحال بالنسبة لأحدهم الذي لازمنا خلال جولتنا بالأرجاء الخارجية للمستشفى وهو يردد « شي درهم ولاغير عشرة، وعا ربعة ولاشي جوج دريال، حتى ريال لا ؟ إيوا شي بونية ولا شي شمال غير باش ماسخاكم الله ..» ؟ في حين جلس الأسوياء من المستخدمين خلف شباك مسيج بالحديد!
غادرنا «السبيطار» في اتجاه البناية المجاورة له التي توجد على بعد أمتار منه، لنجد أنها تتوفر على مقومات الأنسنة، فبناياتها نظيفة و«مصبوغة»، والاخضرار يحيط بها من كل جانب. طفنا الأجنحة حيث يتواجد المسنون، النساء لوحدهن والذكور لوحدهم، البعض منهم يجلس على كرسيه المتحرك، والبعض الآخر يأخذ حمام شمس، بينما آخرون فضلوا المكوث بالفراش. كانت الجولة مناسبة لنا للقاء سيدة الجبل القادمة من نواحي خنيفرة، والتي تبلغ من العمر 114 سنة، كما تحدثنا إلى إبنة الحسيمة التي منحها «صديق» لها شيئا لتأكله فقدت صوابها وعذريتها على إثره والتي لاتريد الذهاب إلى أي مكان متشبثة بأن لا أهل لها، كما التقينا إبنة طنجة، الأم العازبة التي سيلتحق طفلها بمؤسسة خيرية بالجديدة، وابن جمعة اسحيم الذي اتضح أنه تعافى وبأنه سيغادر أسوار الدار عما قريب ...، حالات كثيرة ، كل واحدة منها قصة مأساوية تفاصيلها حزن وألم ومعاناة، كما هو الحال بالنسبة لمفتش سابق بوزارة المالية ولغيره من نزلاء المؤسسة الذين اختلفت ظروف تواجدهم بها، والذين منهم الأسوياء ومنهم المرضى الذين تخلى عنهم الجميع ولا يعون ما يدور أمامهم من وقائع وأحداث، مما يجعل منهم أشخاصا «خارج الدنيا» ..

مشردون من هنا ومن هناك

أطلقت مؤسسة الرعاية الاجتماعية دار الخير تيط مليل برنامجا يحمل إسم «فرصة» من أجل إدماج الأشخاص بدون مأوى في 12 ماي 2008، وقد بلغ عدد الحالات التي تم ضبطها منذ ذلك التاريخ إلى غاية 31 دجنبر 2010 ، ما مجموعه 11851 مشردا من الجنسين، 948 من الإناث، بينما بلغ عدد الذكور 10850 مشردا، في حين وصل عدد المرافقين إلى 53 حالة، وقد ضبطت بحوزة هؤلاء الأشخاص مبالغ مالية وصلت إلى 111.679.30 درهما.
مشردون من مختلف الأعمار، 28 منهم يتراوح سنهم ما بين 0 و 4 سنوات، 113 ما بين 5 و 12 سنة، 1615 ما بين 13 و 20 سنة، 5981 حالة ما بين 21 و 40 سنة، 3131 ما بين 41 و 60 سنة و 983 حالة ما فوق 61 سنة. في حين تراوحت وضعيتهم الصحية ما بين 1591 شخصا يعانون من مرض مزمن، 516 معاقا، 2460 مختلا عقليا و 7284 شخصا عاديا.
الوافدون على دار الخير تيط مليل ليسوا من «سكان» الدارالبيضاء لوحدها فقط، ف «أهل» هذه المدينة الذين أقاموا بالمؤسسة بلغ عددهم 8076 شخصا، بينما 3784 حالة هي من خارج العاصمة الاقتصادية، 9003 حالة بدون روابط عائلية، 2848 حالة كانت تتوفر على قرابات أسرية، 1615 منهم بدون مستوى تعليمي، 3016 يتوفرون على تعليم ابتدائي، 4991 مستواهم الدراسي إعدادي، 2116 ثانوي، و113 حالة ذات مستوى دراسي عالٍ . وقد تم التمكن من إدماج 9940 حالة عائليا، وتم التكفل ب 1876 حالة داخل المؤسسة، فيما استفادت 35 حالة من الإدماج المؤسساتي.

صحة، درك، أمن، وسلطة محلية

تواجد المشردين بالشارع العام وإن يُحمّل الجهات المتدخلة المسؤولية في استمرار حضورهم به دون مأوى ودون رعاية أو حماية لهم ولغيرهم، إلا أنه لا يلغي دور عدد من المتدخلين ومجهوداتهم خلال حالات بعينها ، كما هو الحال بالنسبة ل «مسعود» الذي يبلغ حوالي 60 سنة، والذي ظل مشردا في الدارالبيضاء التي قدم إليها من « ثلاث الحنشان» إلى أن تدهورت وضعيته الصحية فنقل إلى مستشفى محمد بوافي في 6 ماي 2010 لتلقي العلاج من حالة الاجتفاف التي كان يعانيها، فقام العاملون بالمستشفى بتحميمه ومنحه الملابس وتوفير التغذية له والدواء بعد إجراء الفحوصات الطبية بجهاز السكانير وصور الأشعة، إلى أن تعافى فتم ربط الاتصال بمصالح الدرك الملكي بمسقط رأسه التي أجرت تحرياتها وأكدت بالفعل وجود أقارب له، فعملت إدارة المستشفى على تحمل مصاريف السفر لإيصاله إلى أسرته.
حالة مسعود لم تكن الوحيدة، فهناك حالة «عبد الرحيم» الذي يبلغ من العمر حوالي 40 سنة، والذي ولج المستشفى في 16 يوليوز من نفس السنة على إثر تعرضه لكسور نتيجة لحادثة سير بالطريق العام، فخضع للعلاجات، وبعد أن أسرّ بأن له أسرة بسيدي مومن تم ربط الاتصال بها ،وبالفعل حل شقيقه بالمستشفى الذي تسلمه وغادرها برفقته.
«يوسف» الذي يبلغ من العمر حوالي 36 سنة، هو الآخر ولج المستشفى في 28 يوليوز ولم يغادرها إلا في 6 شتنبر، بعد أن خضع للعلاج من الاضطرابات النفسية التي كان يعاني منها، إلى أن تبين أن له أسرة بمنطقة أبي الجعد، حيث عملت الوسيطة الاجتماعية مرة أخرى على الاتصال بمصالح الدرك الملكي للتأكد من هويته وصدق المعلومات، وبالفعل حل شقيقان له بالمستشفى واصطحباه إلى منزل الأسرة .
«بهيجة»، وهي أم عازبة مزدادة سنة 1981، هي الأخرى وجدت نفسها بالمستشفى رفقة ابنتها التي تبلغ من العمر 4 سنوات، نتيجة للتعفنات التي أصابتها بفعل العتاد الطبي «لحديد» المزروع في رجلها بعد إصابتها بكسور، فتلقت العلاجات وتمت رعاية ابنتها، وهي بدورها تم الاتصال بدرك الدروة، وربط الاتصال بأسرتها التي حلت لتصطحبها بعد تلقيها العلاج.
حال «محمد» كان أسوأ من حالات المشردين التي سقناها، فهذا الرجل الذي يبلغ من العمر حوالي 50 سنة، حل بالمستشفى في 18 نونبر إثر تعرضه لحادثة سير بالطريق العام أدت إلى إصابته بكسر على مستوى الرجل، فتلقى العلاجات الضرورية، ولما حاولت الوسيطة الاجتماعية، بتنسيق مع إدارة المستشفى، العمل على ربط صلته بأسرته ونقله إلى منزلها بإحدى أزقة المدينة القديمة، تمت مواجهتهم بالرفض حتى بعد تدخل رجال الأمن، فهذا الأخ من الأم لم يكن مرغوبا فيه من طرف أخويه، اللذين صرحا بأنهما بالكاد يجدان ما يسدان به رمقهما فكيف سيوفران له الرعاية وهما أحوج إليها بدورهما !
مشردون آخرون لم يكتب لهم مغادرة المستشفى والعودة إلى الشارع العام، فقد كانت وجهتهم الأخيرة نحو مركز الطب الشرعي ومن هناك نحو الثرى حيث ووري جثمانهم، بعد أن فارقوا الحياة في لحظة مرض صامت زحف على أجسادهم العليلة، التي فعل فيها الزمن فعلته ونخرت الأمراض عظامهم، فكان أن التقت جفونهم في آخر غمضة.
هي حالات لبعض المشردين الذين منهم من يعطي تفاصيل عن حياته وأسرته ومسقط رأسه، فيتم ربط الاتصال بمصالح الدرك، والمصالح الأمنية والسلطات المحلية للمساعدة على التأكد من هوية المعنيين بالأمر وصحة البيانات التي أدلوا بها حتى يتسنى تجميعهم بأفراد أسرتهم، في حين يفضل آخرون التكتم أو الإدلاء ببيانات كاذبة يتضح أنه لا أساس لها من الصحة عند القيام بالتحريات بشأنها!

حالات اجتماعية

كثيرون هم الذين ينظرون إلى المشردين نظرة ازدراء واحتقار، فهم لايحكمون إلا على المشاهد التي يرونها أمام أعينهم، غير مستحضرين بأنه يمكن أن تكون حياة هذا المشرد أو ذاك حبلى بالمفاجآت وبتفاصيل مأساوية تبعث على الرثاء والشفقة في كثير من الأحيان. كما هو الحال بالنسبة ل «حسن» الذي يبلغ من العمر حوالي 40 سنة، والذي انقلبت به الأحوال وهو الذي كان يزاول مهنة «شاوش» بولاية الدارالبيضاء، إلى أن انقلب حاله وأصبح عرضة للشارع، يتسكع بين «أرجائه» ويبيت في العراء، شأنه في ذلك شأن «غنية» التي تشكل قصة حياتها عنوانا لمأساة كبرى، فوفقا للرواية المتداولة بشأنها، فإن هذه السيدة المتشردة والتي تبلغ من العمر حوالي 36 سنة، حاصلة على الإجازة في العلوم السياسية، وفي وقت سابق عقدت قرانها على أحد عناصر الحرس الملكي، والذي أنجبت منه طفلتين، إلى أن ارتكبت خطأ ما قد يكون جسيما ترتب عنه طلاقها من زوجها واحتفاظه بالبنتين، في حين وجدت نفسها وحيدة ونسجت علاقة مع أحد المهاجرين بالديار الإيطالية، نتج عنها حمل فولادة طفل، في حين أخلف الشريك الجديد الموعد وتركها رفقة إبنها عرضة للشارع، لتعيش معه حياة التشرد، وكم كان مشهدها مؤلما وهي تنقل على متن سيارة الوقاية المدنية من حديقة عمومية بمعية صغيرها، صوب المستشفى وآثار الاعتداء واضحة على ملامح وجهها تارة، وتارة أخرى يعاني طفلها ذو الأربع سنوات من عدوى على مستوى العين، مما تطلب تدخلا طبيا حتى في غياب الفضاء لاحتضانه والجهد الذي تتطلبه الرعاية والاهتمام به والمحافظة عليه من كل مكروه.
«بنعلال» مشرد يبلغ من العمر حوالي 70 سنة، شخص مثقف يتقن اللغة الفرنسية، ويتميز بالحذر، فطيلة مكوثه بالمستشفى لتلقي العلاج لم يفصح عن أية معلومة عنه أو عن حياته وعلاقاته، وحتى إحدى الشابات التي كانت تزوره بين الفينة والأخرى والتي كان مظهرها يبين أنها من أسرة ميسورة، هي الأخرى لم تفصح عن أي شيء، فكان أن اجتهدت الوسيطة الاجتماعية وحاولت أن تنبش في ماضيه، إلى أن شكت أنه قد يكون أحد المغاربة اليهود، فربطت الاتصال بالمؤسسة المعنية، التي اعتبرت أن الأمر لا أساس له من الصحة اعتمادا على اسمه ولقبه، وبقي هو في المستشفى يتلقى العلاج إلى أن غادره نحو وجهة مجهولة ؟
آخر الحالات هي ل «رقية» التي تعيش متسكعة وتعاني من اضطرابات نفسية وعقلية، فهذه الأم العازبة أنجبت 5 أطفال 3 منهم وضعوا بمؤسسات خيرية، وإثنان بقي مصيرهما مجهولا، وهي عرضة للاستغلال الجنسي المستمر، الأمر الذي يهدد بإنجابها لأطفال مرة أخرى، قد يعانون من اضطرابات نفسية، وقد يصابون بأمراض نتيجة للعدوى من والدتهم، وقد يكون مصيرهم البيع كما يمكن أن يكون مصيرهم القتل، وهي احتمالات سوداء كلها قابلة للتحقيق، باستثناء إن تم اتخاذ قرار بربط قرني رحمها، أو القيام بتدخل طبي بواسطة الحقن، لأن في الأمرين معا رحمة لها ورأفة بمصير مجهول لأطفال محتملين.

«سكان الشارع»

اختلفت وتختلف الأسباب التي تدفعهم إلى الشارع، بعضها اقتصادي واجتماعي، والبعض الآخر أخلاقي ..، إلا أن الخلاصة الوحيدة هي أن لائحة المشردين هي في ارتفاع وليست في تناقص، الأمر الذي يستوجب أجرأة تدابير أكثر جرأة من لدن جميع المتدخلين لمحاصرة الظاهرة التي لها من التبعات الشيء الكثير، فمشاهد «سكان الشارع الذين لاسقف لهم» تسرق الإنسانية من قلب البعض، ويصبح معها افتراشهم الأرض، أو تحلقهم حول صناديق القمامة باحثين عن «لقمة»، أو مرميين في هذا الملتقى أو تلك الناصية شبه أحياء أو أمواتا، أمرا طبيعيا بينما هو لايمت إلى الطبيعة في شيء، ويستوجب على المترفين أن يخصصوا بعضا من ثرواتهم لضمان العيش الكريم لهذه الفئة بالمراكز الاجتماعية المخصصة لهذه الغاية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.