سيكون على الحداثيين والمناصرين لقيم التسامح والانفتاح والعاملين في حقول الإبداع، التأمل بعمق في المنعطف التاريخي الذي دخل فيه المغرب بعد نتائج انتخابات 25 نونبر. لقد اختارت نسبة كبيرة من المغاربة الذين شاركوا في الاقتراع، ليس فقط، إعطاء فرصة للقوى السياسية التي لم يسبق لها ممارسة السلطة الحكومية، لكي تبرهن عن قدرتها في تحقيق شعاراتها والنجاح فيما فشل فيه من كانوا يدبرون الشأن العام، ولكنها فتحت أمام حزب «العدالة والتنمية»، الحزب الأصولي الذي لا يخفي عداءه للحداثة والحداثيين، طريق العودة بالمجتمع نحو الانغلاق، وربما التراجع عن المكتسبات التي تحققت خلال السنوات الأخيرة في مجال الحريات والحقوق الفردية والجماعية. صحيح أن هذه الانتخابات التشريعية كانت لحظة انتصرت فيها الديمقراطية، وازدادت صورة بلادنا تحسنا أمام العالم، وتلقت مخططات من توهموا أن الفرصة أصبحت سانحة للزج بالمغرب في دوامة الفوضى وعدم الاستقرار ضربة قاسية، لكن من حق الحداثيين الإحساس بالقلق، والتخوف من المستقبل. قد يقال أن الإشارات المطمئنة التي صدرت في المدة الأخيرة عن زعماء حزب «العدالة والتنمية» كانت كثيرة، وتعبر عن حسن نواياهم، وعن وعيهم بالرهانات التي تنتظرهم، وبمشروعية التخوفات التي يثيرونها في أوساط المستثمرين والمبدعين وغيرهم ممن يرون في الأسس الإديولوجية التي يبنى عليها برنامجهم السياسي خطرا من شأنه تعطيل تطور المجتمع، وبالتالي فإن احتكاكهم بواقع التسيير سوف يفرض عليهم القيام بمراجعات جوهرية في توجهاتهم مثل ما فعله الحزب الحاكم في تركيا. قد تكون هذه المقولات صحيحة، ولكنها لا ترقى إلى يقين، لأن الأقوال تبقى أقوالا، ما لم تأت أفعال ملموسة لتجسيدها، وتبرهن على حقيقتها ومصداقيتها. وعليه سيكون على الحداثيين الاعتراف بالهزيمة، والاقتناع بأنهم أصبحوا أقلية سياسية في المغرب، وأن نتائج الانتخابات التشريعية كرست هيمنة التيارات المحافظة، وأن هذه التيارات قد تستغل قوتها لتوسيع وإدامة سيطرتها على المجتمع. هذا الوضع يفرض عليهم التحرر من سلوك التفرج واللامبالاة، والاستعداد للوقوف في وجه كل محاولة لاستعمال الانتصار عن طريق الديمقراطية للإجهاز على الديمقراطية.