لم يعد أمر الطلاق وقرار الانفصال بين الأزواج مقتصرا على فئة الشباب الذين يقررون الانفصال والبحث عن حياة جديدة أفضل. أزواج أخرين في خريف العمر ينفصلون عن بعضهم بعد أن تراكمت بينهم الكثير من الخلافات، وتفرقت السبل بالأبناء فغاب ذلك الخيط الرفيع الذي من أجله كانوا يتحملون تبعات عيشهم المشترك.. وجدت نفسها تعيش وحيدة في منزل اكتراه لها أحد أبنائها بعد أن ذهبت ثلاثون سنة من الزواج هباءا عندما وصلت مع زوجها إلى الباب المسدود واستحالت العشرة بينهما ولم يجدا حلا أفضل من الانفصال ليذهب كل واحد منهما في حال سبيله. وجدت نفسها وحيدة عائشة التي تجاوزت الخمسين من العمر لم تعد قادرة على تحمل تصرفات زوجها الذي نسي كل التضحيات التي ضحت بها من أجله حيث بذلت كل ما في وسعها من أجل مساعدته على تكوين نفسه وتأمين مستقبله ماديا ومعنويا. قضت الزوجة سنوات طوال تحمل هم الزوج والأبناء بالرغم من المعاملة السيئة التي كان يعاملها بها لكنها كانت تتحلى بالصبر من أجل أبنائها الصغار الذين لا تستطيع التخلي عنهم وتركهم يعيشون بعيدا عن والدهم. كانت تخاف من تأثيرات الفراق السلبية على نفسيتهم وشخصيتهم المستقبلية ودراستهم. صبر عائشة تجاوز كل الحدود واستمر الأمر على هذا النحو إلى أن كبر أبناؤها ونجحوا في حياتهم العملية واستقر كل واحد منهم في منزله رفقة أسرته الصغيرة. لم يبق سوى الزوجان العجوزان في البيت الكبير وطفت الخلافات بينهما إلى السطح من جديد وبدأ تفكير الزوج الستيني يتجه صوب الارتباط بامرأة أخرى يعيش معها ما تبقى من حياته في سعادة وهناء بعد أن فقد القدرة على التواصل مع زوجته الأولى التي أفنت حياتها. كان الزوج يتحجج دائما برغبته في امرأة تهتم به وتقوم بكل طلباته ورغباته في الوقت الذي فقدت فيه عائشة القدرة على القيام بهذه المهمة بسبب تقدمها في السن والألفة التي أصبحت تضعهما في مصاف الإخوة. نسي الزوج السنوات الطوال التي قضتها عائشة في خدمته وتنكر لها في آخر أيامها بعد أن فقدت شبابها وصحتها. طلب الزوج من زوجته أن ترافقه لخطبة الزوجة الجديدة التي ينوي الارتباط بها وهو ما رفضته عائشة مما دفعها إلى طلب الطلاق. رفض الزوج تطليق عائشة لكنها تشبثت بطلبها في الانفصال عنه وتوجهت صوب بيت أحد أبنائها تاركة بيتها الذي بذلت الكثير من الجهد من أجل بنائه لتتركه مرغمة وهي في أرذل العمر. طلق الزوج عائشة حتى يتمكن من إتمام مراسيم زواجه بالمرأة الأخرى. أما عائشة فعاشت أوقاتا عصيبة بعد طلاقها ولم تطق المكوث في بيت أحد أبنائها لذلك طلبت منهم أن يجدوا لها بيتا صغيرا خاصا بها لتعيش فيه حفاظا على حريتها وكرامتها التي قد تهدر في بيت أبنائها. الحسرة والندم على حياة ضاعت وذهبت أدراج الرياح كانت من بين الأسباب التي أصابت عائشة بالوهن وتدهورت نفسيتها وفقدت القدرة على التحكم في أعصابها حيث بدأت تصدر عنها بعض التصرفات الغريبة بسبب الوحدة التي تعيشها بالرغم من الزيارات التي يحرص أبناؤها على القيام بها بين الفينة والاخرى. لم تكترث عائشة باللوم الذي سيوجه لها من طرف المحيطين بها الذين لن يتقبلوا طلاقها في هذه السن المتقدمة لكنها كانت متأكدة من رغبتها في الانفصال عن زوج ناكر للجميل تخلى عنها وهي في أمس الحاجة إليه بعد أن قضت حياتها في خدمته. انفصلا بسبب النكير عاشا حياة عادية ككل الأزواج تجمع بين الحلو والمر كما تعاهدا على ذلك في أول حياتها الزوجية لكن الأمر لن ينتهي كما بدأ أول مرة فقد حدث ما لم يكن في الحسبان. انفصل الزوجان وهما في آخر حياتهما بعد أن تقدم بهما العمر. بعد تقدم الزوجين في السن وتفرق كل أبنائهما واستقلال كل واحد منهم بحياته الخاصة، حرص كل واحد منهما على الاستمرار في العيش رفقة الآخر وخدمته إلى أن تعود الروح إلى بارئها. لكن الرياح ستأتي بما لا تشتهيه السفن. فالسن المتقدمة لها حكم على الزوجين وخاصة على الزوج الذي أصبح كثير «النكير» ولم يعد يستطيع التحكم في أعصابه. فقد الزوج الكثير من قدراته العقلية وأصبح ينسى الكثير من الأمور مما يدفعه إلى سب زوجته أو ضربها ورميها بأي شيء في يده مثل الأواني المنزلية والعصى التي يستعين بها في وقوفه بعد أن لزم الفراش . لم تعد الزوجة تطيق هذه الحياة لأنها لم تكن تستطيع التكهن بتصرفات الزوج وبالرغم من ذلك لم تكن ترغب في التخلي عنه وحيدا وتمني نفسها بأن تتحسن سلوكاته ويقدر أنها لم تعد تستطيع خدمته كما في السابق لكن دون جدوى فلا يمر يوم إلا وزادت سلوكات الزوج اتجاه زوجته عنفا وقسوة. في كل مرة كان الزوج الهرم يصرب زوجته كانت تتركه وتتوجه صوب بيت أحد أبنائها تاركة إياه وحيدا، فيقوم أحد الأبناء بالواسطة بينهما ومصالحتهما ليعيدها إلى منزلها وزوجها الذي لم يعد قادرا على القيام بمتطلباته لوحده بعد أن خانته صحته و”ما بقى فيه غير الصوت” على حد تعبير أحد أبنائه. هذا الأمر تكرر كثيرا ولم تعد الزوجة تستطيع التحمل وهي في هذه السن المقدمة، فقررت أخيرا الابتعاد عن زوجها والذهاب للعيش في بيت أحد أبنائها بعد أن استحالت العشرة مع زوجها الذي تركته وحيدا، ينتظر قدوم إحدى بناته لقضاء أغراضه ومتطلباته كل يوم فيما يقضي بقية اليوم وحيدا. حاول الأبناء التدخل لإصلاح ذات البين بين الزوجين العجوزين، لكن دون جدوى فقد كان خوف المرأة كبيرا من أن يغدر زوجها بها في غفلة منها ويسدد لها ضربة قاتلة، لذلك وجدت في الابتعاد أفضل طريقة لهما معا بينما تركت لأبنائها مهمة العناية بوالدهم. مجيدة أبوالخيرات