تشهد بعض العلاقات الأسرية نوعا من التوتر، حين يلجأ بعض الأبناء لمحاسبة آبائهم كنوع من التنفيس عن الغضب، لكن تجب الاشارة إلى أن سبب المحاسبة يأخذ منحيين إما محاسبة الأبناء للآباء على ماضيهم، وهذا نوع مرفوض وفقا لمنطق الشرع، لأن لا أحد يملك الحق في محاسبة الناس على ما فات، والأمر هنا مفوض لله الذي يحاسب من يشاء عن خطئه، ويعفو لمن يريد. ولا يجب على الابن أن يغفل نقطة مهمة، قبل أن يعطي لنفسه حق المعاتبة و المحاسبة، وهي أن لكل انسان أخطاء وزلات. أما النوع الثاني من المحاسبة فهي التي ترتبط بالتصرف القائم الذي يقع أثره على الابن مباشرة، كالأب الذي يضيع ماله في القمار أوالمخدرات. في هذه الحالة يمكن للابن أن يرشد أباه وينصحه ويحاسبه، ويشرح له وجه الضرر، لقول الله “وتواصوا بالحق و تواصوا بالصبر”، كما جاء في سورة العصر. لكن يشترط في المحاسبة و المساءلة أن تكون بالحق، لقوله تعالى« يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء ولو على أنفسكم أوالوالدين والأقربين»، والآية تشير إلى أن الله أعطى للولد الحق في أن يعطي شهادة تضر والده لو اقتضى الأمر، بشرط أن تكون شهادة بالحق، و إن كان في الأمر نوعا من المواجهة التي من شأنها أن تغضب الأب، وفي هذه الحالة لا يدخل الابن في خانة العقوق، حتى لو أبدى الوالد غضبه وسخطه. ويمكن لصور المحاسبة أن تشمل معاتبة الأبناء لآبائهم بخصوص تبذير المال، وحرمانهم من منافعه، وفي هذه الحالة يمكن للأب أن يتعنت، ويعتبر نفسه حرا بالكامل في التصرف بماله كيف يشاء، وهذه فكرة خاطئة، لأن المال ليس ملكا مطلقا للشخص لقوله تعالى «وآتوهم من مال الله الذي آتاكم» إذا ما يفهم من الآية أن المال مال الله، ولذلك شرعت مسألة الحجر على السفيه الذي لا يحسن التصرف في ماله، وينفق بلا حساب، وكذلك بالنسبة للأب الذي ينفق المال فيما لا طائل منه، في هذه الحالة من حق الولد أن يحجر على والده قانونيا في المحكمة. لكن من ناحية أخرى، يتوجب النظر في الحاجيات التي لا يوفرها الأب للأسرة، والتي تنبني عليها فكرة المحاسبة. نعلم أن هناك ضروريات وكماليات، كما يوجد أطفال صغار يجب على الأب أن يوفر لهم متطلباتهم والانفاق عليهم، على عكس الأولاد الراشدين الذين يخرجون من دائرة القاصرين، في هذه الحالة الأب يصرف من باب التطوع فقط، وليس من باب الواجب وفق المنطق الشرعي، وفي هذه الحالة سواء أنفق ماله على الفقراء من عائلته أو من عموم الناس،أو إذا ما أنفقها على الكماليات فهو لا يلام، بشرط أن لا يكون في الأمر تعطيل للمصالح الضرورية للأبناء، لأن الصدقة تكون للأقرب فالأقرب. بالنسبة لمصاريف الدراسة التي تكون موضوعا للمحاسبة من طرف الأبناء البالغين لآبائهم، تجب الاشارة أنها ليست من الضروريات بعد اجتياز الأبناء لمرحلة الطفولة، لذا توضع في خانة المصاريف التطوعية من باب مساعدة الأبناء لحين بلوغهم الوظائف التي يرجونها، وفي هذه الحالة يمكن للابن أن يلتزم برد الجميل لوالده، لأن هذه المصاريف ليست واجبة على الأب. لذا تصبح المحاسبة من قبل الأبناء الراشدين غير مقبولة، على عكس الأطفال دون سن البلوغ، وفي هذه الحالة إذا ما نتج عن المعاتبة نوع من الضرر والحزن للأب، يبقى الأبناء في منأى عن العقوق، على عكس البالغ، إذا ما سبب لوالده حرجا أو أذا نفسيا فهو يدخل في إطار العقوق. سكينة بنزين عبد الباري الزمزمي رئيس الجمعية المغربية للدراسات والبحوث في فقه النوازل