مع نزول شمس نهاية الأسبوع الماضي نزلت الأحكام على المتهمين في تفجير مقهى «أركانة»: «باسم جلالة الملك ووفقا للقانون...حكمت المحكمة على المتهم عادل العثماني بالإعدام...» يقول القاضي بصوت سمته الصرامة والحسم. لم يكمل القاضي الأحكام الأخرى حتى تعالت الصيحات؛ أولا من المدان عادل العثماني وثانيا من عائلات المتهمين تستهول ما سينطق به القاضي عبد القادر الشنتوف في حق باقي المتهمين: «اسمع...اسمع بعدا ...» بصوت يصم الآذان، يحاول القاضي السيطرة على الجلسة باستعادة الهدوء. لكن بسرعة سيحاول تلاوة الأحكام الحبسية النافذة الأخرى: « المؤبد لحكيم الداح...أربع سنوات لكل من عبد الصمد بطار، وديع السكيريبا، عز الدين الشدادي والشركاوي إبراهيم...الحكم بسنتين على كل من محمد رضا، عبد الفتاح دهاج ومحمد النجيمي...» في لمح البصر يتلو القاضي عبد القادر الشنتوف الأحكام، لكن تصاعد الصراخ الهيستيري من طرف المدانين وعائلاتهم ورد عائلات الضحايا الذين كانوا يوجدون في وسط القاعة؛ أمامهم المدانون وقد حاصرتهم مختلف التشكيلات الأمنية تحسبا لأي طارئ. عائلات الضحايا لم يجدوا بدا من رفع صور ذويهم الذين قضوا في التفجير الإرهابي، تارة في وجه العثماني من ومعه، وتارة في وجه عائلات المدانين. في حدود الخامسة مساء من الجمعة الماضية 28 من أكتوبر، تكون قد مرت ستة أشهر بالتمام والكمال على التفجير الإرهابي لمقهى «أركانة» الذي هز مدينة مراكش يوم 28 من أبريل الماضي. بدأ العد العكسي مع ساعات الصباح. القاضي يعطي الكلمة الأخيرة للمتهمين بعد استكمال مرافعات جميع الأطراف؛ آخرهم محامو الدفاع عن المتهمين في جلسة عشية يوم النطق بالحكم. مع النطق بفحوى الأحكام، سيقاطع القاضي بصرخات هستيرية من لدن المتهمين الباقين الذين بدؤوا يتوقعون الأحكام التي يمكن أن تطالهم بعد سماعهم لحكم الإعدام في حق المتهم الرئيسي.الاستعطاف الذي كان المشترك بين المتهمين في الصباح، سينقلب تهجما من طرف من صاروا مدانين ابتدائيا في المساء. «نجدد تضامننا مع أهالي الضحايا...لا علاقة لي بهذه الجريمة...الله يجازيك بخير...». على هذا المنوال كانت آخر مناشدات المتهمين صباحا قبل بدء مداولات هيئة المحكمة المختصة بالإرهاب بغرفة الجنايات الابتدائية بسلا. لم تنفع آخر استجداءات المتهمين؛ ما بين الاستشهاد بالإصلاحات الدستورية وآيات قرآنية ومحاولة آخر تبيان طبيعة عرسه وحتى الإجهاش بالبكاء بين يدي هيئة المحكمة، لدرأ تهمة الانتماء لعصابة إرهابية: «اللهم إنا هذا منكر...حسبنا الله ونعم الوكيل....» يصرخ المدانون التسعة في كل اتجاه. في نهاية المطاف لا أحد قبل الأحكام في عمومها. بعد رفع الجلسة، غاب المدانون في لمح البصر عن القاعة، ليبدأ رجال الأمن في إخراج عائلات المدانين أولا. «أمر لا يصدق! سنتان فقط وأربع سنوات لأشخاص نسبت لهم تهم تشكيل عصابة ومباركة العملية الإرهابية إلى غير ذلك؛ إنها أحكام تصدر في فرنسا لمجرم صغير أو سارق سيارات...أما بخصوص حكمي الإعدام والمؤبد فسأقول أنها مثالية ومعقولة» يقول إيريك بيديي، قريب أحد الضحايا الفرنسيين. «عار أن يتم الحكم على من تلطخت أيديهم بدماء ابنتي التي تركت رضيعة تبلغ فقط خمسة أشهر» تقول سيدة فرنسية فقدت ابنتها في التفجير. عدم الرضا عن الأحكام في حق المدانين التسعة، لم تقتصر على المطالبين بالحق المدني أو هيئة الدفاع المترافعة عن المتهمين في التفجير، بل طالت حتى النيابة العامة التي قررت أول أمس السبت الطعن في الأحكام تاركة الأبواب مفتوحة أمام أنظار محكمة الاستئناف. مصطفى بوركبة