نظرا للدور الكبير الذي تلعبه الثقافة والقراءة من دور جد فعال في تطور الذات الإنسانية وحثها نحو فتح أفق جديد تغمره المثاقفة والثقافة وحسن استعمال ذرة العقل البشري ومن ثمة توسع المدارك ورؤية الحياة والكون بمنظار آخر يختلف تماما عن المنظار الذي لا يمارس متعة القراءة ولايكتشف عالمها المتعالي عن كل ماهو رخيص ومتدني وبمعنى أدق الترفع عن التوافه والاهتمام بالهم الأهم المرتبط بالنزعة والذات الإنسانيتين... وكيفية تطويرهما... لركوب سفينة البحث العلمي والرقي والنظرة الثاقبة الصائبة والتبصر بالأمور قبل وقوعها، بفضل العلم والثراء الفكري وتوسع المدارك ... الذي يغني بني الإنسان غناء حقيقيا ويجعله في مصاف الصفوة الاجتماعية كما قال عز وجل " سورة الزمر الآية 9 " قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لايعلمون إنما يتذكر أولو الألباب". فعلى إثر تراجع نسبة القراءة والثقافة ببلدنا وبمعظم بلدان العالم العربي والدول النامية وعلى إثر الانحدار المعرفي و الثقافي و مايترتب عنه من انحدار أخلاقي واجتماعي وسياسي وتربوي... بات ظلام الأمية، يطال الأمي الذي لايعرف القراءة والكتابة وحتى الأمي الذي يتقنهما (القراء والكتابة) ويحصل على شواهد لكنه يعاني من الأمية المعرفية والثقافية ويحارب فقط الأمية الأبجدية، نتيجة العطلة المطولة من الثقافة والقراءة ومن استخدام العقل في المعرفة والتفكير... وحصر "الجمجمة" فقط في ماهو متدني وغير بعيد عن أرنبة أنفه... و التفكير فقط في السبيل نحو الثراء المادي والجشع السلطوي... فقد أصبحت ظاهرة اللاقراءة واللاثقافة واللامعرفة الآن أكثر من السابق وأكثر وجعا وإيلاما وأكثر حرقة في قلب وعقل المثقف...نظرا لما أصبح ينجم عنها من اختلالات اجتماعية كثيرة، أهمها تنامي جرائم الإرهاب في العالم بأسره وقتل أبرياء تحت ذرائع رخيصة ... يحركها الجهل المطبق بتعاليم ديننا الحنيف وتعاليمه السمحة وتبعية جزء كبير من بني البشر لجماعات شرعنت لنفسها التحليل والتحريم وإعطاء المواعظ وفرض الواجبات... وكأنهم عباد الخالق العارفين دون غيرهم لشريعته في الأرض، وكأن الله عز وجل يخول لهم حق قتل أخيهم الإنسان وتفجيره ويمنحهم حق محاسبته بالدنيا قبل الآخرة والحكم عليه بالتصفية والزوال من الخريطة الحياتية نتيجة عصيانه وعدم اتباعه لما أمروا به وما شرعنوه... ولم يقف الأمر عند حد ظهور جماعات متطرفة تنشر الموت والدمار بل أيضا نتيجة اللاوعي واللامعرفة واللاقراءة واللابحث علمي... تنامى وتصاعدت وثيرة الأنانية المفرطة لحد المرض واللامصداقية واللاقناعة... والتسلق نحوالمناصب بكل السلوكيات المشروعة واللامشروعة... وإن تطلب الأمر سحق المرء لأخيه الإنسان وقتله ماديا ومعنويا... ودون رأفة أورحمة بغية إشباع رغبة جامحة تذكي نارها اللامعرفة واللاثقافة واللاوعي ... ألا وهي التربع على كراسي السلطة والسياق المحموم عليها وانتشار حرب الاتهامات واللا أخلاق والتطاحنات السياسوية... والتشدق بما لا يطبق على ارض الواقع... فسبب تراجع نسبة القراءة وبالتالي الانحدار الثقافي وما يترتب عنه من قيم لا إنسانية ولا أخلاقية وغياب للقيم المتعارف عليها إسلاميا وإنسانيا، بدت غيرة المثقف الحقيقي الحامل لهم أخيه الإنسان تصحو وتتحرك نحو التشجيع على القراءة والثقافة باعتبارها الدواء لداء العصر الراهن. و نتيجة هذه الردة الثقافية وانتشار الجهل وما يتبعه من أفات تسمم الذات الإنسانية على رأس كل ثانية ... بدأت مجموعة من الجمعيات الثقافية تتحرك، من أجل تحرير الأفراد من عبودية الجهل ودياجيه التي أرخت بعتمتها السميكة على العديد والعديد من الرؤوس ببلادنا، ولها كل الشكر ولأمثالها سواء بالمغرب أو خارجه على المجهودات التي تقوم بها من أجل إحياء القراءة والتصالح معها وتحبيبها للجميع في الشوارع والمدراس والمنازل والصالونات الأدبية، إضافة إلى التحسيس بأهمية القراءة كمدخل لتكوين المواطن الواعي والعمل على تشجيع الأطفال والشباب على الإبداع والكتابة ونشر أعمالهم وإعداد دراسات وأبحاث وكتابات حول القراءة، والتأطير والتكوين في هذا المجال وغيرها من المقبلات الثقافية... التي يجب نشرها على نطاق واسع بالمغرب وبالعالم العربي والإسلامي كافة... و من أجل العمل أيضا على تغيير العقليات والدفع بها نحو أفق يسوده الأمن والأمان الثقافيين ... ولرفع وصمة العار التي وصم بها المغرب باعتبار معدل القراء فيه لايتجاوز 10صفحات سنويا. بمعنى أدق، اننا لانصل إلى قراء كتاب واحد ووحيد في السنة مقارنة مع الدول المتقدمة التي يفوق عدد الكتب المقروءة فيها إلى 20 كتابا سنويا لكل مواطن ، بمعدل كتابين في الشهر.