- تمهيد : باسم الله الرحمان الرحيم ،الحمد لله القائل : اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ{1} خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ{2} اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ{3} الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ{4} عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ{5}{ ( سورة العلق :الآية 1 - 5 ) . والصلاة والسلام على نبينا محمد بن عبد الله الذي بعثه الله تعالى نبياً أُمياً فعلَّم به العُلماء ، وفقَّه الفُقهاء ، ودرّس العُظماء ، وخرَّج الفُضلاء الذين طافوا الأرض موحدين ومُجاهدين ومُعلمين للناس . إن العزوف عن القراءة مشكلة عويصة يواجهها المجتمع عامة وشباب الأمة الإسلامية خاصة ،ولا شك أن يكون ذلك هو أحد الأسباب الرئيسية في تأخر الأمة . فالقراءة هي مصدر الوعي في المجتمعات وهي نماء للعقول وبناء للثقافات المتنوعة وبها تحصل الرفعة والتقدم و النماء . إن فعل القراءة أصبح غائبا اليوم عن أمتنا ، وترى ذلك واضحا جليا في بعد الطلبة و التلاميذ والشباب عامة و نفورهم من الكتب و المكتبات ، حتى أصبحت هذه الظاهرة سمة واضحة على جيل بأكمله ,ولذلك و غيره لا بد من تشخيصها و وضع مشاريع علاجها ، وقبل أن نذكر العلاج نذكر الأسباب التي جعلت هذه الظاهرة متفشية بين المسلمين . 1- أسباب ظاهرة العزوف عن القراءة :
تتعدد الأسباب و النتيجة واحدة ، لكن تبقى ظاهرة العزوف عن القراءة و المطالعة عند جيل اليوم تتظافر حولها أسباب متعددة يمكن تعداد أهمها فيما يلي : 1- عدم وجود النهم والحماسة في طلب العلم ورفع الجهل عن النفس والغير . 2- وجود عامل نفسي خبيث يجعل الإنسان كثيرا ما يردد (( أنا لا أهوى القراءة )) أو (( أنا أنام لما أمسك الكتاب )) . 3- سرعة الملل وقلة المثابرة والدأب على العمل . فالقراءة تحتاج إلى إنسان طويل النفس لا ينقطع لأي عارض مهما كانت درجة تأثيره . 4- عدم الفهم و الوعي بأهيمة القراءة في حياة الفرد و الجماعة ، فتجد كثيرا منا يتعذر ويقول : (( أنا لا أفهم ما أقرأ )) أو يقول ((فهم أقوال العلماء فيه صعوبة )), و((هذا سيأتي علاجه إن شاء الله .))/ أو يقول (( القراءة لا تجدي نفعا في ظل هوامش أخرى من التحصيل)) . 5- التنازع وعدم التوازن ، فتجد الفرد يهتم بأعمال كثيرة وينسى الاهتمام بجانب القراءة والإطلاع ، ثم نجده يقول : (( لا أجد وقتا للقراءة )) . -6 عدم وجود مكتبة منزلية ، فكيف توجد القراءة وهو فاقد لأحد أركانها وهو ( الكتاب ) . -7 الابتداء في القراءة بالكتب الجافة والمعقدة مما يسبب النفور من القراءة . - 8 الاكتفاء بقراءة المجلات والنشرات والصحف وهذه ليست مصادر للعلم والثقافة . - 9 الإقبال على الشريط المتلفز و الأقراص الممنغطة وإهمال الكتاب . - 10 عدم معرفة المنهج والأسلوب للكتاب المقروء والذي ينتج عنه عدم الفهم وبالتالي النفور من القراءة. -11 البعد عن الأجواء العلمية و عدم التحمس للمشاركة فيها ، فتجده لا يشارك في المسابقات العلمية و النقاشات الهادفة مما يجعل الجفوة تزيد بينه وبين الكتاب . -12 ضعف الحالة المادية مما يجعل الإنسان لا يستطيع شراء كتابا في مقابل ارتفاع أثمان الكتب وغلاء أسعارها . - 13 التخبط في تراتبية القراءة وعدم التدرج في تناول الكتاب ،مما قد يكون السبب في نفوره من القراءة و إحساسه بعدم الاستفادة من عوائد القراءة . غير أن هذه الأسباب و تلك لا تنفي غياب المسؤولية الفردية باعتبارها السبب الأكبر في هذا النفور التحصيلي و حالة اللاوعي التي يعيشها الشباب في دنيا الإغراء و الانشغال بملاهيها الزائلة أكثر من أي شيئ آخر . إن القراءة نزهةٌ في عقول الرجال ، كما يقول أحد الحكماء ، من هذا المنطلق يشتد القول بأن الأمة لا تعرف ماضيها إلا بحاضر أبنائها ، حيث يبقى التحصيل بالقراءة يفيد في استشراف المستقبل . ومن أعظم ذلك عند المسلم قراءة كلام الله و كتب أحاديث رسول الله (صلى الله عليه و سلم ) ، والعلوم التي تدل على الله معرفةً ومحبةً وخوفاً ورجاءً ، أما كتب الخلق ففيها الصالح والطالح وعلى العاقل أن يميز بين الغثاء السمين ، وأن يستشير أهل العلم والرأي والعقل والخبر . فالقراءة والتقدم أمران متلازمان باعتبار أن كل أمة تقرأ فهي أمة ترقى و تتقدم ، على أن ذلك يبقى رهينا باختياراتنا و هدفنا . والواقع أن مشكلة العزوف عن القراءة هي مشكلة عالمية ، حتى أن الدول التي كانت شعوبها مدمنة على القراءة مثل الشعب الإنجليزي والشعب الفرنسي تعاني اليوم من هذه المشكلة. وقد نشرت مجلة (لوبوان) وهي من أشهر المجلات الفرنسية تحقيقاً موسعاً عن القراءة تحت عنوان "أنقذوا القراءة"، حيث تحدّث في هذا التحقيق عدد من كبار المفكرين والباحثين عن أزمة القراءة ومظاهر العزوف عنها، وقد أوضحوا في تحقيقهم بأن الكتاب يتعرض منذ سنوات لمنافسة قوية وربما غير متكافئة مع وسائل الاتصال المعرفية مثل التلفزيون والفيديو و الأنترنت وكل ما يتصل بها من وسائل سمعية وبصرية. وقد أوضح التحقيق بأن شخصاً من كل شخصين في فرنسا يشاهد التلفزيون طيلة ساعات النهار. و أن متوسط ما يخصصه الأمريكي للقراءة يبلغ حوالي 34دقيقة للصحف و 14دقيقة للمجلات، و 23دقيقة فقط للكتب. وتؤكد التحقيقات والدراسات في أمريكا بأن نسبة الإقبال على القراءة قد قلّت بشكل كبير، كما أن نوعية القراءة أصبحت متدنية، فالروايات المرعبة للكاتب الأمريكي (ستيفن كنج ) هي أكثر الكتب رواجاً في أمريكا، وقس على هذا دولاً أخرى متقدمة مثل فرنسا وبريطانيا وإيطاليا و السويد . فما بالك بالدول العربية الإسلامية ؟ إن القراءة لن تنقرض كما يقول بعض الباحثين، والكتاب سيظل مصدر المعرفة الأول كما يقول الأديب الفرنسي (جورج ديهاميل) ، ولكن ستقل أهمية القراءة وتزداد نسبة الاستفادة من وسائل المعرفة الأخرى وخاصة ما يتعلق باستخدام وسائل الحاسوب والقدرة على الاستفادة من معطيات التقنية الحديثة . لكن رغم هذا وذاك فإن القراءة ستظل و ستبقى رافداً مهماً من روافد المعرفة البشرية إلى جوانب الروافد الأخرى . غير أن عودة الروح إلى فعل القراءة و انتفاء النفور عن عقول الأمة العربية والإسلامية يبقى رهينا بإيجاد وصفات علاجية قادرة على بعث الروح من جديد في الكتاب و استتباته في الوجود الإنساني . فماذا نفعل نحن الذين نعيش في أمة لا تنتبه للكتاب ؟ هل نلطم الخدود، أم نشق الجيوب ؟ وهوعندنا في نهاية قائمة الاهتمامات، وهو آخر ما يفكر الفرد منا في اقتنائه عند ذهابه للتسوق، رغم أن القرآن الكريم الذي نزل فينا كان أول ما ذكر به هو "القراءة والكتابة" في قوله تعالى : (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ). ولا أريد هنا أن ندخل في تفاصيل التحديات التي تواجه خلق جيل جديد من القراء وتربيته على فعل القراءة، ولا الخوض في تلك الذرائع التي نتشبث بها والأوهام التي نخلقها لتبرير عزوفنا عن القراءة وعدم اهتمامنا بالكتب التي نصح أحد الحكماء بنيه في شأنها بقوله :(( يا بَنيَّ لا تقوموا في الأسواقِ إلاّ على زَرَّادٍ أَو وَرَّاق . وإني والحق يقال ، أنني منذ الصغر أحب الأسواق وزيارتها ولكن عندما عرفت مواقع الورَّاقين بت أشعر برونق خاص لهذه الأسواق فلم أعرف في الأسواق أنفع من حانوت يباع فيه خير جليس كتاب )) . وقال فيه المتنبي: أعز مكان في الدنيا سرج سابح ... وخير جليس في الزمان كتاب خير المحادث والجليس كتاب .. تخلو به إن ملّك الأصحاب لا مفشيا سرا إذا استودعته .. وتنال منه حكمة وصواب هذه بعض ما ذكر من وصايا لتنمية إعادة القراءة في مجتمعنا وهذا الأمر بطبيعة الحال يحملنا جميعاً المسؤولية من أجل الإسهام في وضع الخطط المبنية على الدراسات النظرية والميدانية لنعمل جميعاً على نشر إعادة القراءة في أوسع نطاق ممكن . وما دمنا نقول : إن النتيجة سلبية فهذا الأمر يحتم علينا البحث في الجذور ، أي جذور المشكلة لوضع العلاج المناسب والملائم لها ، علماً أن مسألة العزوف عن القراءة ليست مشكلة الشباب وحدهم : بل هي مشكلة المجتمع بأسره ، وربما كان تركيزنا على هذه الشريحة بالذات، كون الشباب هم الجهة المعَول عليها لتطوير وتقدم المجتمع . 2-علاج ظاهرة العزوف عن القراءة : لا يخفى على أحد أن الكتب في أمة من الأمم هي مظهر من مظاهرها الحضارية، بل لعلها أهم تلك المظاهر وأبعدها أثرا على ثقافتها والمقياس الأول لنبضها وحيويتها، فهي الوعاء الذي يضم ثمرات عقول أبنائها وإبداعات ملدعيها في مختلف مناحي الحياة. لذا فمن الطبيعي أن تحتل هذه الكتب المكانة الرائدة في حياة الشعوب والأوطان، وأن تلعب الدور الاساسي في المسيرة البشرية نحو التمدن السياسي والاجتماعي والتقدم الاقتصادي؛ وليس من المستغرب أن تسعى الأمم(...) للعناية بها والاهتمام بمصدرها، فتنشئ المؤسسات والمعاهد لتطويرها ونشرها و ذيوعها، وتكريس احترامها وتداولها بين الحيز الأوسع من القراء وبما يتفق مع إختلاف الميولات والأذواق؛ حتى شهد العالم فيضا منها لا يحصى و لا يعد، متنوعة في موضوعاتها، مختلفة في مضامينها، توسعت بها حقول العلم، ورحبت مساحة المعرفة، وتعمقت العلاقة بين القارئ والكتاب ثقافيا، وبين السلعة المستهلكة والمستهلك تجاريا . و بناء عليه يبقى علاج ظاهرة العزوف عن القراءة ضرورة ملحة في وقتنا الحالي لتدارك الموقف و مسايرة الركب المعرفي و العلمي . و من أهم االإجراءات العملية التي نحسبها كفيلة بتنمية عادة القراءة لدى شبابنا نذكر ما لي : 1- معرفة أهمية القراءة والوعي بكونها أهم الوسائل في تحصيل العلم ومعرفة أصول الدعوة وإخلاص النية لله في ذلك . 2- قراءة ما تميل إليه النفس كالقصص والسير و التراجم مع التدرج في القراءة وعدم اليأس من غياب الفهم و الاستئناس المتدرج و المسترسل، فالفهم والاستفادة من الكتب لا يأتي إلا بعد تدرج وصبر. 3- تحقيق الشمولية والتوازن وإعطاء القراءة والإطلاع حقها من الأوقات . 4- إنشاء مكتبة منزلية خاصة و التعود على اقتناء الكتب و زيارة المعارض و المكتبات . 5- الحرص على المشاركة في الأجواء العلمية، والمسابقات الثقافية وإعداد البحوث و إنجاز الدروس التعليمية 6- الإطلاع على مقدمة الكتاب ومعرفة المنهج والأسلوب الذي سار عليه المؤلف في كتابه للوصول إلى مضمون الكتاب والتفاعل معه . 7- التحلي بالصبر والمثابرة مع الجد في طلب العلم والقراءة والتحصيل وعدم اليأس والملل. - 8 التغلب على مشكلات عدم الفهم ، وذلك عن طريق : أ/الدعاء. ب/ سؤال أهل العلم. ج/ الاستعانة بالقواميس والمعاجم. د/ ممارسة القراءة والتعود عليها. وخلاصة القول فإنه متى عرفت أمة للكتاب قدره وحفظت مكانته، نالت حظها من الرقي والسمو، واسترجعت حضارتها وازدادت قوة وعمقا؛ ومتى عزفت عنه واستهترت بقيمته ، كانت الهلكة مآلها والتقهقر والتلاشي مصيرها ، لأن الأمة التي لا تقرأ تحمل في ذاتها بذور النهاية والفناء كما قيل. فنحن الآن مطالبون أكثر من أي وقت مضى، بدعم الكتاب وتشجيع القراءة خارج الحملات الموسمية والتظاهرات الرسمية؛ مطالبون بأن نعيد للكتاب مكانته في الحياة العامة، وأن نربي في الناشئة فعل القراءة.لكن هل جمهور الشباب قابل لإكتساب عادة القراءة، والامتثال لأوامر الله عز وجل ودعوته للقراءة وهو (( إقرأ باسم ربك))؟ ، وليس علينا إعادة اختراع العلاج لأنّه متوفرٌ ومجرّب فهل نبدأ بتناوله؟ لذا ما نأمله أن يحظى موضوع – القراءة – باهتمام وتركيز في مقررات التعليم بدءاً من رياض الأطفال ومرورا بالسلكين الإعدادي و التأهيلي و انتهاء بالجامعة لتصبح القراءة عادة تمارس طوال الوقت والشعوب المتقدمة هي شعوب قارئة .