«الأرقام بالملايين التي تقول كل شيء» ابن الدار يشرح واقع الدار ويدق ناقوس الخطر ربما لايعرف الجيل الجديد إدريس الإدريسي, لكن الجيل الذي كان يشاهد التلفزيون سنوات الثمانينيات والتسعينيات، يعرف أن الأمر يتعلق بوجه تلفزيوني مألوف, وبمسؤول عن قطاع الدراما في التلفزة المغربية حينها، التي تحولت اليوم إلى الأولى, ومع هذا التحول إلى وضع آخر فيه بعض الإيجابيات, لكنه مليء بسلبيات كثيرة أهمها أن أبناء هذه المؤسسة الذين بنوها على أكتافهم يوجدون اليوم داخلها في قاعة انتظار قاتلة في الوقت الذي يستفيد منها الخارجيون على كثرتهم, وعلى رداءة مايقدمونه عبر هذا الجهاز. لذلك وبسبب الخبرة التي راكمها في التسيير التلفزيوني أو في التنشيط أو في الاطلاع على كثير الخبايا والملفات الداخلية لهذه القناة، تبدو هذه السلسلة الحوارية ضرورية للغاية, خصوصا وأنها تأتي بعد طول تردد من الرجل الذي فضل الصمت البليغ قبل أن يفهم أن البلد لايعترف بدلالة الصمت, وأن كلمة الحق ينبغي أن تقال في لحظة من اللحظات حتى وإن كانت ستثير لقائلها الكثير من المشاكل. لنتابع هذه السلسلة التي أطلقناها ابتداء من الملحق الماضي مع رجل قرر في لحظة صحو من ضميره أن يقول كل شيء, وليكن بعده مايكون أو مثلما قال بدارجتنا العميقة «واللي ليها ليها». عندما قررت الخروج من صمتي والحديث بصراحة عن المشهد الإعلامي المغربي وبالتحديد عن التلفزيون في الوطن لم أكن أتوقع أنه لاحياة لمن تنادي ، بل كنت أتوقع أن يسمع صوتنا بوضوح، لكن لا أدري ما الذي وقع، حيث تكرس لدي شعور بخيبة الأمل جعلني أفهم أن فيصل العرايشي هو مجرد رقم في معادلة صعبة ومعقدة هي في حاجة إلى قرار سياسي حكيم وليس إلى مجرد تغيير في الأشخاص أو المناصب. أعتبر اليوم أن دورنا أنا أو فاطمة الإفريقي باعتبارنا من تحدثنا بكل جرأة عن واقع التلفزيون الآن كان هو دق ناقوس الخطر وأن ندلي بشهادة حول واقع مرير يعيشه إعلامنا العمومي بصفة عامة وقلنا هذا الكلام ليس من موقع العاطل الذي لايشتغل، بل من موقع الغيور على المؤسسة التي ينتمي إليها. أنا من سنة 2000 إلى 2005 قدمت أعمالا كبيرة جدا والكل يعرف أنني أشتغل باستمرار ولست عاطلا وبالتالي ليس هناك أي مبرر لديه علاقة بالخبز يدفعي إلى هذه الخرجة. ذلك أنني قدمت كمدير إنتاج «عائلة السي مربوح» و«موعد مع المجهول» و«الكمين» و«سير حتى تجي» و«الشانيلي تي في»، وتحولت الآن إلى مجال الإخراج وقدمت أربعة أفلام قصيرة . وفي 2010 قدمت الشريط التلفزيوني «رياض المعطي» الذي احتل الرتبة الثالثة في نسبة المشاهدة في شهر ماي بعد مباراة الجزائر والمغرب. أنا مواطن يتقاضى مثلما هو الحال بالنسبة لفاطمة الإفريقي أجره كاملا وكان ممكنا أن أبقى صامتا لكن نداء الضمير، هو الذي دفعنا إلى أن نتحدث، ولكي أتجاوز المسائل التي قد تبدو كما لو أنها موجهة لشخصية المدير العام سأتوقف في هذه الحلقة عن الحديث عنه وسأجعل لغة الأرقام تنطق. لكنك قلت إنك ستحكي قصة ابتزاز شهير وقع في القناة الأولى بطله الراحل عزيز شهال؟ هذه القصة بالفعل تستحق أن تروى لأنها تكشف الكثير من الملابسات التي تتحكم في سير الأمور داخل الدار، غير أني أؤجلها الآن نزولا عند ملاحظات قراء وزملاء قالوا إننا ذهبنا كثيرا في الشخصي، وتركنا العام الذي يهم المغاربة على أن نعود إليها في حلقة أخرى. اليوم حديثنا سيكون حديث أرقام تتحدث عن نفسها سأضع مقارنة بين الزمن الذي كان فيه أبناء الدار هم الذين يشتغلون وبين الأرقام الحالية التي ارتمى فيها الإنتاج بين أحضان شركات لايهمها إلا الربح والرداءة . فعندما كنت مسؤولا عن الإنتاج الدرامي في التلفزة المغربية وبالتحديد فيما يخص ميزانية 1998 – 1999. سنعطي بالأرقام الأعمال التي تم إنجازها وهي بالنسبة للمسلسلات التلفزيونية : «أبواب النافذة»، و«السراب»، و«الساس»، و«ولاد الناس»، و«المصابون» و«حب المزاح«، عدد هذه الحلقات 82 حلقة وميزانية هذه المسلسلات مجتمعة هي ثلاثة ملايين و758 ألف درهم وهي ربع ميزانية مسلسل واحد الآن تتقاذفه الأرجل داخل قسم الإنتاج هو مسلسل «الغريب» لليلى التريكي التي خصصت له ميزانية مليار و800 مليون درهم واتضح أنه عمل لايصلح لشيء من 2006 إلى الآن. في نفس السنة تم إنتاج ثلاث سلسلات هي «من دار لدار»، و«أنا ونسابي ومراتي»، و«بسمة» بميزانية 480 ألف درهم فقط ثم هناك الأشرطة التلفزيونية للمبدعين السينمائيين الذين حرصنا على إشراكهم معنا في تحرك التلفزيون حينها، وأذكر هنا بعض الأفلام مثل «سر الانتقام»، «وار الشك»، «طعم الأمل» «علاقة خاصة»، «هواجس بعد منتصف الليل»، «التائه»، «ضد التيار»، وغيرها وكلها كلفت حينها 740 ألف درهم وهو رقم لايعادل حتى نصف ميزانية شريط تلفزيوني واحد ينتج الآن . لم نتوقف هنا بل شملنا بإنتاجنا حتى المسرح، وقدمنا 25 مسرحية تلفزيونية منها «نينجا»، «جنان الشيبة»، «قفطان الحب»، «البتول»، «تيلي حنان»، وغيرها والرقم العام للمسرحيات كان هو 5 ملايين و165 ألف درهم وهو رقم ليس ببعيد عن ميزانية مسلسل أنتج سنة 2002 يسمى «المهاجرة» والذي أتحدى أن يجد له أحد أثرا داخل خزانة التلفزيون بكل بساطة لأن منتجه المنفذ توصل بكافة مستحقاته دون أن يصور ولو نصف مشاهده لأنه توفي صبيحة توصله بالمبلغ، والمفروض على المسؤول آنذاك كان هو أن يكتب بخط يده «عمل جاهز وصالح للبث» ثم يوقع لكن تم توقيع هذه الورقة بعد توصل المنتج بمستحقاته، ومع أن العمل غير موجود أي أن ميزانيةمليونين و200 ألف درهم تم رميها في البحر دون أدنى إشكال. هذا جزء من الملفات التي تحدثنا عن وجودها مثلما توجد ملفات أخرى سيأتي أوان تبيانها في القادم من الحلقات. بالنسبة لهذه الأعمال التي كانت تنتج حينها أين موقع أبناء الدار منها؟ أبناء الدار كانوا ينتجون أكثر من أربعين عنوانا في خارطة البرامج من «زوايا» إلى «سينما»، مرورا ب«كواليس الشاشة» و«حضور»، و«حوار»، و«مشاريع»، و«الحياة الجهوية» و«الفضاء الثقافي»، و«بلادي»، و«الفضاء الصحي»، و«فضاء الأسرة»، و«المجتمع»، و« النواة»، و «البيئة»، و«وليمة»، و«القناة الصغيرة»، و«شؤون اقتصادية»، و«تعاليق على الأحداث»، و«في الطريق»، و«في رحاب الجامعة»، و«ستوديو خمسة» للنجم عزيز شهال، الذي أعتبر أنه اغتيل ولم يمت بشكل عادي، و«الهرم» و«المجلة الفنية»، و«بطاقات»، و«لمسة فنية»، و«مواهب الشباب»، و«سونار»، وغيرها، باختصار عدد هائل من الأعمال كلها من إنتاج أبناء الدار الذين يوجدون حاليا في بطالة مقنعة لانعرف حلا لها على الإطلاق. ترسم واقعا غريبا بعض الشيء وكأنك تترحم على أيام زمان وأيام سطوة الداخلية على التلفزيون ؟ أنا لا أترحم علي أي شيء. أنا أعطيك وقائع ووثائق وملفات ملموسة. لقد كانت لدينا قناة واحدة يشاهدها الملايين. اليوم لدينا عدد كبير من القنوات لايشاهدها أحد. وفي ظل شتات هذه القنوات نتساءل عن نوع هذا التقدم الذي حصل وعن التخلف الذي نحن فيه . تصور لقد كانت لدينا حينها أربع مديريات فقط هي مديرية التلفزة ومديرية الإذاعة ومديرية فنية ومديرية إدارية. اليوم في التلفزيون مايفوق الأربعين مديرية وميزانية أجور الأربعين مديرا تفوق ميزانية حكومة فرنسا وإسبانيا مجتمعتين من أجل ماذا؟ من أجل 5 في المائة من نسب المشاهدة؟ أنا أطرح السؤال: ألف مليار تم صرفها على هذه المرحلة من أجل ماذا؟ من أجل وطن بدون صوت وبدون صورة وبدون إعلام؟ لقد وصلنا إلى مرحلة يدفع فيها الفنانون لكي يمرون في التلفزيون عوض أن يكون العكس هو الحاصل. إنهم يشترون ثمن ظهورهم على الشاشة آعباد الله. هل يمكن أن نصل إلى ماهو أسوأ من هذا الحضيض؟ هناك مدراء اليوم على أنفسهم في هذه المديريات، وحتى إذا ما تم إعفاء مدير من منصبه فإنه يتم الاحتفاظ له بأجره ويجلس في مكتبه، وتخلق من أجله مديرية جديدة لكي لانضيع عليه أجره السنوي لكأن كل هاته الأموال خاصة وليست ملك شعب فقير هو الشعب المغربي. ما النتيجة؟ ماذا فعلنا بكل هذه القنوات؟ وماهو دوركم أنتم في إصلاح هذه الدار؟ كنا نطمح قبل عشر سنوات أن تأتي إدارة لكي تقوي القناة الأولى وكنا مستعدين لبذل كل شيء ما هو هدفنا حينها؟ كنا نريد فقط خدمة المؤسسة وخدمة الوطن عبرها. نحن مجموعة أطر تتهافت علينا شركات الإنتاج وكان ممكنا أن نسكت إلى الأبد لكن مايهمنا هو أن نقول كلمتنا حول بلدنا الذي نحرم من خدمته، نريد أن نساهم في بناء إعلام هذا البلد فقط لاغير . هل هو طلب صعب إلى هذا الحد؟ ابتعدت عن الكلام الشخصي بخصوص العرايشي في هذه الحلقة، هل هو تراجع عن مواقفك؟ في هذه الحلقة آثرت عدم توجيه الكلام لفيصل العرايشي لأنني أعتقد أنني – ،من خلال أبناء هذه الدار - أمنح فرصة للقيمين لإعادة النظر لفتح صفحة جديدة لكي نشاهد إشارات بالملموس تمكننا من حقنا في خدمة وطننا ولكن نحتفظ في الوقت ذاته بحقنا في فضح مايقع داخل مؤسستنا وهناك زملاء سيأتون بعدي إلى هذا المنبر لتسلم المشعل وقول كل شيء. وأعلن من هنا أننا في القريب سنعقد ندوة صحفية مع الجمعية المغربية لمهنيي الإذاعة والتلفزيون، سننشطها أنا والمخرج محمد قصايب والنجمة فاطمة الإفريقي أمام الصحافة الوطنية، لنضع ملفا كاملا متكاملا حول الواقع المزري للتدبير بالشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة . وهذه شهادتنا نعتبر أننا سجلناها للتاريخ لا لشيء آخر كيفما كان نوعه على الإطلاق . حاوره: مصطفى الإسماعيلي