نصادف من حين لآخر بعض التساؤلات حول أحكام تخص التطليق لضرر الزوجة من سجن الزوج، حيث يمكن تلخيص السؤال العام على الصيغة التالية «هل طلاق الزوجة للضرر بسبب سجن الزوج ينبني على حكم نهائي أم أن الطلاق للضرر يكون بعد الحكم الابتدائي أو الاستئنافي؟».هذا السؤال بقدر ما يطرح إشكالا قانونيا مهما حول مدى اشتراط المشرع المغربي للأحكام النهائية لقبول دعوى التطليق بسبب سجن الزوج، فإن الصيغة التي ورد بها تجعلنا نطرح تساؤلات أخرى سوف نعمل على اغناء النقاش وتوضيح بعض النقط القانونية، خصوصا حول الأساس المعتمد من طرف القضاء من أجل قبول دعوى التطليق بسبب سجن الزوج؟ ومدى اعتداده بالأحكام الأجنبية القاضية بإدانة الزوج عند الحكم بالتطليق؟ لم يحدد المشرع المغربي مفهوما تابتا لضرر الزوجة، مما جعل القضاء يتمتع بسلطة تقديرية في تحديده تماشيا مع توسع الفقه المالكي في مفهوم الضرر الذي يلحقه الزوج بالزوجة وما يخول لها من حق في طلب التطليق، فقد ورد عن الامام مالك «وليس عندنا في قلة الضرر وكثرته شيء معروف»، مما حدا بالقضاء إلى اعتماد الضرر كأساس لقبول دعوى التطليق بسب سجن الزوج طبقا للفصل 56 من مدونة الاحوال الشخصية. كما ذهب هذا الاتجاه القضائي إلى اعتماد الغيبة كأساس لقبول دعوى التطليق بسبب سجن الزوج طبقا للفصل 57 من م ح ش، إذ جاء في قرار للمجلس الأعلى( غرفة الأحوال الشخصية) عدد 881 بتاريخ 21/7/1992 «أن الطاعن لما كان غائبا بمقتضى حكم جنائي قضى عليه بعشر سنوات سجنا، وقد بنت المدعية مقالها على طلب التطليق للضرر الحاصل لها من هجرها وهجر فراشها وعدم الانفاق عليه،ا فإن محكمة الاستئناف لما قضت بتأييد الحكم الابتدائي بالتطليق لثبوت الضرر بالغيبة حسب الحكم النهائي، تكون قد طبقت الفصل 57 من المدونة مما يجعل قرارها معللا تعليلا سليما». أما مسالة اختلاف الأساس، الذي ينبغي أن ينبني عليها التطليق لسجن الزوج، فقد وجدت حلها بصدور مدونة الأسرة الجديدة، التي نصت في مادتها 106 على أن «إذا حكم على الزوج المسجون بأكثر من ثلاث سنوات سجنا أو حبسا جاز للزوجة أن تطلب التطليق بعد سنتين من اعتقاله، وفي جميع الأحوال يمكنها أن تطلب التطليق بعد سنتين من اعتقاله». ونرى أن إدراج هذه المادة ضمن الفرع الثالث المخصص للغيبة تبرز وبجلاء نية المشرع في اعتماد الغيبة كأساس عند التطليق بسبب سجن الزوج، كما أنه عند الرجوع إلى الدليل العملي لمدونة الأسرة، الذي هو بمثابة المرجع لتقريب المفاهيم وتوحيد التطبيق السليم لمقتضيات هذه المدونة نجده ينص عند شرحه للمادة 106 على ما يلي «إذا صدر على الزوج حكم نهائي بالحبس أو السجن أكثر من ثلاث سنوات جاز لزوجته أن تطلب التطليق بسبب ذلك بعد انصرام سنة من اعتقاله، و العبرة في ذلك هو تضررها من بعده عنها، ولم يفرق المذهب المالكي بين البعد الاختياري والبعد القهري أو القسري، كالاعتقال والسجن، لأن العبرة في ذلك هو تضرر الزوجة من البعد عنها». وتجدر الاشارة إلى أن اعتبار الغيبة كأساس للتطليق بسبب سجن الزوج ينتج عنه حسب مقتضيات المادة113 من مدونة الأسرة الجديدة استثناء اجراءات محاولات الصلح في حالة التطليق بسبب سجن الزوج لكونها مندرجة ضمن حالة الغيبة من جهة، ولتعذر اجراء الصلح فيها في الغالب من جهة ثانية. كما أن التطليق يكون بائنا قياسا على حالة الغيبة وصريح المادة 57 من مشروع مدونة الاحوال الشخصية. إن قبول دعوى التطليق بسبب سجن الزوج يجد مناطه في وجود حكم أو قرار يقضي بإدانة الزوج عن فعل جرمي معين، يكون قد اقترفه، إلا أن هناك سؤالين أساسيين يفرضان نفسهما بقوة لدى الباحث عند دراسته لمقتضيات المادة 106 من مدونة الأسرة، ولدى القاضي عند بثه في نازلة معروضة عليه تتعلق بالتطليق بسبب سجن الزوج هما (هل تطليق الزوجة بسبب سجن الزوج يتطلب وجود حكم نهائي يقضي بادانة الزوج؟. هل يشترط في الحكم أو القرار القاضي بادانة الزوج أن يكون صادرا عن هيئة قضائية مغربية، أم يعتد حتى بالحكم الاجنبي؟). إن الحكم القاضي بفرض عقوبة مقيدة لحرية الزوج يعتد به عند البث في دعوى التطليق بسبب سجن الزوج سواء كان صادرا عن هيئة قضائية مغربية أو اجنبية والسند في ذلك اعتماد مقتضيات الفصل 418 من قانون الإلتزامات والعقود المغربي، التي تنص على أن الأحكام الصادرة من المحاكم المغربية أو الأجنبية يمكنها حتى قبل صيرورتها واجبة التنفيذ أن تكون حجة على الوقائع التي تثبتها ، وهذا ما أكده المجلس الأعلى في قراره حول الملف الشرعي عدد 257/2/1/2002 والصادر بتاريخ 15/10/2003، حيث جاء في إحدى حيثياته: ” .....وبالتالي فإن المحكمة باستبعادها الحكم الاجنبي المذكور لاثبات دعوى الطالبة تكون قد خالفت مقتضيات الفصل 418 من «ق ل ع»، مما يجعل قرارها معرضا للنقض». الأستاذ هشام ملاطي *(طالب باحث بكلية الحقوق أكدال – الرباط -)