مايزال الكثيرون منا يتذكرون حادثة مأساوية بقسم مستعجلات مستشفى الأمراض النفسية والنفسية الرازي بسلا فقبل سنوات كان المستشفى مسرحا لحادثة أودت بحياة ممرض تعرض لهجوم من قبل مريض حل بالمستشفى في حالة هيجان. الضحية حاول أن يقوم بعمله اليومي، ذنبه الوحيد أنه حاول تقديم المساعدة لمريض هائج، حيث حاول حقنه بحقنة مهدئة، لكن هذا الأخير قام بمهاجمته، ووجه إليه سيلا من الضربات على مستوى رأسه وجهازه التناسلي كانت كافية لإزهاق روحه. حالة هذا الممرض الذي قضى نحبه بسبب تأديته لواجبه وحالات أخرى لم تصل إلى حد الوفاة، لكنها كانت خطيرة، إما لكمات قوية في مناطق متنوعة من الجسد، أو جروج خطيرة لا تلتئم إلا بعد أيام، كلها حالات مازالت حاضرة بقوة في أذهان ممرضي مستشفى الأمراض النفسية والعقلية ابن رشد بالدارالبيضاء.. بل تضطرهم بين الفنية والأخرى التوجه إلى الوزارة الوصية برسائل يطلبون فيها توفير الحماية لهم، أو الزيادة في عددهم، خصوصا أن عدد ممرضي هذا القسم لا يمكن أن يستجيب للحالات التي تفد عليه. قسم المستعجلات يعمل على مدار اليوم بثلاث فرق من الممرضين فريق من الثامنة صباحا إلى الثالثة زوالا، وفريق من الثالثة إلى الثامنة ليلا، يليه فريق يتولى العمل من الثامنة ليلا إلى الثامنة صباحا، هذا الفريق لا يتجاوز عادة فردا واحدا في حين يتولى طبيب واحد تشخيص كل الحالات. «لا يمكن أن أصف مدى المعاناة التي أعانيها كل ليلة عندما أكون في المداومة، فالسيطرة على مريض في حالة هيجان شيء لا يمكن أن يتصوره أي شخص إلا العامل في هذا القسم وكذلك بعض الزوار الذين يشهدون تلك المشاهد المؤلمة في كثير من الأحيان». لتضيف ممرضة المداومة قائلة «لا أقول أنني أستطيع السيطرة على مريض لوحدي، لأنني دائما أطلب المساعدة من ممرض من المصالح الأخرى، فالمريض في حالة الهيجان لا يمكن أن يسيطر عليه إلا أربع ممرضين، لهذا أستغرب كيف يمكن أن يعينوا ممرضة واحدة في قسم للمستعجلات يستقبل كل ليلة حوالي خمسين مريضا». خمسون مريضا هو العدد تقريبا الذي يستقبله مستعجلات الأمراض النفسية والعصبية بان رشد، صحيح أن الحالات لا تكون جميعها في حالة هيجان، لكن نسبة مهمة تزور المستشفى وهي في حالة من الهيجان الشديد. وعادة ما تكون الحلقة الضعيفة في الموضوع هي العاملون هناك. وتقول الطبيبة التي تتولى تشخيص الحالات الوافدة خلال الأربع والعشرين ساعة «لا يمكن تشخيص جميع الحالات التي تفد على القسم بشكل دقيق لأن شخيص كل هذه الحالات أمر مرهق، خصوصا أنني الطبيبة الوحيدة الموجودة في المداومة ولكن ماذا سأفعل ليس أمامي إلا القيام بواجبي، فأنا أعرف تماما أن هناك خصاصا واضحا في الأطر الطبية». نفس الشيء أكده زميلها الذي أشار إلى أن الخصاص الذي يعرفه قطاع الصحة النفسية في المغرب السبب الرئيسي في المشاكل التي يعشونها سواء تعلق الأمر بهم كأطباء أو تعلق الأمر بالممرضين. يقضي الطبيب بقسم الأمراض النفسية والعقلية ابن رشد يومه في تشخيص الحالات في غرفة ضيقة مساحتها لا تتجاوز المترين ونصف، بها مكتب خشبي وكرسيان، حيث يستقبل المرضى في جلسات التشخيص. ورغم ظروف العمل المنعدمة فإنه يصر على الاحتفاظ بابتسامته وهو يستقبل المرضى، فما ذنب هؤلاء المرضى.. أما معاناته كطبيب أو ممرض فيعيشها مع نفسه.. «بعض المرضى يكونون عنيفين، وهذا تبعا لنوعية المرض الذي يعانون منه، وهو ما يعرضنا في كثير من الأحيان لتدخل عنيف من طرف بعض المرضى» يقول ممرض بالقسم ليضيف « ليس هناك رجال أمن لتقديم المساعدة في مثل هذه الحالات، لأننا في الأول والأخير نزاول مهنة التمريض وليس الأمن». مزارلة مهنة الطب أو التمريض في هذه الظروف تكاد تكون صعبة، لكن ما باليد حيلة، حسب أحد الممرضين فهم يزاولون عملهم ويؤدون واجبهم مهما كانت الظروف، وأملهم في مستقبل ربما يأتي بشيء أفضل لهم ولقطاع الصحة النفسية برمته. سميرة فرزاز