اسطنبول 19 دجنبر (رويترز) - حين يشدد الرئيس رجب طيب إردوغان قبضته على السلطة في تركيا العام المقبل.. من المرجح ألا يواجه تحركا من الغرب اللهم باستثناء مقاومة رمزية في وقت تطغى فيه رئاسة تركيا لمجموعة العشرين والتصدي لتنظيم الدولة الإسلامية على القلق من انزلاق نحو حكم شمولي. منتقدو إردوغان في الداخل والخارج يرون أنه زعيم يصعب التكهن بخطواته عازم على الاضطلاع بمهام رئاسية أقوى والانقضاض على خصومه السياسيين. وهم يخشون أن يبعد تركيا أكثر عن معايير الغرب فيما يتعلق بحكم القانون وحرية التعبير. أما مؤيدوه فيرون أنه يعود بتركيا إلى سابق مجدها مستعيدا تراثها العثماني والإسلامي بعد حكم علماني دام تسعة عقود. وهم يرحبون بهذا النهج الجديد الذي ينطوي حسب رؤيتهم على اعتزاز بالذات. في مستهل الشهر الحالي تولت تركيا الزعامة الدورية لمجموعة أبرز 20 دولة نامية ومتقدمة وهي تهدف لاستغلال هذا الدور في رفع صوت الدول المحدودة الدخل والترويج لنفسها كقوة تجارية ودبلوماسية. وفي الأسابيع الأخيرة توالت الزيارات على إردوغان من شخصيات منها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والبابا فرنسيس ونائب الرئيس الأمريكي جو بايدن ومسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي فيديريكا موجيريني على نحو يبرز مدى الأهمية التي تمثلها تركيا في قضايا من بينها أمن الطاقة واحتواء الحرب في سوريا والعراق. لكن مشاهد المصافحة والتعهد بالتعاون تخفي وراءها سجلا للحريات يبدو في تراجع. ففي الأسبوع الأخير داهمت الشرطة مواقع إعلامية قريبة من خصوم إردوغان السياسيين وحوكم مشجعون لكرة القدم بتهمة التدبير لقلب نظام الحكم خلال الاحتجاجات المناهضة للحكومة العام الماضي. وقال فادي حكورة محلل الشؤون التركية في معهد تشاتام هاوس للأبحاث في لندن "جغرافية تركيا الاستراتيجية تملي على حلفائها أن يواصلوا إعطاءها مساحة للتحرك... لا يمكن ببساطة تجاهل تركيا مهما كانت سياسات الرئيس إردوغان." أثارت حملات المداهمة على وسائل الإعلام انتقادا عنيفا من بروكسل. فما كان من إردوغان إلا أن طلب من الاتحاد الأوروبي الذي تطمح بلاده للانتماء إليه أن يهتم بشؤونه لا بشؤون الغير. وقال إن هذه الحملات رد ضروري على "عمليات قذرة" يقوم بها خصومه ولا صلة لها بحرية الإعلام. وتوقع مصدر بالاتحاد الأوروبي معني بالعلاقات مع تركيا أن تتصاعد خطوات الحكم الشمولي في مرحلة الاستعداد للانتخابات العامة المقررة في يونيو حزيران المقبل. لكنه أقر أن احتياج الاتحاد الأوروبي لتعاون تركيا في أمور تمتد من سوريا إلى قبرص يكبل يديه. * حساسيات عثمانية يقول منتقدو إردوغان إنه يشن بانتظام حربا على كل أشكال المعارضة منذ أسس حزب العدالة والتنمية ذا الجذور الإسلامية وأصبح رئيسا للوزراء منذ أكثر من عشر سنوات. ومن الأمور التي نالت استحسانا وضع جيش علماني أطاح بأربع حكومات منذ عام 1960 تحت سيطرة مدنية لكن تم الزج بقطاع واسع من المؤسسات من المحاكم وأجهزة الشرطة إلى الإعلام والمدارس تحت عباءة إردوغان الأيديولوجية. وكتبت جيني وايت أستاذة علم الإنسان (الأنثروبولوجيا) بجامعة بوسطن أن رسالة حزب العدالة والتنمية أصبحت "تتركز على نظرة رومانسية لإخوان سنة عثمانيين." وأضافت في دورية (التاريخ المعاصر) هذا الشهر أن إردوغان يقدم نفسه على أنه "الأب الروحي الذي يحمي شرف أمته بقوة ويبعد خطر فوضى الليبرالية." ويرى منتقدوه أن نظرته للديمقراطية التي تعتمد على تمتعه بالأغلبية -إذ قال لمنتقديه إن عليهم أن يهزموه عبر صناديق الاقتراع- تعني أنه يحكم لصالح الاثنين والخمسين في المئة الذين أيدوه ويتجاهل الباقين. واعتبر البعض حملته من أجل تعزيز المناهج الدينية في المدارس وعزمه على إلزام التدريس بالتركية العثمانية لا ترقى إلى مستوى الهندسة الاجتماعية التي تحاول فرض رؤية متجانسة للهوية التركية الحديثة. من الناحية الأخرى يقول مؤيدوه إنه يتحرك بدافع الرغبة في إعادة الارتباط بتراث ضاع في العشرينات عندما أقام مصطفى كمال أتاتورك جمهورية علمانية على أنقاض سلطة دينية عثمانية. وقال إتيان محجوبيان وهو كاتب عمود وأحد مستشاري رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو "إذا كنت سنيا قادما من المحيط الخارجي وتواجه نظاما أتاتوركيا وموقف الغرب... وكنت تريد إعادة بناء البلد فستسأل نفسك ما المرجعيات التي يمكنك الاستعانة بها." وأضاف "لديك المرجعية الإسلامية والمرجعية العثمانية." وصرح مسؤولون بارزون لرويترز هذا الأسبوع بأن إردوغان سيبدأ في رئاسة اجتماعات مجلس الوزراء في يناير كانون الثاني موسعا سلطاته حتى بدون التعديلات الدستورية التي يريدها لتطبيق نظام رئاسي كامل. ومن المرجح مواجهة أي احتجاجات بصرامة. وأجاز البرلمان هذا الشهر مسودة قانون تعزز سلطات التفتيش الشرطي وهو يعكف على وضع قانون جديد يشدد العقوبة على المحتجين الذين يخفون وجوههم أو يستخدمون قنابل المولوتوف. وطلبت منظمة العفو الدولية هذا الأسبوع من كوريا الجنوبية عدم شحن طلبية تركية من حوالي 1.9 مليون عبوة وقنبلة غاز مسيل للدموع والتي استخدمت بكثافة خلال احتجاجات العام الماضي محذرة من أنها "قد تسبب مزيدا من القمع".