حين ينتهي الأغنياء من استغلال الخيرات المعدنية لآبار جرادة لا يفكرون كثيرا في القادمين من بعدهم إلى المكان، وبالتالي لا يقوم أي منهم بردم هوات الفحم السحيقة ، إلى أن تتحول إلى مقابر تذهب بحياة أبرياء لا علاقة لهم بالفحم وماله ولوبيات استغلاله. ليلة السبت الماضي، شاء القدر أن ينهي حياة المواطن العربي العاشر - من مواليد 1961 - عبر الوقوع في واحدة من هذه الحفر، خلال نزهة ليلية في الغابة المجاورة لمدينة جرادة. الضحية عازب وعاطل توجه إلى حتفه، بكلتا قدميه، ظنا منه أنه ابتعد عن مكان الخطر الذي تعود تفاديه، كما تشير بعض المصادر المقربة منه. الحفرة التي سقط فيها العربي العاشر مساء السبت الماضي يتجاوز عمقها ال 30 مترا، في الوقت الذي لا يتعدى عرضها 1.20 مترا. متخلى عنها منذ فترة غير قصيرة، من طرف أصحاب آبار الفحم الحرة، الذين دأبوا على استنزاف الثروة المعدنية للمنطقة بطريقة عشوائية، لا تخضع لأي تقنين ولا تعمل على القيام بأي إجراء احترازي من أجل تنبيه الزائرين، أو ردم هذه الآبار بعد الانتهاء من سنوات الاستغلال فيها. استخراج الضحية، تطلب وقتا طويلا ومجهودات خارقة للعادة، من أبناء المنطقة ورجال الوقاية المدنية.السقوط المميت للعربي العاشر، يعد واحدا من عشرات الحوادث الخطيرة التي يذهب ضحيتها سكان المنطقة في كل مرة تطأ فيها أقدامهم الأملاك الغابوية المجاورة لمدينة جرادة والنواحي. فقبل مدة غير بعيدة سقطت سيدة في منتصف العمر في إحدى هذه الآبار التي تسمى محليا ب«الحاسي»، لتتعرض لحادث كسر على مستوى الذراع الأيمن، ورضوض في باقي جسدها. طفل آخر من أبناء المنطقة كان قد سقط بدوره شهر مارس الماضي في أحد الحاسيات، واللائحة الطويلة أصلا من الضحايا، معرضة للارتفاع في حال استمرار هذه اللامبالاة في المنطقة، والتي يتحمل فيها أصحاب الحاسيات مسؤوليتهم، بنفس قدر السلطات المحلية وجمعيات المجتمع المدني، التي تقف لحد الآن في دور المتفرج.فرع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان في جرادة، سبق له أن أثار الانتباه لخطورة هذه الحاسيات منذ نهاية استغلال شركة مفاحم المغرب للمناجم في المنطقة منتصف تسعينيات القرن الماضي. حسب الإحصائيات الرسمية للجمعية، يوجد في منطقة جرادة ونواحيها أزيد من 2000 حاسي مفتوح، انتهى الاستغلال به وتحول إلى خطر يتهدد حياة وسلامة كل من يقترب.