خلف ستار المسرح، وقبل أن تسفر عن نفسها إلى جمهور العرض، تأوي إلى هواجسها، وتركنُ إلى إحدى زوايا الكواليس المُعتمة، تغير أقنعة تمثيلها، ومعها الشخوص المكرورة التي دأبت على أدائها على خشبة مسرح تُحاكمها، كما يُحاكمها مُجتمع ما تزال المرأة في عرفه، مواطنا ناقص الأهلية. بهذا النفس الاحتجاجي، تنطلق المسرحية المغاربية "نقطة الصفر" المشاركة ضمن فعاليات مهرجان طنجة الدولي للمسرح، الذي انعقد بمدينة طنجة (شمال المغرب)، معبرة عن قلق دفين يعتصر كل امرأة فنانة، تحول دونها تقاليد المجتمع ودون إبداع حر. مسرحية "نقطة الصفر" من تأليف المسرحي المغربي المعرُوف عبد الحق الزروالي، من مؤسسي فرقة مسرح المغرب العربي، وأداء الفرقة المسرحية التونسية تُعد لقاء فنيا مغاربيا بامتياز، صاغته إحدى الأقلام المسرحية الرصينة في المغرب. وأخرجت المسرحية فرقة تونسية صاعدة، لتعبر بذلك عن تواصل ثقافي مسرحي حي بين مدارس مسرحية مغاربية متنوعة، خاصة من في سياق مُعالجة بعض التيمات التي تُعد مثار خلاف ونقاش ملتهب بين الفرقاء الفكريين في الوطن العربي، وفي مقدمتها موضوع حقوق المرأة والجدل الذي يرافق المطالب المتصاعدة لمساواتها مع الرجل، ورفع بعض مظالم المجتمع عنها. وهكذا تُصور مسرحية "نقطة الصفر" التي تنتمي إلى صنف "المُونودراما" المسرحية المُعتمدة على شخصية واحدة ووحيدة، المرأة التي تسعى إلى التحرر من قيود موروث تقليدي يحصر مجال نشاطها في وظائف اجتماعية مكرُورة، ومحدُود الأفق، ومعانقة رحابة ميادين الإبداع والخلق، وذلك عبر حوار طويل، وحركات وإيماءات مُستعينة بموسيقى مرافقة. الممثلة التونسية سميرة بوعمود، التي جسدت دور الشخصية الرئيسية في مسرحية المونودراما "نقطة الصفر"، استعادت في مونولوجها الداخلية، صورة قاتمة عن معاناة المرأة العربية، فيما مختلفة مواقع وجودها، فالشخصية الرئيسية "الممثلة" التي تستعد خلف الكواليس لمُقابلة الجمهور ومواجهته، تسكُن سريرتها مخاوفُ وهواجسُ، وهي ذات المخاوف والمحاذير التي تلف مخيال كل امرأة عربية تعيش في ظل مجتمع مُعتد بذُكورته، وتعوقها بحسب المسرحية عن المبادرة في الفعل، والإبداع دون حواجز وخطوط حمراء، يجتهد العرف والمجتمع في ترسميها. كما تُقدم المسرحية نقدا ناعما مبطنا، لواقع المسرح العربي وللأحكام الجاهزة التي تؤطر حضور المرأة كممثلة تؤدي بكل حرية وتجرد أدوارها الفنية، موجها سهام النقد لأعمال مسرحية لا تخدم قضايا الفن السامية، وترهن نفسها لتعليمات السلطة، وحسابات الولاءات الفكرية الضيقة، وتنتصر لواحدة دون أخرى، مضحية بقيم الفن وجماليته. وتختم فعاليات الدورة الثالثة لمهرجان طنجة الدولي للمسرح مساء اليوم، بمدينة طنجة (أقصى شمال المغرب)، حيث قدمت أزيد من 20 فرقة مسرحية تنتمي إلى 14 دولة عربية وأجنبية، عروضا مسرحيا مختلفة، طيلة أيام المهرجان. وعلى خشبة مسرح المهرجان، تعرض فرق مسرحية قادمة من 14 بلدا عربيا وأوروبيا ولاتينيا إبداعات مدارس مسرحية مختلفة، حيث تؤدي الفرقة الإيطالية "فيتا مورتي أي روسيروزيون" مسرحيتها بعنوان "لاكامباني أرسكوميكا"، فيما تعرض الفرقة المصرية "لاموزيكا" مسرحية تحمل اسم "بين النور"، كما تشارك الفرقة السويسرية "لاكوباني 94′′ في عروض المهرجان بمسرحيتها " لانوي جوست أفون لا فورية"، ومن المكسيك تقدم فرقة " لاكوباني لوث ديل نورطي" مسرحية "لاكانتانتي كالفا". كما يعيد المهرجان رسم ملامح الهوية المسرحية المغربية المحلية، ويستدعي إلى عروض دورته الثالثة، مجموعة من الفرق المسرحية من مناطق مختلفة على امتداد الجغرافيا المغربية، من بينها مسرحيات بعناوين ومواضيع مختلفة كمسرحية "رجل الخبز الحافي"، وأخرى تحمل عنوان "سكيزوفرينيا"، ومسرحية "بين بين"، ومسرحية "الساروت" وغيرها.