سارة آيت خرصة *: يواجه الجمهور وحيدا، ويستفرد بخشبة المسرح، وعلى عاتقه صياغة بداية المسرحية ونقطة تحولها، وتوقيع مشاهد ختامها، يدخل في مناجاة طويلة وعميقة، يتوجه بالخطاب إلى ذاته، وعبرها إلى كل الذوات الأخرى التي لا يراها ولا يهمه وجودها، هكذا تنخرط شخصية المسرح "المونودرامي" في أداء أدوارها، البوح همسا وجهرا بتأملاتها فلسفية. الفرقة المسرحية السويسرية "لاكوباني 94" استعادت على خشبة مهرجان طنجة للمسرح هذا الصنف المسرحي، الذي تختتم فعالياته غدا الثلاثاء، من خلال عرض مسرحي مُقتبس من أحد أشهر الأعمال المسرحية للكاتب الفرنسي المعروف "برنارد ماري كولتي" وهي مسرحية "الليل يقع خلف الغابات" والتي ألفها سنة 1977. ففي فضاءات وأمكنة عدة متخيل تتواجد الشخصية الرئيسية للمسرحية، تجاورها في زاوية قريبة شخصية أخرى مجهولة، لتنطلق الأولى في سرد واقع أحوالها، والاغتراب الشديد الذي تُحس به في مجتمع أوروبي، ينزع على الدوام إلى جعلها تحس أنها الغريبة القادمة من مسافات بعيدة من أجل العمل والكدح والسعي لكسب قوت العيش، وفي ذلك إطار نص محبوك بلغة رصينة وقوية المعاني. فهذا الصنف المسرحي الخاص، أو ما يطلق عليه "مونودراما" ظهر في أوروبا خلال القرن العشرين باعتباره أحد أشكال المسرح التجريبي الذي رافق التحولات الفلسفية ذات المنزع التجريدي التي ظهر بأوروبا خلال هذه الفترة، يسمح للممثل الشخصية الرئيسة في المسرحية، أن تدخل في حوار ذاتي طويل، بمثابة همس مسموع، أو بوح مشروع للمشاهد متابعته، يتداخل فيه الذاتي، بالموضوعي الخارجي، ويجعل البناء الدرامي في مجمله في يد الشخصية الرئيسية، ونص الحوار الذي تسرده. إلا أن فرادة العمل المسرحي للكاتب الفرنسي "برنارد ماري كولتي" تميزت بتجاسره على كسر قاعدة الوجود المتفرد لبطل المسرحية المونودرامية على خشبة المسرح، ليقحم معها شخص آخر يركن في زاوية قصية، ويشغل مساحة هامشية في الخشبة، لا يعرف عنه المُتابع شيئا، يجلسُ بإحدى الزوايا يُشاهد بإمعان هذا البوح المُتدفق لبطل المسرحية، مرهفا السمع لما تجوس به خلجات روحه من أفكار. فهذه الشخصية الثانية، تمثل في مضمونها المجتمع الذي يراقب هذه الشخصية الفريدة، وقد ضجت بالهواجس والمخاوف والأفكار، لكنه يصر على مواصلة صم آذانه عنها، والتعامل معها بلامبالاة سافرة. وتناقش المسرحية المؤلفة سنة 1977 من خلال حوار المونولوغ الداخلي الذي تعرضه الشخصية الرئيسه، موضوع الغربة والاغتراب عن الوطن وعن الذات في آن معا، وعن مواضيع الهجرة والبحث عن العمل، والظروف الأفراد الذي يجدون في ظل مجتمع طبقي أنفسهم على الهامش، لا يدخلون ضمن حسابات مجتمع واهتمامته. وانطلقت فعاليات الدورة الثالثة لمهرجان طنجة الدولي للمسرح مساء الجمعة، بمدينة طنجة (أقصى شمال المغرب)، بمشاركة أكثر من 20 فرقة مسرحية تنتمي إلى 14 دولة عربية وأجنبية. وعلى خشبة مسرح المهرجان، تعرض فرق مسرحية قادمة من 14 بلدا عربيا وأوروبيا ولاتينيا إبداعات مدارس مسرحية مختلفة، حيث تؤدي الفرقة الإيطالية "فيتا مورتي أي روسيروزيون" مسرحيتها بعنوان "لاكامباني أرسكوميكا"، والفرقة التونسية "نقطة وارجع للسطر" مسرحيتها " نقطة الصفر"، فيما تعرض الفرقة المصرية "لاموزيكا" مسرحية تحمل إسم "بين النور"، كما تشارك الفرقة السويسرية "لاكوباني 94" في عروض المهرجان بمسرحيتها " لانوي جوست أفون لا فورية"، ومن المكسيك تقدم فرقة " لاكوباني لوث ديل نورطي" مسرحية "لاكانتانتي كالفا". كما يعيد المهرجان رسم ملامح الهوية المسرحية المغربية المحلية، ويستدعي إلى عروض دورته الثالثة، مجموعة من الفرق المسرحية من مناطق مختلفة على امتداد الجغرافيا المغربية، من بينها مسرحيات بعناوين ومواضيع مختلفة كمسرحية "رجل الخبز الحافي"، وأخرى تحمل عنوان "سكيزوفرينيا"، ومسرحية "بين بين"، ومسرحية ""الساروت" وغيرها.