اعتقد أن تردده على مفوضية الشرطة سيمر دون مشاكل كما حدث في المرات السابقة، ولم يعر بالا للمثل العربي الذي يقول «ليس كل مرة تسلم الجرة». تأنق على غير عادته حين يقصد الكوميسارية لاستصدار وثائق رسمية، وخرج قاصدا المؤسسة الأمنية التي لا تبعد عن محل إقامته كثيرا، في درب الكبير وسط الدارالبيضاء. لم تبد عليه معالم الارتباك أو الدهشة أو التخوف من أمر ما، فإلى غاية تلك اللحظة كان يعتقد أن لا شيء عليه للأمن، ولا شيء للأمن عليه، غير بصماته التي حملها إلى مكتب البصمات في الكوميسارية، رغبة في تجديد بطاقة وطنية بلغت أجل التقادم. لكن مالا يعرفه هذا الشخص، هو أن الشرطة قدمت للبحث عليه في محل سكنه في درب الكبير مرات عدة، تصادفت وعدم وجوده في المنزل، أو مغادرته للمدينة أو قضاء حاجة استغرقت وقتا وأبعدته عن المكان. في المرة الأولى، طلبت عناصر الشرطة من والدته أن تبلغه بقدومهم للبحث عنه، وأنه من الأحرص له، أن يأتي إلى مفوضية الشرطة، لغرض يهمه دون توضيح الأمر. وأمام عدم مثوله في مكاتب مفوضية الشرطة، عادت دورية أخرى إلى بيته، لتطلع والدته، في غيابه دائما، على أن المعني بالأمر ورد إسمه في ملف للهجرة السرية، بعد أن اعترف عدد من الموقوفين في التراب الإيطالي والعائدين في إطار رحلات إعادة وترحيل منظمة من وزارة الداخلية الإيطالية إلى المغرب، بإسمه كوسيط قدم معلومات وخدمات وشكل صلة الوصل بين المهاجرين ومن تولى تهجيرهم بطريقة غير شرعية. وبالرغم من إخبار عناصر الشرطة لوالدة المعني بالأمر بأسباب سؤالهم عنه في عنوانه للمرة الثانية، آثر المعني بالأمر عدم التردد على المفوضية، مغبة الوقوع في المحظور. لكن المحظور، الذي تهرب منه طويلا وتفنن في الانفلات منه، وجده قائما مترصدا داخل أروقة الكوميسارية التي جاء إليها برجليه أول أمس، كمن كان على موعد غير معلن مع الاعتقال، حتى قبل أن يدلف إلى القاعة المخصصة لتسليم وثائق التعريف الأولية ووضع البصمات. بمجرد ما قدم نفسه وإسمه إلى الموظف الأمني المكلف، تم الكشف عنه في قائمة المبحوث عنهم، وعلى الفور تم اعتقاله، وتحويله إلى مقر الفرقة الوطنية للشرطة القضائية بالدارالبيضاء لاستكمال إجراءات الاستماع إليه في قضية وساطة الهجرة السرية.