في فعل التلصص، تصير العين (حاسة البصر) عدسة كاميرا سرية يوجهها صاحبها إلى موضوعه (الجنسي). تلتقط تلك العين حميمية ذلك الموضوع لتصنع منه حدثا يمكن تسميته «فرجة بورنوغرافية خاصة جدا». فرجة سرية لا يشاركه فيها طرف ثان. في غفلة من الضحية، يصير المتلصص متفرجا بورنوغرافيا سريا، لأنه لا يظهر في الصورة ولا يعلن عن هويته وهو يمارس في الخفاء استمتاعه البصري بحميمية موضوعه الجنسي، أو يستلذ بالآخر مستعينا بعضوه البصري! قبل إشاعة الكاميرا الرقمية بين المستعملين، كان المنظار يسعف مستعمله -كما في الأفلام السينمائية- على إنجاز فعل التلصص عن بعد على حميميات الآخرين. تغيرت الأمور في الألفية الثالثة، وسمح ما راكمه التطور التكنولوجي الرقمي بتسهيل مامورية المتلصص، ومنحه إمكانيات لم تكن العين لتحلم بها. حلت عدسة الكاميرا الرقمية محل العين، وبدأت تنوب عنها في إنجاز فعل التلصص، بل ووفرت ذاكرتها الرقمية إمكانية تخليد حدث التلصص وتوثيقه في فيديوهات، لتصير معاودة مشاهدة الشريط المصور تجديدا لحدث التلصص. للوقوف على ما أسعفت به التكنولوجيا معشر المتلصصين، يمكن استدعاء التخييل السينمائي الذي جسد حدث التلصص. يشخص الفيلم التونسي «حلفاوين» تعقد فعل التلصص قبل تدخل التكنولوجيا الرقمية. يستعين يافعان على مشارف مرحلة الشباب، بعين طفل على مشارف الانتقال إلى المراهقة، لينقل إليهما تفاصيل مشاهداته لأجساد النساء العاريات أثناء الاستحمام داخل فضاء الحمام الشعبي العمومي. تصير عين الطفل (نورا) هي عدسة الكاميرا التي تنقل وصف العري الأنثوي إلى المعنيين بأمر النظر إلى مفاتنه. يحتفظ الطفل بمشاهداته في الذاكرة. يغادر الحمام ويلتحق باليافعين ليروي لهما ما التقطه بصره. لابد في هذه العملية المعقدة من الاستعانة باللغة في عملية النقل، لأن عين الطفل المتلصص على تفاصيل النساء العاريات في الحمام، عاجزة عن نقل ما التقطته من مشاهد عارية إلى اليافعين الراغبين في الاستمتاع بها، دون وساطة من التعبير اللفظي والحركي ليفي بالغرض ويوصل الرسالة. تسمح الكاميرا الرقمية للشخص المتلصص على حميميات النساء بممارسة فعله التلصصي دون أن يحضر حضورا ماديا ومباشرا حيث موضوعه المشتهى، .0كما فعل متلصص أكادير المبتلى بفعل التلصص والذي لم يعنه أن هذا الفعل جريمة جنسية يعاقب عليها القانون. يستهدف المتلصص الفضاءات النسائية حيث يتخلص الجسد الأنثوي من حجب الملابس التي تحجب مفاتن المرأة وتسترها مثل الحمامات وصالونات الحلاقة والتجميل ومخادع محلات بيع الملابس، ويمكن استدعاء غرفة النوم أيضا لأنها فضاء يرتفع فيه الحجاب عن جسد المرأة ويصير موضوعا لائقا للتلصص والتجسس على تفاصيله في غياب علم صاحبته. يمارس الذكور درجة صفر التلصص في الشارع العام وأبصارهم تتربص بأجساد الإناث الآدميات. يزاولون هذه الهواية البصرية وهم جالسون بالمقاهي وعيونهم تتفحص تفاصيل أجساد الإناث العابرات كأنهم في وضع المتفرجين! يغيب عن معشر المتلصصين أن فعل التلصص يتشكل داخل الثقافة الإسلامية انطلاقا من منطوق «إنما العين زانية» باعتباره «زنا العين» أو زنا البصر والنظر. تصير العين أداة لارتكاب فعل الزنا، أو تقوم العين بدور أداة الفعل الجنسي الخارج عن القانون. جمال زايد