بين الحاقد الذي يتصور أنه سيقود ثورة المغرب، وبين الشيخ سار الذي يعتقد أنه المهدي المنتظر وبين التسولي الذي يصب دلو الماء على رأسه ويسأل "أين الثروة؟"، هناك مشكل حقيقي في الأنترنيت المغربي هو مشكل إبداعية واضح. ثمة أمرا غير صالح في النهاية يطفو على سطح اليوتوب، الفيسبوك، التويتر، الإنستغرام، يحتل الهاشتاغات، ويضع يده على كل مجالات التعبير الحر هاته يسمى إنعدام الموهبة. الحكاية هنا ليست حكاية ثورة أو صراخ ضد الظلم أو تعبير عن رغبة في الحرية أو حتى جرأة على تحطيم الطابوهات. الحكاية كلها مختزلة في جملة بسيطة: هل تتوفر على موهبة تهديها للناس أم أنك تتوفر على الضجيج فقط؟ في الحالات الثلاث التي ذكرناها بالتحديد، الإجابة واضحة، وتبريرها ممكن فنيا وبالحجج والدلائل ابتعادا عن أي استهداف كيفما كان نوعه، ونأيا عن أي تصفية حسابات قد يتخيلها أصحاب اللاموهبة الثلاثة وقد يلجؤون إليها دفاعا عن أنفسهم وعن لقمة عيشهم الأنترنيتية. الحاقد: قريبا العودة إلى…شي بلاصة ! قريبا سيخرج معاذ الغوات. يوم 18شتنبر سيغادر إبن عكاشة فاميلي العائلة، سيعود إلى الدرب وإلى البيع والشراء وإلى لحظات الاعتقاد فور النشوة الأولى أنه يستطيع إسقاط كل شيء وبناء كل شيء مكانه. معاذ "وليد درويش – مثلما يقول عنه المقربون منه – رجولة وماكيخافش"، ربما ولا اختلاف على الأمر، لكن معاذ من الناحية الإبداعية، وهي مجال اشتهاره الذي يجعلنا نتحدث عنه الآن "شوية وصافي". الفتى البيضاوي ركب أول الأمر على موجة الربيع العربي وعلى حركة 20فبراير وعلى كل شعاراتها التي أخرجت العديدين من مخابئهم. فور انتهاء الحركة، وفور انقشاع الوهم المسمى ربيعا عربيا عاد معاذ إلى أرض الواقع. وجد نفسه بين خيارين: أن يعود إلى نسيانه الأول أو أن يذكر الناس بوجوده بمسألة واحدة لا ثاني لها: السب والشتم. اختار الاختيار الثاني. سب البلد، سب رموزه، شب شرطته، مر إلى المغنين أو من يفترض أنهم "زملاؤه" على أساس أنه يقدم فنا، سب البيغ "شبع فيه تناخم" حسب أغنيته، ومعذرة على الأسلوب لكنه أسلوبه هو وإيضاحه ضروري من أجل إظهار الابتعاد عن الفنية والإبداعية والسقوط الموحش في المباشرة تلك التي يلجأ إليها من لا موهبة لهم. المشكلة هي أن معاذ وسط كل هذا وجد نفسه في السجن. "لأنه يبيع المارشي نوار واعتدى على شرطي" سيقول رسميون. "لأنه مناضل ديال الحركة وهاد الشي كان موجد ليه" سيقول أصدقاؤه. الأمر لم يغير أي شيء من إبداعية معاذ. هي لم تزدد إن كانت أصلا موجودة، بل نقص منسوبها وأضحى الفتى قادرا فقط على الصراخ. هل نحتاج إلى مزيد من "الغوات" نحن الذين نعيش بين مجموعة من "المغوتين"؟ بالنسبة للبعض نعم، بالنسبة لبعض آخر لا، بالنسبة لمن يبحثون عن قليل فن فقط وسط كل هذا الهراء لا جواب، بل انتقال إلى النموذج الثاني، والسلام… الشيخ صار: تزوجت زغرتو عليا في أغنية من أغانيه التي "يلوحها" أو "يلقيها" أو "يرميها" في اليوتوب، يقول الشيخ سار أو إلياس حسب تسميته الحقيقية "ماكنمركوش، ماكنتقشروش". اعتراف رائع من شاب "ماكيتقشرش" فعلا، و"ماكيمركش"، وفي سبيل الشهرة من الممكن أن يفعل أي شيء: يغني لبنكيران، يختلس الغانغام ستايل، يتزوج ويضع صوره رفقة حرمه على الفيبسوك، يخرج على الناس شاهرا ليس سيفه، ولكن رغبته في منعهم من مشاهدة مباريات كأس العالم من أجل أن يذهبوا معه لأداء صلاة العصر. لحسن الحظ لم يضرب المشاهدون يومها لتلك المباراة العالمية إلياس، ولحسن الحظ ألا أحد في المغرب سيضربه مهما فعل، لأن الكل مقتنع أن هذا الفتى الممثل، المغني، الرابور، الداعية، الواعظ، الباحث عن شغل، العاطل والعامل في الوقت ذاته هو مجرد انعكاس لأزمة رغبة في الظهور حقيقية. مؤخرا أطلق السيخ سار أغنية أو مايمكن أن نطلق عليه تجاوزا وصف أغنية يقول فيها إنه هو المهدي المنتظر. الشاب أراد التعبير عن ضرورة خروج مجايليه من حالة الانتظار القاتلة التي تشل قدراتهم، وأراد إقناعهم بأنه لايجب انتظار أي كان بل يجب الاقتناع بأن الحل يوجد بين أيدي هؤلاء المنتظرين. الفكرة جميلة ورائعة و"زوينة"، لكن التطبيق سيء. صوت الشيخ سار رديء، وجمله الموسيقية أبسط من البساطة ولو مر يوما قرب مغن أو مغنية من أسمائنا الشعبية لعلموه على الأقل العزف على الكمان بالطريقة المغربية، وللقنوه كيفية الانتقال من لحن إلى لحن، وإن كان هو مصرا على أن يلحن في كل شيء فقط لكي يتحدث عنه الناس. لنتذكر أنه وضع صور ليلة دخلته وكاد يصفها للناس في الفيسبوك، حتى خاف القوم الأنترنيتيون من تسجيله ل"سيكس طيب" أو شريط جنسي وإلقائه في وجه الناس استدرارا للمزيد من "اللايكات" التي أصبحت هاجسه اليومي، وهو ليس الوحيد في ذلك على كل حال… التسولي…التسوليزم…البساليزم ! شاب آخر مهووس بعدد اللايكات والجيمات، وبمن يتحدث عنه. إسمه محمد التسولي، كان يمثل في البدء ثم اكتشف أن التمثيل ممكن على العموم في الحياة كلها. عبر 20 فبراير عبورا غير مؤثر كثيرا. لم يقفز إسمه إلى الواجهة الإعلامية خلال الحركة إلا من خلال زيجة سريعة ثم طلاق. أما الأسماء التي طفت على السطح الإعلامي فلم يستطيع منافستها حينها: أسامة الخليفي، رشيد عنتيد، حمزة محفوظ، أحمد مدياني، غزلان بنعمر والبقية… فقط حين هدأت العاصفة، وانتقل الرفاق والإخوان كل إلى همه اليومي بدأ محمد في الاشتغال على وسيلة ما للاشتهار. اكتشف ذات يوم "التسوليزم". اكتشف أنه يمتلك موهبة إضحاك الناس. لم يقلها له أحد. قررها لوحده ومر من القرار إلى التطبيق. لعلها سيئة من سيئات "البارابول" يقول عارفون بشخصية سي محمد، فهو لم يفهم يوما أن باسم يوسف ليس رجلا يأتي قبالة الكاميرا ويبدأ في الحديث، أو يصب على رأسه ماء ويسأل "أين الثروة؟" أو يضع مونتاجا رديئا لنفسه في شكل درة ويجري. لا، باسم ثقافة كبرى موسوعية، وتكوين سياسي ضخم، ضخم للغاية، ضخم أكثر مما يمكن أن يتصور الفتى، ثم فريق عمل مثقف ومكون في نسف الدرجة من التكوين والثقافة. كل هذا يضاف إليه أهم أمر في القصة كلها: مايتوفر عليه باسم فعلا ولم يلتق به يوما سي محمد: الموهبة هنا نصل إلى نقطة التشابه الكاملة بين النماذج الثلاثة التي تملأ الأنترنيت المغربي زعيقا: تعويض غياب الموهبة ب"الصداع"، الضجيج، "الغوات"، الاستفزاز المجاني حد تحويل الأمر إلى "بساليزم" غيز مقبول لا ينجح في انتزاع ابتسامة صغيرة، وينتظر المساس به من أجل الصراخ "واك واك آعباد الله، المخزن يستهدفني". أفضل شيء يمكن أن يقع للثلاثة هو أن يضعوا انعدام الموهبة هذا على بعضه، وأن يجمعوه في قالب واحد، نوع من "الفيزيون"، وأن يروا إن كان قد أنتج بعد الجمع قليلا من الموهبة الفنية الحقيقية. في حالة الاستحالة، وهذا هو المرجح، من الممكن أن يقلدوا سمير غانم وجورج سيدهم والضيف أحمد نجوم ثلاثي أضواء المسرح الذي داعب مسام الضحك فينا ونحن صغار. الفارق الوحيد هو أنكم سيكونون ثلاثيا فقط، لا يعرف غناء ولا يتقن إضحاكا ولا يمتلك موهبة إيصال أي رسالة من الرسائل عكس الثلاثي المصري اللطيف والشهير. مايسة: الزعيمة لكل هذا الهراء من نسينا؟ من نسينا؟ من نسينا؟ نسينا مايسة، لكن مايسة لا تنسى. مايسة يلزمها مقال خاص بها فهي أكبر من الثلاثة، وما تقوله أفدح مما يرتكبونه باستمرار، لذلك انتظرونا على أحداث.أنفو. سنعود لكم بالجديد بخصوصها. هذا وعد أكيد.