أخيرا يلتفت مهرجان موازين إيقاعات العالم، لواحد من جيل الرواد للأغنية المغربية. عبد الواحد التطواني، قد يبدو شيخا من حيث السن يرنو على السبعين، ولكنه مفعم بالشباب والحيوية من حيث العطاء. لا يكف عن الاشتغال، والاجتهاد في صمت وبعيدا عن بهرجة الأضواء، يجر وراءه تجربة تفوق خمسين عاما ، لم ينسلخ فيها عن جلد الفنان العفيف المحب لفنه فقط. أغنية جديدة ذات طابع عاطفي ينكب عليها حاليا مع الفنان محمد الغاوي، لم يحسم في أمر عنوانها بعد، كتبها وأبدع ألحانها. لن تكون طبعا خارجة عن سياق العصر أو ليست ابنة زمانها كلمة وموسيقى َ«سوف نفرغها في قالب موسيقي عصري بما يتناسب مع متطلبات العصر، إذ ستكون ذات إيقاع سريع يلبي طلبات الشباب، ولفنا فيها بين الأصالة والمعاصرة لكن في إطار تمغربيت دون أن ندخل عليه شيئا خديناه من برا غادي تكون قطعة مغربية محضة لن نخرج فيها عن ثوابت النمط المغربي كما يعرفها أهل الفن » يوضح صاحب أغنية «عيونك». ألا يبدو التفكير في إخراج أغنية عصرية الآن تضببعا للوقت وإهدارا للجهد ؟ من يتابع تتبدى له حقيقة أن الأغنية العصرية لم يعد لها ذلك التوهج، وخبت جذوة إنتاجها، وبات يتملك الناس إحساس كما لو أنها ماتت فعلا. آخر أغنية طرحها التطواني «هانسيني». تعود إلى ثلاث سنوات خلت، غاب عليه عنوانها، حينما طرحنا عليه السؤال بخصوصها اكتفى بابتسامته «من قلة الممارسة ولينا تنساو حتى عناوين الأغاني ديالنا» من يتحمل المسؤولية في هذا الوضع هل المغني أو الكاتب أو الملحن أو الآخرون ؟ خلافا لما يصوره الكثيرون أن الأغنية المغربية ماتت، وتوقفت عجلة إنتاجها، يرى صاحب أغنية «نور القمر» أن المحيط العام لا يشجع على مواصلة الإبداع إطلاقا، قد تكتب وتلحن وتغني وتخرج ألبوما متكاملا، وتفاجأ في الأخير ألا أحد يقتنيه أو ينتبه إليه، بل حتى الإذاعة الوطنية تدير ظهرها له، وتكتفي بوضعه على رفوف خزانتها دون إذاعته ليستمع إليه الناس «وفي الأخير تيقولو لك ما بقا إنتاج للي مات مات ولي باقي من الفنانين راه مريض ناعس في دارو حينما تخرج عملا تتحطوا الإذاعة في خزانتها وإذا كان غير صالح علاش خذاتو أصلا»، ويضرب التطواني المثل بألبوم أصدره قبل ثلاث سنوات تضمن ثمان قطع أداها معه البشير عبدو وحياة الإدريسي وأمل عبد القادر ورشيدة طلال، ولم يبث بما يكفي من طرف الإذاعة الوطنية، وشدد على أغنية بعينها لرشيدة طلال «هنا جاي» نظرا لارتباطها بقضية الصحراء، وعدم احتواء الخزانة الإذاعية على أصوات صحراوية نسائية تؤدي بالحسانية. لن يكون مرور عبد الواحد التطواني على الخشبة الجديدة لمهرجان موازين بحدائق الوداية مرورا عاديا، يكتفي فيه باجترار ريبرتواره القديم، بل يخبئ إبداعا موسيقيا أندلسيا، هيأه على نار هادئة، وظل مركونا في ثلاجته إلى أن حان الوقت لإخراجه، هو عمل فني ناتج عن بحث وتنقيب في ثنابا الموسيقى الأندلسية انهمك عليه فترة طويلة،لم يقرر طرحه حتى تبين له أنه استوى ونضج. ماهي إذا طبيعة العمل؟ وكيف تسنى لصاحبه أن يجمع بين ثلاث صنائع من الموسيقى الأندلسية في صنعة واحدة؟ قاد التنقيب عبد الواحد التطواني في خبايا الموسيقى الأندلسية إلى اكتشاف أن ثمة ثلاث صنائع أو ألحان تتوزع على 11 نوبة أندلسية دون أن تكون مرتبة ترتيبا منظما. قام في مرحلة أولى بجمعها، وانبرى على تحليلها الموسيقي تبين له أولا أن كل شعرها لم يمسسه تحريف، و ظل كما هو. ثانيا أن ملحنها شحص واحد لوجود بصمة واحدة تنم على أن صاحبها واحد. ثالثا وهو الأهم، ينم عن الروح الإبداعية لدى عبد الواحد التطواني، بعد ما أضحى مشهد تلك الصنائع واضحا أمامه، أضاف إليها لمسته الخاصة كيف ذلك؟ الشائع في مقام الحجاز بالموسيقى الأندلسية غياب ما يسمى بالربع «لكنني أضفته مع الثمن وأزلت مقام ديال الحجاز لي كان نسائي ويسمى «حجاز ري»، وطوعته بطريقة فنية ليكون مقاما رجاليا ويغدو حجاز صول» يشرح قيدوم الفنانين عبد الواحد التطواني.