يرى عبد الوهاب معلمي أستاذ العلاقات الدولية بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، بأن انهيارنظام القذافي في ليبيا هو نتيجة منطقية وحتمية لمسلسل ثورة انطلقت شرارته في فبراير الماضي ضد نظام مستبد لم يعد بمقدوره الصمود أمام رياح التغيير،وأوضح أن التحدي الكبير المطروح أمام الليبيين اليوم، هو بناء الدولة الحديثة بعد عقود من الفوضى والارتجال، مستبعدا في الوقت ذاته، أن يكون لسقوط القذافي تأثيرا مباشرا على قضية الصحراء المغربية، لكونه ، حسب خبير في العلاقات الدولية لم يعد يدعم البوليساريو منذ أواسط الثمانينيات. * ما رأيك في ما يدور في ليبيا من الإطاحة بنظام القدافي؟ ** ما حدث يوم الأربعاء في ليبيا من إطاحة بنظام القدافي على أيدي ثوار 17 فبراير كان نتيجة منطقية و نهاية حتمية لمسلسل ثورة بدأ في فبراير المنصرم ضد نظام مستبد و متخلف لم يكن في مقدوره أن يصمد أمام رياح التغيير التي هبت على العالم العربي منذ مطلع هذا العام. مثل هذه الأنظمة لا يمكنها أن تصلحح نفسها من الداخل و تتحول إلى أنظمة ديموقراطية. فمثلها في هذا مثل الأنظمة الشمولية، إما أنها تمعن في القمع المصحوب بسياسة الكذب و طمس الحقائق أو تنهار أمام أول تصدع ينتابها. * هل كان منتظرا أن تتم الإطاحة بهذا النظام الذي صمد لأزيد من ستة أشهر خلافا للنظام التونسي والمصري؟ ** سقوط النظام كما قلت كان حتميا و بالتالي منتظرا بمجرد ما انطلقت شرارة الثورة بفعل الربيع العربي و ما تلا ذلك من رد فعل إقليمي و دولي حازم. فالسؤال لم يكن هل بل متى سيسقط النظام؟ على العكس، كان سقوط النظام التونسي مفاجئا، إذ به بدأ الربيع العربي فكان القدوة خاصة بالنسبة لمصر نظرا لتشابه النظامين. و سرعة سقوط النظامين في كل من تونس و مصر مردها إلى موقف الجيش الذي انضم إلى الثورة أمام اتساع رقعتها و مدها الشعبي. أما في ليبيا فنظرا لتركيبة الجيش الخاصة و ربطه بالولاء الأعمى إلى القائد معمر القذافي و ما ينتج عن ذلك من تمييزات بين فصائله و كتائبه و خضوعه لمنطق عشائري و عائلي ضيق جعل أن معظم الكتائب الأكثر ولاء للقذافي و أحسنها تدريبا و تجهيزا تنحاز للنظام منذ البداية و تمارس القمع المفرط لإخماد الانتفاضة، فلم يكن أمام الثوار من خيار إلا التسلح و المقاومة أو الاستسلام. من تم كان طول المدة التي استغرقتها الثورة قبل أن يسقط النظام. و كان من الممكن أن تطول أكثر لولا ضربات الحلف الأطلسي الذي كان تدخله حاسما في إنقاذ الثورة من الموت المحقق. و مع ذلك ما لم يقبض على القذافي و أولاده أو ما لم يغادروا ليبيا فالأمر لن يستتب للثورة بشكل نهائي إلا بعد حين قد يطول أو يقصر حسب المدة التي ستستغرقها الفترة الانتقالية. * تبين بعد انطلاق المظاهرات أن ليبيا لاتتوفر على جيش نظامي وأن القدافي حكم البلاد بنظام القبائل والعشائر، آلن يزيد ذلك من صعوبة تشكل الدولة الحديثة العصرية؟ ** فعلا إن التحدي الكبير أمام الليبيين بعد الإطاحة بالقذافي هو بناء الدولة المنظمة من جديد من إدارة و جيش و قوات أمن و نظام اقتصادي صلب، بعد عقود من الفوضى و الارتجال و الشعارات الفارغة. أما وحدة البلاد فلا أعتقد أنها معرضة لأي خطر لأن التمدن و انصهار القبائل في المدن الساحلية الكبرى يحول دون انقسام البلاد على أساس إقليمي أو عشائري. * هل سيكون للتغيير في ليبيا تأثير على مستوى العلاقات بين دول المنطقة؟ ** بدون شك أن ما حصل في ليبيا سيزيد من حظوظ انخراط المغرب العربي في مسلسل جديد من العلاقات بين أعضائه لأن الحرية و الديموقراطية إن توفرتا تصبح العلاقات بين الدول علاقات بين شعوب تمثلها حكومات شرعية تتمتع بالاحترام المتبادل و تخدم المصالح الحقيقية لشعوبها، و إذا اختارت هذه الشعوب بحرية و ديموقراطية أن تنخرط في مسلسل اندماجي أو وحدوي فسيكون على أسس صلبة بعد تداول و تدارس و تشاور دون خلفيات و لا انتهازية كما كان الحال بين الأنظمة الاستبدادية. و باعتقادي أن تعميم الديموقراطية في المغرب الكبير سيقرب أكثر بين الدول و الشعوب في المنطقة مما سيساعد على بناء الصرح المغاربي. * هل سيكون للتغيير تأثير على قضية الصحراء ؟* ** لا أعتقد أن ما حصل في ليبيا سيكون له تأثير على قضية الصحراء لأن القذافي منذ منتصف الثمانيينات، بعد الوحدة الفاشلة مع المغرب ما بين 1984 و 1986 (الاتحاد العربي الإفريقي)، لم يعد يدعم البوليزاريو بل حاول التدخل لحل هذا النزاع و لم يفلح. أما مسألة امتداد الثورة إلى الجزائر بعدما حصل في ليبيا فلدي شكوك قي ذلك، لسبب بسيط و هو أن الجزائر عرفت تحولات و أحداث متتالية منذ النصف الثاني من الثمانينيات و خاصة الحرب الأهلية خلال التسعينيات، و لم تطرح فيها مسألة توريث الحكم، و لئن كان تغيير الدستور لتمكين بوتفليقة من ولاية ثالثة يقترب من الرئاسة مدى الحياة و يشكل بالتالي إحدى عوامل ثورات الربيع العربي. إن التغيير في الجزائر آت لا محالة و لكن لن يكون في شكل ثورة، بل تحت تأثير المجتمع المدني و في شكل احتجاجات و انتفاضات محدودة و لكن مسترسلة. أجرى الحوار: رضوان البلدي