أثناء توشيح جلالة الملك للمتفوقات من بنات بلدي، و وقوفه مصفقا مشجعا فخورا بالأنثى المغربية، قفزت لشاشة ذهني بعض تعليقات أتباع الحزب الحاكم حين تم تجنيدهم للدفاع عن رئيسهم بنكيران، يوم دعى الى أن تلزم نساء المغرب بيوتهن المظلمة. و قبل الرجوع لجهل التعاليق الطافح و غباءها السايح، تساءلت مع نفسي، كيف لبلد مثل المغرب ، ما ان يفتح باب العلم أمام اناثه الا و تراهن و قد أبلين البلاء الحسن، أن يكون له رئيس حكومة، برنامجه الحقيقي هو ارجاعهن للبيوت، بعد جهدهن المضني، بل و جهد الدولة أيضا، و التي تصرف على التعليم ربع ميزانيتها. في السنة الماضية كان من ضمن العشرين الأوائل في معدلات الباكلوريا، ثمانية عشر بنتا و ولدين. أظن أن الذكور هم من عليهم التفكير في لزوم البيت و الاختباء خجلا، هكذا جاء رد أختي على النتائج. تم فكرت و خمنت و تخيلت حوار بنكيران مع مديرة البنك الدولي، خصوصا عندما تسأله عن مصير الملايير التي تتسولها حكومته الربانية باسمنا، تغطية على فشلها الذريع في خلق الثروة، أو جني الضرائب المستحقة ممن عفا عنهم من تعرفون. ستقول له مديرة البنك الدولي، كيف هو حال نساء المغرب ? و سيجيبها بقهقهاته العجيبة، أنه تسائل للتو عن الرايب البلدي، و عن امكانية تعويض الملاوي للخبز، و ضرورة لزوم النساء البيوت حتى يقمن بهذه المهام أحسن قيام. و سيضيف أن هذا هو الهدف من اطلاق وصف الثريات على نصف المجتمع، تماما كما تزين لمن ينظف المجاري عمله بالقول، انه يقوم بعمل بطولي لا يقدر عليه أحد سواه، الطنز العكري بكل اختصار.. المليشيات الالكترونية للحزب الحاكم أخدتها العزة بالاثم و بدأت تبرر قول كبيرها، بدعوى أن ذلك هو موقف السلف الصالح، و حتى نفتح أعيننا على التربية و التكوين الفكري الذي سهر عليه بنكيران و صحبه، فأصبح لدينا شباب يعيش القرن الواحد و العشرين، و لكن تصوره للمجتمع لم يبرح القرن السابع، اليكم بعض النماذج.. يقول أحدهم منافحا، ان عليا رضي الله عنه قال : يامَعَاشِرَ النَّاسِ، إِنَّ النِّسَاءَ نَوَاقِصُ الاْيمَانِ، نَوَاقِصُ الْحُظُوظِ، نَوَاقِصُ الْعُقُولِ: فَأَمَّا نُقْصَانُ إِيمَانِهِنَّ فَقُعُودُهُنَّ عَنِ الصَّلاةِ وَالصِّيَامِ فِي أَيَّامِ حَيْضِهِنَّ، وَأَمَّا نُقْصَانُ عُقُولِهِنَّ فَشَهَادَةُ امْرَأَتَيْنِ مِنْهُنّ كَشَهَادَةِ الرَّجُلِ الْوَاحِدِ، وَأَمَّا نُقْصَانُ حُظُوظِهِنَّ فَمَوَارِيثُهُنَّ عَلَى الاْنْصَافِ مِنْ مَوارِيثِ الرِّجَالِ; فَاتَّقُوا شِرَارَ النِّسَاءِ، وَكُونُوا مِنْ خِيَارِهِنَّ عَلَى حَذَر، وَلاَتُطِيعُوهُنَّ فِي المَعْرُوفِ حَتَّى لاَ يَطْمَعْنَ فِي المُنكَرِ. و يقول اخر : عن أبى هريرة قال: قال رسول الله ص: يقطع الصلاة المرأة والحمار والكلب، ويقي ذلك مثل مؤخرة الرحل» صحيح البخاري. و يقول ثالث : عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال المرأة كالضلع إن أقمتها كسرتها وإن استمتعت بها استمتعت بها وفيها عوج. تصوروا معي أننا في القرن الواحد و العشرين، و مازال بيننا من يقرن المرأة بالكلب و الحمار والنجاسة و الدابة و المتاع.. مازال بيننا من يفتخر أن الاسلام حرم على النساء مناصب القضاء و الحكم و السفر بمفردها و الاجتماع بغيرها و حجب صوتها العورة.. مازال يفتخر أن الاسلام لم يحرم اقتناء الجواري كما يقتنى العبيد، و لم يقبل شهادتها الا مقرونة بأخرى.. مازال يرى المرأة مجرد أرض للحرث، حيوان للاخصاب و الانجاب، قطعة أثاث لا تخرج من البيت الا لبيت اخر أو الى المقبرة، تقبل في صورة شيطان، و مركوبة كأي ناقة أو جمل.. رجعت بذهني لحوار بنكيران مع مديرة البنك الدولي، و تصورته و هو يحاول أن يشرح لها خطته العبقرية في محاربة البطالة التي يكتوي بها مغاربة كثر ، نساؤهم قبل رجالهم و أكثر. خطة بنكيران بسيطة للغاية، لمحاربة البطالة، يجب أن ترجع النساء للبيوت، و بذلك سيتمكن الذكور من أخد مناصب الاناث، و ستنتفي البطالة !! ياله من تفكير اسلامي تقدمي بهيج !! التيار الذي ينتمي اليه بنكيران، و هو تيار الاخوان، كان يقدم هذا الحل منذ عقود، و هذا ليس سرا، هو فقط فضيحة معرفية حقيقية. مقياس البطالة يا رئيس الحكومة، هو مقياس عالمي يهم الرجال و النساء على قدم المساواة، و اذا كانت هناك بطالة مرتفعة في المغرب، فليس لأن نساء المغرب يعملن في وظائف أكثر من الرجال، فهذا غير صحيح، و لكن لأن العكس هو الحاصل، حكومة فاشلة يريد رئيسها من خمسة و عشرين بالمائة من القوة العاملة النسائية أن يتركن مناصبهن للذكور، و اللحاق بالخمسة و السبعين بالمائة من القوة النسائية المعطلة ببلادنا. اذا كانت هناك نسبة بطالة مرتفعة، فلأن الحكومة عاجزة عن توفير مناصب جديدة بالقدر المطلوب، و تريد أن تحل المشكل على ظهر الحلقة الضعيفة و هي النساء، تماما كما يراد حل مشكل المقاصة على ظهر المستهلك البسيط الفقير المعدم، انها الحلول السهلة المغلفة بخطاب ديني بئيس يرجع لقرون مضت. ثم لماذا نشبه المرأة بالثريا، هل يمكن لنا أن نفتخر بشئ رجله في السقف و رأسه في اتجاه الأرض ?!! ما هذا الذوق ?!! و هل يمكن للثريا أن تضئ بدون كهرباء ? فلم الزيادات الجديدة في الكهرباء اذن، اذا كان رئيس الحكومة يحب الثريات ? هل هو تشجيع لهن ليظهرن بكامل ألقهن ? أم بالعكس من ذلك تماما، اطفاء لهن كي لا تاتي الفاتورة ملتهبة ?!! رئيس حكومة غريب فعلا !! كنت أود أن يبدي تعاطفه مع ربات البيوت الموجودات، قبل أن يدعو أخريات لنفس المصير، تصوروا معي لو أبلغ الرأي العام، عوض تنظيره الفارغ، بأنه سيخصص راتبا لكل ربة بيت، مادام أنه مقتنع أن ما تقوم به هو عمل أيضا. و سيكون هذا الراتب متناسبا مع عدد الأبناء، و مع المستوى الدراسي للأم، و مع مهاراتها و امكاناتها و تكوينها، و يمكن أن يدخل في المعايير مثلا مسألة الرايب و الملاوي التي تؤرقه و تقض مضجعه و تحرمه من النوم !! كان بامكانه أيضا، علما أن الحمل و الوضع و الرضاعة تتطلب وقتا للنساء اللواتي لا يملك أزواجهن راتب رئيس الحكومة، أن يبشر المجتمع بأنه قرر اضافة اسبوعين أو ثلاثة الى عطلة الوضع، و أنه سيزيد من ساعة الرضاعة و التي تعد استهزاءا بالأم المرضعة خصوصا مع عدم وجود أماكن للتكفل بالرضع قرب محل العمل، و أن الدولة ستتكفل بالأطفال عبر بناء سلسلة من دور الحضانة، تخفيفا عن كاهل النساء اللواتي يحبهن بنكيران.. لكن حب بنكيران، حب مشروط، و شرطه تخلي النساء عن أعمالهن و وظائفهن و مناصبهن.. أنا شخصيا لست ضد أن تختار المرأة بيتها اذا كان ذلك ممكنا و عن وعي و طيب خاطر و بضمانات، لكن وجب الاعتراف بأن ربع الأسر في المغرب تعيلها نساء، اذا لزمن البيت نزولا عند رغبة بنكيران الملحة، فهذا يعني أنه ما لا يقل عن ستة ملايين مغربي مهددون بالمجاعة و التشرد و الخروج من المدارس و من المنازل المكتراة و من الشقق التي لم تكتمل بعد أقساطها الشهرية.. و يعني أن فاتورة الماء و الكهرباء لن تغير عنوانها و تنزل معززة في بيت بنكيران، و الله ما يعقل عليك !! و يعني أن الديون لن تستخلص، خصوصا ديون بقال الحي المناضل، و الذي ينفع الأسر المغربية أكثر مما ينفعها رئيس الحكومة. و يعني أن كسوة العيد لن تدخل هذا العام و لا الأعوام التي ستلي الجلوس في البيت، و أن مصاريف دواء الجدة أو الأبناء لن تتوفر، و أن الأكل و الشراب و الفسح و القهوة التي يستخلصها الأخ العاطل من أخته الموظفة أو العاملة، لن يكونوا في الموعد.. بنكيران يعيش مع الثريات في الأحلام، بعيدا عن الواقع، فالقول بأن الأبناء تتم تربيتهم أحسن لأن الأم مركونة في البيت، قول عبيط.. و لا يعتمد على أي دراسة علمية، لأن الواقع يقول أن أكثر المجرمين لهم أمهات في البيت، ثريات مطفيات، ثريات لا تنير من فرط الجهل و الأمية و الفقر المادي و الفكري.. و بالعكس، أمهاتنا المتعلمات رفعن رصيدنا المعرفي، و تعلمنا منهن احترام النساء، من غير محاضرات، بل فقط بالملاحظة، فقد كن مثلنا الأعلى. عندما أتذكر كيف كان جدي يعامل أمي، و قد كان اماما، و كيف شجعها على التحصيل و كيف احترم حريتها في اختيار مسارها و زوجها و طريقة عيشها، ثم أسمع بنكيران سنوات بعد ذلك، أتيقن أن الأمر لا علاقة له بالدين، بل من أين أتيت بدينك، هل من المنابع الصافية، فكيفته و جعلته ملائما لعصرك و شعبك و جغرافيتك، أو من كراسات الاخوان و كتب مشايخ البدو. المسألة مسألة كيف تفهم الدين ? و كيف تستعمله ? هل توظفه في الرقي ? أم تتوسل به لاعادة انتاج مظاهر التخلف ? جدي الامام قال قولة حاجج بها سائلا أمامي، لن أنساها ما حييت.. كان السائل يلوم جدي على الحرية الزائدة حسب قوله، و التي تتمتع بها بناته كما أبناؤه، و أن هذا لا يليق بحافظ لكتاب الله، فأجابه جدي أن حرية الاختيار حق أصيل، و ليس لنا أن نكره الناس، بل ندعوهم و ننصحهم.. فانتفض السائل قائلا أن الاسلام ضمن حقوق المرأة و أنها قبله كانت تدفن حية، فرد عليه جدي قائلا : فأما كون الاسلام قد أعطى حقوقا للنساء لم يسبق لدين اخر أن وفرها، فصحيح.. لكن النساء قبل نزول الوحي على سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم، كانت فيهن الموؤودة فقط في مناطق، و ليس في كل العالم، و لا يمكنك أن تقنع مغربي بالحقوق التي اتى بها الاسلام للنساء بهكذا مثال.. لأنه في الوقت الذي كانت ولادة الأنثى عارا و سبة في زمن الوحي و في منطقة الوحي، كانت ولادة الأنثى في المغرب فأل خير و بركة على الأسرة بأكملها، و كانت نساء المغرب ملكات و أميرات و قائدات جيوش، كما كن كبيرات العائلة، الرأي رأيهن و الشورى معهن.. أدركت حينئد أن فهم الاسلام رهين بالعقل، لا بالنقل.. للأسف أن هناك لحد الان من يريد أن ينقل لنا نماذج اليمن و باكستان و نماذج الاخوان في كل مكان، أي خليط من البداوة و فكر القبيلة العربية في المشرق، و تأويل متخلف منحط للدين قامت به عقول متخلفة منحطة على اليقين.. من تبريرات الميليشيات الالكترونية التابعة للحزب الحاكم، كما المتعاطفين معه، كون الحزب له نساء في البرلمان و بين أعضائه، الخ الخ الخ الخ.. و بالتالي فلا يمكن نعته بالمعادي للنساء.. الحقيقة.. أن المسألة فيها نظر.. فعندما يتكفل ذكور بتربية اناث على فكر ذكوري، يصبح تقديم النساء لفكر الرجال حجة ضد النساء، و هنا تدخل متلازمة استوكهولم على الخط، و تجد أكثر النساء المنتميات لتنظيم الاخوان، أو ما شابهه من فرق، حاملات لفكر هو في العمق ضدهن، لكنهن سعيدات به، تماما كالعبد الذي لا يجد معنى لحياته دون سيده، و الذي يفتح مظلته اذا أمطرت حرية، هذا اذا لم يفتح فمه لسبك لأنك تدعو لحريته، و قد يفتح بطنك أذا ما تماديت في فضح نصبه باسم الدين، كما حصل لكثير من المفكرين و المناضلين.. نساء يناضلن ضد النضال و ضد المناضلات، و يبلعن ألسنتهن حين يتحدث كبيرهن، لكنهن و فيهن المهندسات و المعلمات و الطبيبات و الأستاذات كما الوزيرات، لا يجدن غضاضة في ترك بيوتهن في الظلام، و لن يستطيع بنكيران ارجاعهن لوظيفتهن الأصلية المقترحة على غيرهن، في مشهد سوريالي عز نظيره و قل مثيله.. فمتى يقرن الأخ بنكيران القول بالفعل و يبدأ من نساء قبيلته الحزبية، فيعطي المثل، و تكون نساء حركته قدوة، فتتخلى الموظفات و العاملات منهن عن رزقهن، و يقعدن في المنزل لرعاية العش المسلم? و متى يأمر الأخ بنكيران، الأخت بسيمة، بلزوم بيتها المظلم ?