بدت قاعة المحكمة هادئة صبيحة أمس الخميس، قلة من المحامين والحضور رابطوا أمام القاعة رقم 8 حيث اعتاد القاضي علي الطرشي رئيس غرفة الجنائية الأولى بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء أن يبث في الملفات الحساسة المعروضة عليه والتي تسلمها مباشرة بعد تعيين زميله مصطفى فارس كوكيل عام للملك وبعدها رئيسا المجلس الأعلى. طال الأنتظار للحظات قبل أن تدخل هيئة المحكمة، ليبدأ القاضي في المناداة على المتهمين الثمانية والعشرين الواحد بعد الآخر، لكنه فوجئ بتغيب كثير منهم، ليعلن عن تأجيل الملف إلى جلسة الشهر المقبل. «وأخيرا ملف «لاسنسيس» أمام القضاء» هكذا علق أحد المحامين. فالمتهمون في ملف الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي، لن ينعموا بطعم نسيان تهمهم التي مر عليها حوالي سبع سنوات، بعد ماراطون من التعقيدات والتأجيلات التي عرفها في مرحلة التحقيق، والذي شكل الرهان على فتحه، أحد مؤشرات الرغبة في تفعيل مقتضيات دولة الحق والقانون، بعد الموافقة على الدستور الجديد. رغم سنوات الضياع التي مر منها الملف، فإن رمضان هذا العام، له طعم آخر بالنسبة لهم، فصبيحة أمس مثل بعض منهم أمام هيئة غرفة الجنايات الابتدائية. أبرز الرؤوس من بين 28 متهما تغيبوا لربما لم يتوصلوا بالإستدعاء للحضور أو لأنهم لم يشأوا أن يعكروا صفو أولى أيام رمضانهم، لكن القاضي علي الطرشي عاود توجيه الإستدعاء إليهم جميعا من أجل الحضور إلى جلسة الثالث عشر من الشهر المقبل وخاصة مدراء البنك السابقين منن بينهم رفيق الحداوي وامحمد العلج ومنير الشرايبي، والكتاب العامين ومن بينهم عبد المغيث السليماني، صهر وزير الداخلية السابق إدريس البصري وحسن مهاجر، الذي شغل مهمة كاتب عام ومفتش عام، والجابوري المدير المالي وأحمد الخياطي وإدريس عواد آخرين. لم يحضر أبرز المتهمين وهم كل من رفيق الحداوي المدير السابق للصندوق وأيضا عبد المغيت السليماني الكاتب العام السابق للصندوق ورئيس الجماعة الحضرية للضخور السوداء و والمجموعة الحضرية للدار البيضاء والمدان في ملف مشروع أولا زيان الفورات بالسجن قبل أن يستفيد من عفو ملكي، وهاهو يعود من جديد إلى المحكمة في ملف جديد، وأفلت كأغلب المتهمين من رتابة جلسات شهر الصيام، لكنهم سيعودون من جديد في بداية الموسم القضائي لتنطلق الجلسات الماراطونية لمحاكمتهم لارتكابهم جناية المساهمة في تبديد أموال عامة طبقا للفصلين 241 و 128 من القانون الجنائي، كما وردفي صك الإتهام. حين فتح ملف الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي منذ أزيد من عشر سنوات، اعتبر أهم قضية نهب المال العام في العهد القديم، وشكلت الأرقام المنهوبة خلال أكثر من ثلاثين سنة من التدبير والتي تجاوزت 115 مليار درهم صدمة ، منها 47,7 مليار درهم مجموع الأموال التي صرفها الصندوق من دون حق من خلال «اختلاسات» و«صفقات مشبوهة»، حسب ما توصلت إليه لجنة التقصي. وكانت لجنة التقصي واضحة في استنتاجاتها حيث حملت المسؤولية للمدراء العامين الذين تعاقبوا على رأس إدارة الصندوق وهم: محمد كورجا (1971 1972) وامحمد لعلج (1992 1995) ورفيق الحداوي (1995 2001) ومنير الشرايبي (2001). وجزمت اللجنة بأن الوثائق التي اطلعت عليها أكدت بالبث، أن الكتاب العامين الذين تناوبوا على إدارة الصندوق يتحملون قسطا وافرا من المسؤولية بالنظر إلى أنهم كانوا يتمتعون بتفويض كامل، إلى جانب رؤساء المصالح وبعض الشركات المتعاقدة مع الصندوق عبر صفقات وصفت ب”المشبوهة”، ومنها شركات كانت مكلفة ببناء المصحات والوحدات الاجتماعية التي كانت تستغل كواجهة للتغطية على الأموال المنهوبة. اليوم وبعد مرور كل هذه السنين وتوصل القاضي سرحان بأكوام الملف بعد أن استمع إلى حوالي 40 شخصا وردت أسماؤهم في تقرير لجنة تقصي الحقائق، وأمر بإغلاق الحدود والحجز على ممتلكات أبرز المتهمين وممتلكات زوجاتهم وأبنائهم، خصوصا الأشخاص الذين عجزوا عن تبرير مصادر ثرواتهم، وجب تحديد مصير هذا الملف الذي ستكون مسارات الحسم فيه، وبعد سنوات من شد وجذب بين القاضي ومجلس المستشارين الذي رفض لسنوات في عهد الراحل مصطفى عكاشة تسليم وثائقه لقاضي التحقيق قبل أن يفرج عنها في عهد الشيخ محمد بيد الله. إشارات واضحة لمن لا زالوا يترددون في الإيمان بأن المغرب يتغير، وهي اختبار كذلك لاستقلالية القضاء، في تثبيت العدالة بلا هوادة، ورد صريح لمن يرفعون شعارات محاربة الفساد، للتستر على نيات أخرى.،. أوسي موح لحسن حصر تقرير لجنة تقصي الحقائق البرلمانية حجم «الأموال المُبذّرة في الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي، التي صُرفت أو ضاعت بدون حق أو سند قانوني، ب 47.7 مليار درهم». وأرجع التقرير سبب تبديد هذه الأموال إلى ذلك إلى «سوء التسيير والتبذير والاختلالات والاختلاسات المباشرة وغير المباشرة التي تعرضت لها مالية المؤسسة وممتلكاتها». وأكد التقرير على أنه «لو قام الصندوق بواجبه وحافظ على هذه الأموال التي حصل عليها أو كان عليه تحصيلها، ووضعها كودائع لدى صندوق الإيداع والتدبير، بسعر فائدة طبيعي، أو بسعر سندات الخزينة المتداول في السوق، لوفر أيضا 67.7 مليار درهم»، وقال «إذا احتسبنا ذلك فمجموع الضرر المالي سيصبح أكثر من 115 مليار درهم وذلك منذ سنة 1972 ».