لم يكن أفراد أسرة رشيد نيني، مدير نشر «المساء»، يعلمون أنه سيتم إحضاره إلى المحكمة الابتدائية في عين السبع أول أمس، إذ فوجئوا وهم في زيارة له، بأنه سيتم نقله إلى السجن لحضور جلسة ستعقد في المحكمة المذكورة. جرت اتصالات بدفاعه، الذي لم يُخبَر بدوره بهذا الإجراء، لأن مواصلة مناقشة الملف حدد لها يوم الثلاثاء المقبل، أما موعد أول أمس فقد كان مخصصا للبت في طلب عارض لا يستوجب حضور نيني ولا دفاعه، كما أكد عضو من هيئة دفاعه ل«المساء». أحضر رشيد ببذلته الرياضية إلى المحكمة، وهو ما يؤشر على أنه تم استقدامه على عجل ودون سابق إشعار... في حدود الثانية عشرة زوالا من أول أمس، حركة عادية داخل المحكمة، غير أن رجلا طويل القامة ويبدو أنه تجاوز سن الستين وجه أوامر لرجال الأمن بأن يُزيلوا الحواجز الحديدية التي كانت تُطوّق قاعة الجلسات رقم «8»، التي تجري فيها محاكمة رشيد نيني، فتمت إزالة الحواجز التي وُضِعت حول القاعة منذ انطلاق أولى جلسات محاكمة رشيد نيني يوم ثاني ماي الجاري، وكان لا يُسمَح باجتيازها سواء بالنسبة لهيئة الدفاع أو للقادمين لمتابعة الجلسة، سواء كانوا صحافيين أو ممثلي بعض الهيآت الحقوقية أو فنانين أو من أسرة نيني، إلا عندما يحين وقت الجلسة وبعد الإدلاء بالهوية كإجراء ينسحب على الجميع باستثناء المحامين، إذ يتم الإلحاح على ضرورة ألا يدخل إلا الصحافيون وأفراد أسرة نيني، وهو ما جعل الدفاع يتدخل، في كل مرة، من أجل إدخال عدد من المنتمين إلى أسرة «المساء». وكالعادة، عُقِدت جلسات أخرى داخل قاعة الجلسات رقم «8»، فتم إحضار متهمين شبابا، وبسرعة، تم الاستماع إليهم وإلى ذويهم، لتصدر أحكام في حقهم. عندما انتهت آخر جلسة، تم إخراج المتابَعين من القاعة في انتظار الساعة الثانية بعد الزوال، وهو الوقت المحدد لانعقاد جلسة رشيد نيني. رئيس المحكمة الابتدائية يتجول داخل بهو المحكمة ويدعو كل الذين قدِموا للحضور محاكمة رشيد نيني إلى الابتعاد عن القاعة، حتى تجري التنظيمات ويتم تحديد من يلج القاعة. لم يكتفِ الرئيس بذلك، بل خاض في أحاديث جانبية مع بعض العاملين في «المساء»، الذين أثاروا معه ضيق القاعة المخصصة للمحاكمة، ليرد بأنه ليس هو المسؤول عن توفير القاعة وأنه إذا توفرت قاعة «مناسِبة» في محكمة أخرى فلا مانع لديه، ليتابع بالقول: «ولكنْ، أنا نقدرشْ، ما يبغيش وكيل الملك يْمشي ليّا لمحكمة أخرى».. ويواصل شرح رأيه قائلا: «أعتقد أن هذه القاعة مناسبة، وحسب رأيي، فيمكن أن يحضر بعض المحامين الذين لهم خبرة ليرافعوا في الملف، وباقي المحامين يسجلون مؤازرتهم ولا داعي لحضورهم»... لم يكتف رئيس المحكمة بالحديث عن القاعة، بل تحدث عن رأيه في الطريقة التي يُدبَّر بها الدفاع الملف، إذ قال: «بالنسبة إلينا، يمكن أن يُبَت في الملف في يوم واحد ويمكن للدفاع أن يستأنف طلب السراح المؤقت، وينبغي للدفاع أن يفكر في أن «السيد» (يقصد رشيد نيني) يوجد في السجن لا أن يظل منشغلا بالبحث عن قاعة مناسبة وأن يقول إنه يحتاج إلى قاعة شاسعة، حتى لا يختنق». رئيس المحكمة وأمريكا قبيل انعقاد الجلسة، دخل الدفاع والمتتبعون لمحاكمة رشيد نيني، فتدخل رئيس المحكمة في تنظيمها، إذ قال: «بسبب داكشي اللّي كتبتو أنا جيت ننظم القاعة»، وهو ما جعل أحد الحاضرين يسأله: «لماذا لم تحضر خلال الجلسات السابقة التي كانت خلالها القاعة مكتظة بالمحامين؟ ولماذا اختيار جلسة لم يتم فيها إخبار دفاع رشيد نيني بأنه سيتم إحضاره؟». أمر رئيس المحكمة رجال الأمن بأن يجعلوا الحاضرين يتركون عددا من المقاعد الأمامية فارغة، وعندما دخلت إحدى الصحافيات جلست في مقعد يخصص عادة للحضور في باقي الجلسات، فطلب منها أحد رجال الأمن العودة إلى الخلف فرفضت، ما دامت المقاعد فارغة، فنادى رجل الأمن على رئيس المحكمة، الذي أمرها أن تترك المقعد، لكنها عادت إلى مقعد آخر، وقالت له: «لماذا في قضايا أخرى يخصص رجال الأمن مقعدا من المقاعد الأولى للصحافيين، وفي هذا الملف يطلب منهم الجلوس في المقاعد الخلفية؟»، فرد رئيس المحكمة بالقول: «لا يوجد في القانون ما يجعلني أخصص للصحافيين مكانا، وقيل لي إن المحامين لا يجدون مكانا للجلوس وقد حضرتُ لأنظّم القاعة». بعد أخذ ورد بين الصحافية ورئيس المحكمة، قال الأخير إنه سيترك الجميع يجلسون في المقاعد الأمامية إذا لم يشغلها الدفاع، وهذا ما وقع، فعلا، قبيل انعقاد الجلسة بدقائق. لم ينته الأمر عند هذا الحد، بل دخل رئيس المحكمة أيضا في مشادة كلامية مع واحد ممن قدموا لمتابعة الجلسة، إذ قال له الرئيس: «علاش جيتي؟ الناس اللّي في أمريكا ما مْساليينش، كيْمشيوْ يْخدمو»، فرد عليه بالقول: «حضرتُ لأن هناك ظلما وأنتم اعتقلتموه لذلك أتيتُ لأتضامن معه»، فانتفض رئيس المحكمة قائلا: «لستُ أنا من اعتقله»!. وظل رئيس المحكمة كلما تحدث مع واحد من الحضور يشير إلى عدد المحامين الكبير، إذ قال: «بحالو بحال عباد الله، علاش 600 محامي وعلاش الناس الآخرين ما كيجيش ليهومم هاد العدد؟». ولم يكُفَّ رئيس المحكمة عن تقديم فرنسا وأمريكا كمثال متميز في تنظيم الجلسات، موضحا أنه لا يمكن لأي مواطن أن يلج قصر العدالة إذا لم يكن معنيا بالملف وأن قاعة الجلسات في أمريكا يكون فيها فقط المتهم ودفاعه، الذي يكون، في الغالب، محاميا واحدا، غير أن أحد الصحافيين رد عليه بالقول: «في أمريكا ما كيعتاقْلوشْ الصحافيينْ»!... أجور العمال في حدود الثانية بعد الزوال وبضع دقائق، افتتح القاضي الجلسة وتم إحضار رشيد نيني وهو يرتدي بذلة رياضية. تلا القاضي حسن جابر قرار المحكمة، القاضي برفض ملتمس الدفاع بعدم وقوف مدير نشر جريدة «المساء» في قفص الاتهام في قاعة المحكمة أثناء سير الجلسة. وقد علل ذلك بأن الطلب لا يستند إلى أي أساس قانوني وبأن المشرع المغربي عرّف «قفص الاتهام» بكونه «المكان المخصص للمتهم»، وبالتالي لا يؤثر على قرينة البراءة ولا يحط من كرامة المتهم، ويحق للمتهم تنصيب من يدافع عنه. واعتبر عضو هيئة دفاع رشيد قرار القاضي يخالف المادة الأولى من قانون المسطرة الجنائية، التي تؤكد «إن الأصل هو البراءة، وبالتالي يُفترَض أن يمثُل رشيد نيني خارج قفص الاتهام». بعد إعلان القاضي عن رفض ملتمس الدفاع، أشار نيني إلى الطلب الذي وجهه دفاعه، مصطفى الرميد، والذي يتعلق بتفويض المعاملات المالية والإشراف الإداري على شركة «الوسيط» لشقيقه عمر نيني، فأكد أحد المحامين أن مثل هذا القرار له طبيعة استعجالية، لأنه يتوقف على صرف أجور العمال الذين ينتظرون ذلك، غير أن القاضي قرر تأجيل البت في الطلب إلى يوم 17 ماي. واعتبر القاضي حسن جابر أن الجلسة منعقدة وأنه يمكن للدفاع أن يتقدم بأي ملتمسات أخرى، غير أن أحد المحامين أكد أن اليوم مخصص فقط للبت في ملتمس الدفاع، القاضي بعدم مثول رشيد نيني داخل قفص الاتهام بعدما اعتبره الدفاع غير قانوني ويتناقض مع قرينة البراءة. كما عتبر دفاع رشيد نيني إحضار الأخير إلى الجلسة دون إخبار دفاعه واعتبار القاضي أنه يمكن للدفاع أن يتقدم بأي ملتمسات أو دفوعات بمثابة ارتباك في تدبير الملف. وعندما انتهت مجريات الجلسة، وعلى غير العادة، لم يرفع القاضي الجلسة إلا بعد مغادرة رشيد نيني القاعة «8» رفقة رجال الأمن في اتجاه سجن «عكاشة» في الدارالبيضاء.