كانت كل من سناء ومريم تطمح بعد حصولها على شهادة الباكالوريا إلى متابعة دراستها خارج أرض الوطن، غير أن رغبتهما تلك ستصطدم برفض والديهما، ليستبد اليأس والإحباط بالفتاتين، بعد أن وجدتا نفسيهما في آخر لحظة مرغمتين على التخلي عن أحلامهما، وإعادة النظر في توجهاتهما الدراسية التي اختارتاها في وقت سابق عن اقتناع. »ما عندك ما ديري بشي قراية برا.. التخصصات كلها موجودة هنا»، عبارة جاءت على لسان والدها، وكانت بمثابة صفعة قوية تلقتها سناء وهي تزف له خبر قبول طلب التسجيل القبلي الذي تقدمت به لإحدى الجامعات الفرنسية، لتستيقظ من أحلامها الوردية، وعصفت بطموحها في النجاح والتفوق في المجال الذي اختارت التخصص فيه خارج أرض الوطن. طريق مسدود كانت سناء ذات الثامنة عشر ربيعا تطمح إلى دراسة الصيدلة بفرنسا، ما جعلها تتفانى في القيام بواجباتها المدرسية، وتستميت في حفظ دروسها، كي تضمن بقاءها ضمن صفوف المتفوقين، والحصول على أعلى الدرجات التي تؤهلها لبلوغ هدفها. حرصت سناء قبل أن تجتاز امتحانات الباكالوريا بشهور عديدة على مراسلة الجامعة التي كانت تمني نفسها بالالتحاق بمقاعدها، لكنها في الوقت ذاته لم تفوت فرصة الترشح لعدد من المباريات الوطنية التي ستؤهلها في حال تمكنت من اجتيازها للالتحاق بأحد المعاهد العليا. حالة من السعادة انتابت سناء بمجرد أن تم الإعلان عن نتائج الباكالوريا وعلمت بأنها حصلت على الدرجات التي كانت تنشدها، بحيث شعرت بأنها أصبحت قريبة من الوصول إلى هدفها الذي لم يعد يفصلها عنه سوى أسابيع قليلة. لم يكن موقف والدها من رغبتها في السفر إلى الخارج من أجل الدراسة موقفا واضحا بالنسبة إلى سناء، فهو لم يعبر لها يوما عن رفضه لفكرة سفرها إلى الخارج من أجل الدراسة، ما جعلها تسرح بخيالها بعيدا، وتبدأ بمفردها في رسم معالم مستقبلها، والحياة الجديدة التي ستعيشها بعيدا عن بيت أسرتها. انهارت كل المشاريع المستقبلية التي شيدتها سناء في مخيلتها، بمجرد أن أخبرها والدها برفضه فكرة سفرها بمفردها إلى الديار الفرنسية، والعيش بعيدا عن أحضان أسرتها داخل مجتمع يتعارض نمط حياة أفراده مع العادات والتقاليد التي تربت عليها في وطنها الأم وفي كنف أسرتها المحافظة. والد سناء ذو المستوى الدراسي المتواضع الذي يدير مجموعة من المحلات التجارية التي ورثها عن والده، كان يخشى على ابنته من أن تسيء استغلال هامش الحرية الكبير الذي سوف تتمتع به بعيدا عن أنظاره، وهو الذي اعتاد التدخل في كل كببرة وصغيرة، ما دام الأمر يتعلق بتفاصيل حياة الإبنة الوحيدة التي رزق بها بعد ثلاثة أبناء ذكور. لم تفقد سناء الأمل، وراهنت على مساعدة أمها في إقناع والدها بضرورة السماح لها بالسفر من أجل الدراسة، لكن سرعان ما استبد بها اليأس أمام تعنت والدها وإصراره على رفض تلك الفكرة. سيطر اليأس والحزن على سناء التي شعرت بأن المجهودات التي بذلتها من أجل النجاح في دراستها في سبيل تحقيق حلمها لم تثمر عن أي شيء، خاصة بعد أن وصل الحوار بينها وبين والدها إلى طريق مسدود. خيبة أمل بوجه تعلوه علامات السعادة والتفاؤل، نقلت مريم إلى والديها يوم الإعلان عن نتائج امتحانات الباكالوريا خبر اجتيازها بتفوق لتلك العقبة الصعبة، لكنها لم تتصور للحظة أن والدها سيقف حجر عثرة في طريقها نحو تحقيق طموحها بدراسة الفنون الجميلة بإحدى الجامعات الأوربية. كانت الدراسة في الخارج حافزا لمريم من أجل النجاح والتفوق في دراستها، بحيث كانت خلال استعدادها للامتحانات تقضي ساعات طويلة سجينة داخل غرفتها بين أربعة جدران من أجل حفظ دروسها، غير أنها ستشعر أن كل مجهوداتها تلك تبخرت بمجرد أن عبر لها والدها عن رفضه فكرة متابعتها لدراستها خارج أرض الوطن. »انتي باقة صغيرة آبنتي... وعمرك ما سافرتي بلا بينا»، كان هذا رد الأب حين طلبت منه مريم السفر إلى الخارج من أجل الدراسة إسوة بشقيقها الأكبر منها سنا الذي يتابع هو الآخر دراسته بإحدى الدول الأوربية، ولم يفته أن يؤكد لها عدم استعداده لتحمل مصاريف دراستها بأوربا. مريم التي أصبحت في الثامنة عشر من العمر، لا تزال في نظر والدها طفلة صغيرة غير قادرة على الاعتماد على نفسها، وهو نفس الرأي الذي تقاسمته معه والدتها التي منعتها مشاعر الأمومة من تقبل فكرة عيش ابنتها بمفردها في تلك السنوات القليلة بعيدا عن حضنها. تغيرت سلوكات مريم بشكل ملحوظ، وتحولت من فتاة مرحة مفعمة بالحيوية إلى أخرى عابسة لا تنطق بالكلام إلا عند الضرورة، وتتجنب مخالطة الناس بمن فيهم والداها، بعد أن حز في نفسها الأسلوب الذي تم التعامل به من طرفهما مع رغبتها في الدراسة بالخارج، خاصة أن رد فعلهما لم يكن مماثلا عندما كان الأمر يتعلق بشقيقها. اقترب موعد انطلاق المباريات المؤهلة لدخول الجامعات والمعاهد العليا بالمغرب، غير أن الحيرة لا تزال مسيطرة على مريم، بحيث لم تحسم بعد في اختيارها للتخصص الذي تنوي أن تتابع فيه دراستها الجامعية، بعد أن أجهضت أحلامها في مهدها على يد والدها