كانت بداية القصة باكتشاف جثة إحدى الطالبات صبيحة يوم السبت 26 شتنبر الماضي بكلية العلوم بجامعة ابن زهر بأكادير مرمية بأرضية القاعة 108، وهي تلبس سروال جينز وقميصا أبيض. كانت حافية القدمين، وبالقرب من رجليها نعلها. كان لون وجهها، وقفصها الصدري على مستوى الثدي، حسب معاينة صديقاتها وأصدقائها ورجال الشرطة، يميل لونهما إلى السواد، وعينها اليمنى كانت مصابة برضوض وآثار الزرقة بادية عليها، وتبدو بوضوح على مستوى حنجرتها كدمات وتعنيف. علاقة مضطربة أقر المتهم أمام الضابطة القضائية بعلاقته الشخصية والمهنية مع طالبته، إذ قال بالحرف «خلال مشوارها الدراسي تطورت العلاقة ما بيني وبين سناء من هاجس دراسي صرف إلى صداقة، ثم اهتمام وتعلق وعناية شخصية من خلال اتصالاتها الهاتفية ورسائلها القصيرة، وخلال هذه السنة، وفي إطار تحضيرها لبحوثها كانت لقاءاتنا يومية، وكنت لا أبخل في توجيهها وإعطائها العناية اللازمة، لا سيما أنني لاحظت عليها حالة من الاضطراب والارتباك، مع اقتراب موعد تقديم أطروحتها تميزت الفترة الأخيرة بمشاداة كلامية بيني وبينها غير ما مرة، كونها كانت تشكك في مسألة نشري لمقالها العلمي، كما كانت تعاتبني على عدم تقديمي لها يد المساعدة في عملية تحرير أطروحتها». وقال الدكتور سعيد للشرطة القضائية أثناء التحقيق «عرفت الهالكة سنة 2002 لما كانت تدرس عندي كطالبة بالسنة الثانية من السلك الأول شعبة البيولوجيا، حيث أشرفت بالسنة الأولى من السلك الثاني على أعمالها التطبيقية الميدانية بالشاطئ. و خلال سنة 2004، وبعد حصولها على شهادة الإجازة في العلوم، ورغبة منها في متابعة دراستها العليا، تقدمت إلي مع طلبة آخرين، واستشارتني في الأمر، واقترحت عليها التسجيل إما بمدينة الرباط أو الدارالبيضاء، حيث كنت أدرس هناك، ولي إمكانية مساعدتها في التسجيل، لكون كلية العلوم بأكادير آنذاك لم تكن تتوفر على تكوين عال للحصول على دبلوم الدراسات العليا المعمقة في تخصصها، وهكذا اختارت متابعة دراستها بجامعة الحسن الثاني بالبيضاء، حيث حصلت على دبلوم الدراسات العليا سنة 2006. وبعد ذلك خلال شهر دجنبر من نفس السنة بكلية العلوم بأكادير، درست تحت إشرافي بمختبر المواد الطبيعية، فرع علوم البحار من أجل التحضير للحصول على شهادة الدكتوراه» ليلة مقتل سناء تردد المتهم سعيد كثيرا ثم باح بتفاصيل ليلة قتله سناء: «أشرفت طيلة يوم الجمعة 25 شتنبر على الامتحانات الشفوية لانتقاء الطلبة الجدد بسلك الماستر في العلوم، وعقب انتهاء الفترة الزوالية، هاتفت الطالبة سناء من أجل الالتحاق بي بمكتبي، لا سيما أنني كلفتها بتحضير مسودة لمساهمتها في الملتقى الدولي للشواطئ الرملية الذي سيحتضنه المعهد العلمي التابع لجامعة محمد الخامس بالرباط أكدال من 19 إلى 23 أكتوبر 2009». بالفعل، يضيف المتهم، «التحقت بي فسلمتني مسودة مساهمتها، وقد كنت ساعتها منهمكا في تحرير محضر لجنة الانتقاء، فأشعرتها أنني مشغول وأعاني من التعب، وطلبت منها مراجعة مكتبي صبيحة الغد (السبت) حتى يتسنى لي الاطلاع وتصحيح وإبداء الرأي حول المسودة». وأضاف «لم تقبل سناء ما قلت لها، حيث وقفت بباب مكتبي وهي في حالة عصبية وقالت لي إنها لن تغادر المكتب. حاولت أن أهدئها، لكنها دخلت معي في نقاش حول تماطلي في نشر مقالها، وعدم مساعدتها في تحرير أطروحتها. وبعد أن أجبتها بأن الوقت غير مناسب للدخول في مثل تلك المناقشات، انهالت علي بوابل من السب والشتم، واصفة إياي بكوني غير أهل للإشراف على أطروحتها، إذ شتمتني، قائلة «أنت زنديق وغير كفء وحمار». عند ذلك قمت للانصراف من مكتبي، غير أن الهالكة وقفت بباب مكتبي ومنعتي من الخروج، وهنا دفعتني بقوة، مما خلق لدي رد فعل، فوجهت لها ضربة قوية بكف يدي على مستوى عنقها، وبالضبط على مستوى الحنجرة، لتسقط أرضا جثة هامدة». بعد برهة من التفكير والندم والمحاولات الفاشلة لإنقاذها، وتأكدي بأنها فارقت الحياة بدأ تفكيري يذهب إلى الفضيحة التي ستلحق بي، ففكرت في التخلص من جثتها. أخذتها وأجلستها فوق الكرسي الذي كانت تجلس عليه، يحكي المتهم، وكانت الساعة تقارب السابعة و45 دقيقة. استطلعت ممرات شعبة البيولوجيا بالطابقين الأول والسفلي ليتبين لي أنها تعرف حركة من طرف الطلبة. استحوذت على هاتفها النقال وكذا مجموعة من المفاتيح التي تخصها، كانت بزاوية المكتب القريب من الكرسي. أغلقت مكتبي وانصرفت إلى الخارج على متن سيارتي». محاولة التخلص من جثة الطالبة استمر المتهم في الاعتراف فقال: رجعت إلى الكلية بعد ذلك، أشعرت الحارس بترك بابها مفتوحا في الصباح الباكر لتنظيم خرجة دراسية، ثم التحقت بمسكني. وظلت فكرة التخلص من الجثة تسيطر على تفكيري إلى حدود الواحدة ليلا، عندما اتصل بي أخ الهالكة عبر هاتفي الثابت طالبا مني مساعدة العائلة في البحث عن أخته سناء التي لم تلتحق بالبيت كعادتها، مخبرا إياي كونه يريد الدخول إلى مختبر الكلية. وطلب مني أن أوصله بالحارس عبر هاتفه وطلب إعطاءهم مفاتيح المختبر. وفي هذا الوقت، يقول المتهم، خرجت من بيتي الذي لا يبعد كثيرا عن الكلية، وتسللت إليها دون أن يفطن إلي أخ الضحية ووالده ولا حتى الحارس الليلي، وولجت مكتبي، وأحضرت مفاتيح المختبر وفتحته للمعنيين بالأمر، إذ تسلموا حقيبة سناء التي كانت موضوعة فوق كرسي مكتبها، وانصرف الجميع». فشل محاولة التخلص من الجثة يقول سعيد معترفا بنقل الجثة إلى قاعة مجاورة والتخلص من آثارها: «قضيت ليلة سوداء، لم تغمض لي عين وتفكيري شارد في ورطتي. غادرت منزلي حوالي السادسة صباحا صوب الكلية. التحقت بمكتبي حيث تبين لي أن جثة سناء قد فقدت توازنها، إذ تمايل رأسها وكذا أطرافها العليا، لا سيما القفص الصدري. عاينت بقع الدم التي تسربت من الهالكة ونزلت على أرضية مكتبي. قررت نقلها إلى القاعة 108 القريبة من مكتبي، والتي كانت مفتوحة وموضوعة رهن إشارتي لاستغلال المقاعد المتواجدة بها. عملت على تقطيع ستارة نافذة القاعة 104 المحاذية لمكتبي. وضعت بها الجثة وسحبتها إلى داخل القاعة 108، وأثناء ذلك انزلق نعل الهالكة من رجليها ونقلته بدوره إلى داخل القاعة. عدت بسرعة إلى مكتبي، طهرته من بقع الدم التي علقت بأرضيته. عبأت الستار داخل كيس بلاستيكي أسود وأقفلت باب مكتبي في حدود السادسة و45 دقيقة صباحا، ثم انصرفت إلى الشاطئ حيث رميت بالكيس الذي وضعت فيه الستارة في حاوية الأزبال. مكثت بالمسبح إلى غاية الثامنة والنصف صباحا، حيث تلقيت اتصالا هاتفيا من أخ الضحية الذي أشعرني بضرورة الالتحاق بالكلية لكون جثة أخته سناء قد تم العثور عليها بإحدى قاعات الكلية». مسار البحث بعد العثور على جثة الهالكة صبيحة السبت 26 شتنبر حضر رئيس المصلحة الولائية للشرطة القضائية وكذا رئيس مصلحة التشخيص القضائي، حيث عملت عناصر الشرطة العلمية على رفع البصمات من القاعة، وأحيلت الجثة على مستودع الأموات بمستشفى الحسن الثاني بأكادير، ورفعت عينات مهبلية ضمن فرضية تعرض الهالكة لاعتداء جنسي. كما أخذت عينات من دمها وحمضها النووي، وكذا قطع من أظافرها قصد استغلالها في رفع البصمات الجينية المحتمل أن تكون للجاني. هذا، إضافة إلى أخذ بصمات الهالكة ومقارنتها مع بياناتها بالناظم الآلي للتأكد من هويتها. استمر البحث والتحقيق بالاستماع إلى محيط الهالكة الدراسي والعائلي، حيث توصلت الشرطة من خلال إفادة زملائها إلى أن الهالكة كانت تشكو لهم باستمرار العقبات التي كان يضعها مؤطرها بشأن مشوارها الدراسي، أي أن الهالكة كانت لها مشاكل خاصة كانت تسيطر على علاقتها بأستاذها المشرف على أطروحتها لنيل شهادة الدكتوراه في العلوم تخصص علوم البحار. وبعد استرسال البحث والاستماع إلى محيطها الاجتماعي، تبين للشرطة القضائية من خلال كرونولوجية آخر اللحظات والأشخاص الذين شوهدت معهم الهالكة أنها تلقت مكالمة هاتفية من أستاذها للالتحاق به بمكتبه. وتوقفت الأبحاث الميدانية للشرطة القضائية، إلا أن تحركات الأستاذ التي كانت غير عادية تلك الليلة التي تم فيها اكتشاف الجثة، إضافة إلى ادعائه بكونه يعتزم القيام بخرجة دراسية مع الطلبة باكرا صباح اليوم الذي تم فيه العثور على الجثة. وبناء على المعطيات العلمية التي توصلت إليها الشرطة العلمية والقضائية، وكذا تقرير التشريح الطبي الذي أكد أن سبب الوفاة يعود إلى فعل إجرامي يتمثل في اختناق عمدي، انتقلت الشرطة يوم 27 شتنبر المنصرم، إلى مسكن الأستاذ سعيد وساقته إلى مكتب المجموعة الثالثة للأبحاث حيث خضع للتحقيق واعترف بارتكابه جريمة قتل الطالبة سناء هدي.