شاءت الصدف أن تأتي أهم قرارات المجلس الدستوري الحالي في آخر أيام حياته، وهو يصادق أول أمس السبت على الدخول الرسمي للدستور الجديد حيز التنفيذ سيكون المجلس قد وقع صك وفاته بنفسه تاركا مكانه للمحكمة الدستورية. لم يسبق لزملاء محمد أشركي رئيس المجلس الدستوري أن اشتغلوا بهذه الوتيرة المكثفة، خمسة عشر يوما من التمحيص في صحة وسلامة كافة محاضر مكاتب الاستفتاء على ضوء أحكام القانون ومراقبة الإحصاء العام للأصوات المدلى بها مع القيام بالتصحيحات اللازمة . عمل بدأه قضاة المجلس الدستوري الاثنى عشر بالتحقق من كون محاضر المكاتب و قوائم المصوتين قد وضعت لمدة أربعة أيام كاملة في مقار الجماعات والقنصليات رهن إشارة المصوتين لإبداء ما يعن لهم بشأنها من مطالبات عند الاقتضاء وفق القانون. ثم واصلوه بالاطلاع على جميع المحاضر المحررة في مكاتب التصويت بالمملكة والبالغ عددها 39 ألفا و 968 محضرا وعلى جميع محاضر مكاتب التصويت المنجزة في قنصليات المملكة في الأقطار التي أجري فيها الاستفتاء والبالغ عددها 526 محضرا وعلى الوثائق المرفقة بها. قبل الوصول إلى مرحلة الإعلان النهائي دامت عملية التحضير للقرار رقم 815، الذي أعطى صفة الرسمية لدستور فاتح يوليوز، أكثر من عشرة أيام تداول خلالها أطر وقضاة المجلس في حوالي 40 ألف وخمسمائة محضر آخر أحكام المجلس الدستوري، الذي تلاه الرئيس أول أمس السبت في النشرة المسائية على قناة ( الأولى )، أقر بصفة رسمية أن الشعب المغربي وافق على مشروع الدستور, وذلك ب9909356 جوابا ب« نعم »، مقابل 154067 جوابا ب«لا»، بعدما تأكد له خلوها من أي مطالبات . دخول الدستور الجديد حيز التنفيذ ليس فوريا، بل يتم على مراحل تحددها أربعة مستويات، تتعلق بمؤسسات تستمر في عملها إلى حين تنصيب مؤسسات جديدة، وأخرى تمارس مهامها في نطاق جد محدود، وثالثة تنتظر وضع قوانينها التنظيمية، ثم مقتضيات دستورية تدخل تلقائيا حيز التنفيذ. بخصوص المؤسسات الدستورية التي ستستمر في القيام بعملها إلى حين تنصيب مؤسسات جديدة فإن الأمر يتعلق، بالجلس الدستوري، وكذلك بالمجلس الأعلى للقضاء الذي نص الفصل 178 من الدستور الجديد على أنه « يستمر في ممارسة صلاحياته، إلى أن يتم تنصيب المجلس الأعلى للسلطة القضائية، المنصوص عليه في هذا الدستور». أما المؤسسات الدستورية التي ستبقى تمارس اختصاصاتها بشكل محصور فهي البرلمان و الحكومة التي ستكتفي بتسيير الأمور الجارية، على اعتبار أن الأمر يتعلق بمرحلة انتقالية لا تملك فيها الحكومة لا الشرعية الكاملة و لا الوقت اللازم من أجل التقرير في السياسات العامة. نفس الشىء بالنسبة للبرلمان الذي لن تتجاوز مهمته المصادقة على القوانين الإنتخابية ، وذلك طبقا لمقتضيات الفصل 176 الذي ينض على أنه « إلى حين انتخاب مجلسي البرلمان، المنصوص عليهما في هذا الدستور، يستمر المجلسان القائمان حاليا في ممارسة صلاحياتهما، ليقوما على وجه الخصوص، بإقرار القوانين اللازمة لتنصيب مجلسي البرلمان الجديدين، وذلك دون إخلال بالأحكام المنصوص عليها في الفصل 51 من الدستور»، وهي الأحكام التي تعطي الملك الحق في حل مجلسي البرلمان . على أن يشمل المستوى الثالث المؤسسات الجديدة بالإضافة إلى تلك التي أعاد الدستور الجديد هيكلتها و التي لا يمكنها أن تمارس مهامها إلا بعد المصادقة على قوانينها التنظيمية كما هو الشأن بالنسبة للمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية. لكن، وعلى العكس تماما من المستويات الثلاث السابقة، فإن فصول المستوى الرابع الدستور الجديد و المتعلقة بالحريات و الحقوق الأساسية تدخل حيز التنفيد مباشرة بعد إعلان المجلس الدستوري عن الاعتماد الرسمي للدستور الجديد على اعتبار أنها لا تحتاج إلى قوانين تنظيمية تفصل في مقتضياتها و لا إلى مؤسسات تشرف على تطبيقها. ياسين قُطيب