لم تفتح القاعة 5 بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء صبيحة الجمعة فاتح يوليوز الجاري أبوابها هذه المرة لجلسات المحاكمة. فقد تحولت على غير العادة إلى فضاء رحب، تتوسطه مائدة مستديرة، التف حولها ممثلون للهيئة القضائية ومساعدي القضاء والضابطة القضائية والمندوبية العامة لإدارة السجون والسلطة المحلية وقطاع الصحة ووزارة التنمية الاجتماعية وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية وزارة الشباب والرياضة والجمعيات والإعلام. هؤلاء الحضور الغفير، اجتمعوا على مدار أكثر من ساعتين كطرف في قضية تهم المرأة والطفل، حيث ترافعوا بهدوء واقتضاب ولكن بعاطفة واضحة حول سبل التكفل بهذه الشريحة الهشة من المجتمع، التي تكون في الكثير من الحالات ضحية عنف. ابتداء من العاشرة صباحا إلى غاية منتصف النهار من يوم الجمعة الماضي، توالت مداخلات المشاركين في اجتماع أعضاء «اللجنة الجهوية للتكفل بالنساء والأطفال ضحايا العنف»، الذي كان هدفه حسب المنظمين له «من أجل تعزيز التواصل والتنسيق». ففي كلمة افتتاحية للوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بالدار البيضاء عبد الله العلوي البلغيثي، أشار إلى أن «اجتماع اللجنة الجهوية يأتي من أجل قضاء في خدمة المواطن، وفي إطار السعي للارتقاء بالعمل القضائي في مجال توفير الحماية للنساء والأطفال ضحايا العنف». وفي كلمة ل أمينة أفروخي، ممثلة وزارة العدل وفاعلة جمعوية في ميدان مكافحة العنف ضد النساء والأطفال، أوجزت مداخلتها في القول أن «بعض الأعمال التي قامت بها اللجان الجهوية بعدد من المحاكم، تضمنت وضع خطط سنوية في هذا الإطار، مثل اللجنة الجهوية بفاس، التي ركزت جهودها على المجال التربوي من خلال تنظيم لقاءات مع أعضاء جمعيات أباء وأولياء التلاميذ من أجل القضاء على العنف داخل المدارس. أما طنجة، فقد اختارت موضوع أطفال الشوارع، حيث عملت اللجنة بهذه المدينة على إدماج 20 طفلة ومكنتهن من مشاريع بغية إدماجهن في المجتمع..». من جهة أخرى، أوضح محمد شعيب، نائب الوكيل العام للملك ورئيس خلية التكفل بالنساء والأطفال ضحايا العنف على مستوى الدائرة القضائية لمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء، أن اللجان الجهوية ستضطلع بدور أساسي في الارتقاء بالعمل القضائي لتوفير الحماية القانونية الواجبة للأطفال والنساء. مشيرا أن النيابة العامة، وإن كانت هي المحور الأساسي في هذه العملية، إلا أن تحقيق هذه الحماية لن يتم على أكمل وجه إلا بمساهمة باقي القطاعات الحكومية وغير الحكومية كل من موقع مسؤوليته، سواء على المستوى الاجتماعي والديني والأخلاقي، وما تضطلع به وسائل الإعلام من دور في هذا المجال على مستوى المواكبة من طرف المساعدة الاجتماعية والدعم النفسي أو على صعيد البحث التمهيدي من طرف الضابطة القضائية...». فقد كان من الواضح عبر كافة المداخلات، التي أعطيت الكلمة فيها بإيجاز نظرا لضيق الوقت، الذي صادف يوم الاستفتاء على الدستور، أن الهدف المتفق عليه هو الارتقاء بالعمل القضائي في مجال توفير الحماية للنساء والأطفال ضحايا العنف، عن طريق تسهيل ولوجهم للقضاء. من خلال تمكينهم من تكفل قضائي ناجع، يفرض حتمية إيجاد قنوات دائمة للتواصل والتنسيق مع كل القطاعات الحكومية وغير الحكومية المعنية. بالإضافة إلى أن الاهتمام بقضايا المرأة والطفل تجد مرجعيتها فيما يوليه المنتظم الدولي من اهتمام بالغ لهذه الشريحة الهامة من المجتمع بالنظر لهشاشة وضعها، وما يقتضيه ذلك من توفير حماية خاصة بها كلما تعرضت حقوقها الأصلية للانهاك. ومن التوضيحات التي أعطيت للحاضرين بعد المداخلات الشفوية، توزيع مطويات تعرف بمقهوم العنف ضد المرأة وفق المعايير الدولية والقانون المغربي، منها على سبيل المثال «الإيذاء العمدي، الضرب والجرح، الإجهاض، الاختطاف والاحتجاز، السب والشتم والقذف، التحرش الجنسي، الاعتصاب، هتك العرض، إهمال الأسرة، العنف الزوجي، الطرد من بيت الزوجية...»، حيث هناك جهات معينة تتكفل بالمرأة ضحية العنف، منها خلية التكفل بالنساء بالمحكمة، وحدات التكفل بالنساء والأطفال بالمصالح الطبية، خلايا استقبال النساء المعنفات لدى الشرطة أو الدرك الملكي، الجمعيات والمؤسسات المعنية بإيواء وحماية النساء ضحايا العنف. أما مفهوم الطفل في وضعية صعبة، فهو كل قاصر دون 16 سنة من العمر، تكون سلامته البدنية أو الذهنية أو العقلية أو الأخلاقية أو تربيته معرضة للخطر، حيث يمكن للطفل الذي يوجد في وضعية صعبة أن يتقدم بنغسه ومفرده لطلب الحماية أو عن طريق تبليغ الآخرين إلى الشرطة أو الدرك الملكي أو السلطات المحلية والإدارية، المربون، الآباء وأولياء الأمور، الجيران وغيرهم ممن يعهد إليهم برعاية الطفل. وتوجد كذلك جهات معنية بالتكفل بالطفل في وضعية صعبة، منها خلية التكفل بالنساء والأطفال بالمحكمة، خلايا استقبال الأطفال لدى مصالح الشرطة والدرك، الجمعيات والمصالح الطبية. وبعد هذا النقاش الذي دام أكثر من ساعتين في أجواء حارة، غادر الجميع فضاء محكمة الاستئناف في حدود الواحدة قبل الزوال نحو المقر الجديد ل«قضاء التحقيق المكلف بالأحداث»، الذي خصص له فضاء أنيق خلف بناية المحكمة لمنحه أجواء مريحة بالنسبة للأطفال والقاصرين المعروضين على قاضية التحقيق المكلفة بالأحداث. وهناك تفقد الزوار مرافق هذا الفضاء ومكتب المستشارة فاطمة أوكادوم قاضية التحقيق، ثم تبادلوا أطراف الحديث حول مائدة الشاي، مضربين مواعدا آخر على أمل اللقاء في القريب العاجل من أجل التدوال أكثر بخصوص موضوع الطفل والمرأة ضحايا العنف.