تقتعد أماكن محددة، لا تبارحها إلا بعد أن يخف الرواج، وتقل حركة الأرجل، ذهابا وإيابا، ويقل “الرزق” أو “ينعدم الجود”. تضع على حضنها صغيرا، خلد للنوم، لكنه لم يجد سريرا ليوضع عليه، ليظل في حضن أمه، ملفوفا في “إيزار” أبيض يقيه لسعات حشرات صيفية، “كشرت عن أنيابها”. صور شتى لمظاهر تسول تفشت في العديد من الأماكن بكبريات المدن المغربية. ولم تسلم منها حتى الفضاءات الموسومة «مرافق سياحية». فلا يكاد شارع رئيسي يخلو من محترف للظاهرة. أعداد كبيرة لنساء ورجال، وحتى الأطفال مهنتهم التسول، الذي لم يعد مقتصرا على أصحاب العاهات، بل إن أفرادا صحاحا، لجؤوا بدورهم إلى احترافه. بكورنيش عين الذئاب، كما بوسط المدينة، وحي المعاريف، وأحياء وأماكن غيرها بالبيضاء، تتحرك الجموع، التي التحقت بها، عند نهاية الموسم الدراسي، أعداد أخرى من التلاميذ، تقصد سائقي السيارات عند الإشارات الضوئية لعرض مناديل ورقية، وعلك، أو أزهار. وأحيانا أخرى لعرض خدمة تنظيف زجاج السيارة. لكن الخدمة ترتفع، لتغدو تسولا واستجداء، وتتحول استدرارا للعطف وطلبا للصدقة. تسول مقنع حينا، وظاهر أحيانا، احترفه عشرات من الأشخاص في مشاهد غالبا ما يصفها البعض ب “المقززة”، عندما يلجأ أطفال في عمر الزهور، ما أن تقع أعينهم على أشخاص أجانب، أوربيين أو عرب، حتى تخف حركتهم لتتبع خطواتهم سعيا لنيل “جودهم”. لكن المحاولة تغدو تضايقا، وحرجا، بعد إلحاح من المتسولين الصغار، بحكم دربة خبروها، من آباء يستغلونهم في الاستجداء. وضعية دفعت الجهات المسؤولة للتحرك، بعد أن غدت ظاهرة التسول تشكل مضايقة حقيقية لزوار المغرب، وضيوفه من السياح الأجانب. فجاء القرار باستعداد الحكومة لإصدار نصوص قانونية جديدة للحد من ظاهرة التسول، التي «تشوه صورة المغرب السياحية والاجتماعية»، حسب مصادر مسؤولة. وزيرة التنمية الاجتماعية والأسرة والتضامن السيدة «نزهة الصقلي» صرحت في جلسة أمام نواب الشعب بالبرلمان، أن وزارتها «بصدد التنسيق والتعاون مع وزارة الداخلية من أجل إعداد نصوص قانونية جديدة للحد من حجم المتسولين بالمغرب»، التي قالت إن أعدادهم «تقدر بحوالي 200 ألف شخص». وقالت الوزيرة إن المشروع الجديد «يهدف بالأساس إلى التعامل بصرامة وجدية مع المتسولين المحترفين، الذين يشكلون 62% من عدد المتسولين بالمغرب أي ما يقدر ب120 ألف شخص، كما سيعاقب هذا القانون الجديد، المتسولين الذين يستغلون الأطفال القاصرين». مطمح كبير، إن تحقق قد يرفع الحرج عن أشخاص عديدين عندما توجه لهم أسئلة من أجانب عن السر وراء ارتفاع محترفي هذه الظاهرة، فلا يجدون الجواب. فلا مصالح وحدات المساعدة الاجتماعية أفلحت في اجتثاث الظاهرة، ولا بعض بنود القانون الحالي التي تعاقب على احتراف التسول أفلحت. فهل تفلح مشاريع القوانين التي يتم الإعداد لها في رفع هذه الصورة المشينة من شوارع وأزقة مدن مغربية كثيرة..؟