يقبل العديد من المراهقين على أنماط معينة من اللباس وما يرافقها من مظاهر بالرغم من أن المحيطين بهم يجدون صعوبة في تقبلها، و يعتبرونها من الأمور الدخيلة على المجتمع. في الحوار التالي يتطرق الأستاذ علي الشعباني إلى أسباب انتشار هاته الظاهرة، وكيفية التعامل معها من طرف الآباء والأمهات على وجه الخصوص. ما هي الأسباب وراء إقبال بعض المراهقين على أنماط معينة من اللباس وما يرافقها من مظاهر بالرغم من كونها تعتبر دخيلة على المجتمع الذي يعيشون فيه؟ جنوح المراهقين والشباب إلى أنماط معينة من اللباس والمظاهر الدخيلة على المجتمع المغربي ليس وليد اللحظة، أو ظاهرة جديدة، بل هو نتاج للانفتاح الدائم على الحضارة الغربية من طرف المغاربة، والارتباط بهاته الثقافة خاصة الفرنسية والأمريكية منها. بعد انتشار القنوات الفضائية تكرس عند الشباب هذا النوع من السلوك لأنهم وجدوا فيه بعض الأمور التي تخرج عن المألوف، أو التي تعطيهم فرصة لإثبات الذات والتمرد على العادات والتقاليد المغربية التي كانت تكرسها أنماط التربية والتنشئة داخل المجتمع. لذلك نجد أن الأسباب المرتبطة بهاته الظاهرة ثقافية بالأساس، ودعمها الإعلام بالدرجة الأولى، فالإعلام وخاصة المرئي ساعد على انتشارها من خلال الإعلانات والبرامج التي تظهر أنماط معينة من اللباس على أنها مخصصة للشباب والمراهقين. والشباب المغربي لديه ذلك النزوع إلى الشهرة التي تدفعه إلى تقليد بعض المشاهير من الفنانين والرياضيين الكبار، وهذا يحدث منذ ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، بحيث كان المراهقون والشبان يعمدون إلى إطالة الشعر، وارتداء السراويل الفضفاضة وبعض الألبسة المصنوعة من الجلد. في القرن الحالي، انتشرت ظاهرة الوشم أو حلاقة الرأس واللعب ببعض الزخارف فيما يتعلق بحلاقة الوجه واللحية بالنسبة إلى الشباب، وتعتبر هاته المظاهر من السلوكات الدخيلة على المجتمع المغربي فهي لا تندرج ضمن ثقافته ولا عاداته وأنظمة تربيته وتنشئته الاجتماعية، لكنها وفدت من المجتمعات الغربية عن طريق وسائل الإعلام، وعن طريق الاتصال المباشر أحيانا بهاته المجتمعات من خلال الأسفار والرحلات. إلى أي حد تتقبل أسرهم مظهرهم واختياراتهم في ما يخص اللباس؟ يجب الاعتراف في البداية بأن غالبية الأسر داخل المجتمع المغربي أصبحت مغلوبة على أمرها اليوم، بحيث لم تعد قادرة على ضبط سلوكات أبنائها، كما أن تقبل الآباء لمظهر أبنائهم المراهقين ونمط لباسهم يكون أحيانا على مضض. بعض الآباء والأمهات يساعدون أبناءهم على اقتناء ما يحلو لهم من ملابس، وكأنهم يحنون بتلك الطريقة رؤوسهم إلى أن تمر العاصفة، وذلك من خلال تغاضيهم عن بعض السلوكات غير المقبولة التي تصدر عن أبنائهم المراهقين، لأنهم يعتبرون أن تلك السلوكات مرتبطة بمرحلة عمرية معينة، ويكون لديهم أمل كبير في أن يجتاز أبناؤهم تلك المرحلة، ويعودوا لاتباع النسق العام داخل الأسرة والمجتمع اللذين ينتمون إليهما من حيث اللباس والسلوك. ونلاحظ اليوم وجود نوع من الخلل في قلب بعض الأسر المغربية في ما يتعلق بسلطة القرار، بحيث لم نعد نعرف إذا كان الأب هو الذي يملك سلطة القرار داخل بيت الأسرة أو الأم أو الأبناء خاصة في وجود رواسب الأمية بداخلها، والتي يقابلها انفتاح الأبناء في سن الشباب على الثقافة والدراسة وكذلك ولوج سوق الشغل الذي استطاعوا من خلاله توفير مداخيل يفرضون بواسطتها سلطتهم ومكانتهم داخل الأسرة. هل يمكن للحوار بين الآباء والأبناء المساهمة في تقريب وجهات النظر لتفادي نشوب الخلافات؟ التواصل والحوار فيما بين الآباء والأبناء يكون مفيدا وحلا ناجعا حينما يكون هناك وعي مشترك ومساواة في الثقافة، لكن في غالبية الأسر داخل المجتمع المغربي نجد أن هناك اختلالا في موازين القوى واختلافا في الرؤى، وذلك لا يرتبط فقط بما يعرف بصراع الأجيال، بل بالتفاوت في الوعي والمستوى الثقافي والتعليمي، باعتبارها من الأمور التي تحول دون حدوث حوار وتوافق، وهو ما يفسر حدوث بعض الصراعات ونشوب الخلافات بين الآباء والأبناء في كثير من الاحيان، لأن هؤلاء الآباء يكونون غير راضين عن مظهر أبنائهم ونمط لباسهم. ويبقى تحلي الآباء بالصبر، وضبط النفس الحل الوحيد لتفادي حدوث مشاكل خلال هاته المرحلة الحساسة من حياة الأبناء، كما لا يجب التعامل معهم بقسوة، لأن هؤلاء الأبناء سرعان ما سوف ينساقون من جديد خلف ما هو متعارف عليه من السلوكات داخل المجتمع، لأن هاته السلوكات مرتبطة بمرحلة معينة ولن ترافقهم في جميع مراحل عمرهم. *أستاذ في علم الاجتماع