هي شذرات من يوميات مجموعة من الأسر الفيتنامية بدوار الصفاري بنواحي جماعة عامر السفلية بسيدي يحي الغرب. أسر اختارت العيش والتعايش بين سكان المنطقة منذ أزيد من ثلاثة عقود.. فمابين التجنيد الاجباري للآباء للحرب في أدغال آسيا، وعودتهم بعد 25 سنة رفقة زوجاتهم الفيتناميات استطاعت الأسر أن تبني هنا جسرا مخضرما ما بين التشبت بتقاليد بلد الأصل، والاندماج في الحياة الاجتماعية للساكنة المحلية، هذا في الوقت الذي يصر الجيل الثاني ورغم انتقاله إلى مدن أخرى على العودة باستمرار إلى الدوار لزيارة العائلة وربط الحاضر بالماضي.. شمس الربيع تمسح بأشعتها الدافئة حقول القمح، ومزروعات الشمندر بأوراقها الخضراء، بعد يومين ماطرين أعادا الاطمئنان للمزارعين بالمنطقة في موسم فلاحي جيد. تساقطات نهاية شهر مارس تركت كذلك حفرا وبركا مائية هنا وهناك على طول «الطريق» التي تخترق دوار الصفاري التابع للجماعة القروية عامر السفلية في اتجاه الضيعات. كانت الساعة تقارب الزوال. الهدوء يخيم على المكان ، إلا من صوت مذياع يأتي رخيما من العربة المجرورة لعطار القرية في جولته بين الدور المتفرقة للدوار وصراخ مجموعة من الأطفال الصغار، وهم يركضون بعد عودتهم إلى بيوتهم في الفترة الصباحية من المدرسة. المقطع الطرقي المؤدي إلى منزل «هونغ» والذي يحمل كذلك إسما عربيا هو «محمد» يمتد لكيلومترات عن شمال مدينة سيدي يحيى الغرب. المقطع بشهادة الساكنة عبارة عن فخ حقيقي من الأخاديد، وبقايا أسفلت قديم تسير فيه السيارات بمشقة خاصة سيارة النقل المدرسي، وسيارة الاسعاف.. بين الحقول كانت تظهر مجموعة من المنازل المسيجة المتفرقة وذات القرميد الأحمر والتي تشير إلى أن بناءها يعود إلى الفترة الاستعمارية.. وعكس السائد بين الساكنة فهي لاتحيل إلى وجود «الشينوا» حسب ما وصفه عدد منهم عند زيارتنا لمركز الدوار.. لكن مصادفتنا لسيدة قصيرة القامة كانت تضع فوق رأسها قبعة مثلث الشكل، أعادت إلينا الأمل في أننا بالفعل بين أحضان عائلات فيتنامية. السيدة كانت تتحرك بحيوية وهي تقوم بأعمال البستنة في الحقل الذي يجاور منزل »هونغ»، هذا الأخير الذي شارف على اتمام عقده الرابع كان يتابع رفقة والدته الفيتنامية سير أشغال الاصلاح في بهوه الخلفي، حيث كانت قناعة المحافظة عليه حاضرة لدى الجيل الثاني ومنهم «هونغ». «جوج ذكورا ايمشي واحد..» .. « الفيتناميين ولاو مغاربة ديال بالصح .. ماكاين حتا اختلاف معاهم..» يعلق «هونغ» والذي يعني بالفيتنامية بطل الأسطورة، بطلاقة وبدارجة مغربية وقد رسم ابتسامة عريضة على محياه، وكانه يحاول أن يبعد عنا عنصر الدهشة في إشارة إلى الفضول المتكرر الذي يدفع عددا كبيرا من الناس، ليس من المنطقة فقط بل من خارجها إلى البحث عن سر تسمية الدوار ب« الشينوا» وعن طبيعة عيش الأسر المتبقية به خاصة منهن الفتناميات. نسوة رغم تقدمهن في السن، كان إصرارهن في البقاء واضحا، فقد رفضن مرافقة الأبناء إلى مدن أخرى بعد وفاة أزواجهن من الجنود المغاربة الذين خاضوا الحرب الهند الصينية تحت مظلة الجيش الفرنسي أو مع الجيش القتنامي فيما بعد. بالنسبة ل«هونغ» الذي يدير مطعما للأكلات الآسيوية بالبيضاء كحال الجيل الثاني هنا، فوالده «بوسلهام خربوش»، المنحدر من مدينة سوق الأربعاء الغرب، قضى بالفيتنام 25 سنة قبل عودته إلى المغرب. بوسلهام تم تجنيده من لدن المستعمر، نظرا لإنه كان الأكبر من بين أفراد عائلته. «كانت قاعدة (جوج ذكور ايمشي واحد .. ) تسري على جميع الأسر الفقيرة ويعتمدها المستعمر في تجنيده للمغاربة لارسالهم إلى جبهات القتال في أدغال أسيا» يضيف «هونغ». تسفير لم تظهر حقيقته في البداية حيث كان الاعتقاد لديهم أن الأمر بتعلق بتمكينهم من فرصة عمل، وتحسين دخل الأسرة. شارك الأب « بوسلهام خربوش» في الحرب العالمية الثانية من بدايتها إلى نهايتها، قبل أن يلتحق للحرب مع القوات الفيتنامية ضد المستعمر الفرنسي حيث كان يعد من المتمردين الذي رفضوا مسايرة القوات الفرنسية في حربها ضد الوطنيين، ليستقر به المقام في بلدة «بافي» باقليم (طونساي)، ثم بعدها سيعود إلى المغرب هو وزوجته وسبعة من أبنائه وبناته وبالضبط إلى منطقة الغرب. أما هونغ فقد كان عمره لايتجاوز آنذاك السابعة. حسب شهادات أبناء من الدوار خاصة المسنين منهم «تم توزيع الأسر العائدة حسب انتماء الأب، ونوع النشاط الذي كان يمارسه قبل تجينده، وهو ماسهل اندماجهم في محيطهم بين ساكنة سيدي يحي الغرب». عند التحاق الطفل «هونغ» بمدرسة الشهيد بلقصيص بنفس المدينة، كان يتحدث فقط بالفيتنامية وهو ماجلب له مشاكل عديدة في بداية مشواره الدراسي، هونغ استعاد، وابتسامة لاتفارق محياه، جانب من صعوبات البداية التي واجتها الأسر العائدة والتي ستزول بشكل تدريجي « في أول حصة لي بالمستوي الابتدائي، طلب مني المعلم قراءة سورة الفاتحة، لم أفهم آنذاك كلامه، تحدثت بالفيتنامية محاولة مني الاستفسار، لكنه وبدل تفهم الأمر غضب مني، وخاطبني، (عرض ابن الشلح..) اعتقادا منه أنني أمازيغي، وأمام استغرابي للأمر قام بمعاقبتي دون أن أفهم السبب..» . في المساء وعندما أخبرت والدي، رافقني في اليوم الموالي إلى المدرسة وقام بالاحتجاج على المعلم بشدة « مالهم الشلوح ماشي بنادم » هكذا عبر الأب عن غضبه، حيث تطور الأمر إلى حد استدعاء الدرك الذين حققوا في الواقعة وتفهموا سبب غضبه بعد أن روى لهم والدي القصة». لكن « التغرب » اللغوي سرعان ماسيزول مع مرور السنوات، ليس للأبناء فقط، يضيف هونغ ف«بحكم مدة الاستقرار، والاحتكاك، فإن معظم الأسر هنا تعلمت التحدث بالدارجة، كما أن أبناءهم اندمجوا في المدرسة، مقابل أن المغاربة الآباء كانوا يتحدثون بالفيتنامية، ويتحدثون بها بطلاقة مع أفراد عائلتهم دون مشاكل». من «المعمل» إلى الثكنات العسكرية.. «لولى زواج جنود مغاربة بنساء فيتناميات لما تحقق هذا التلاقح بين الجنسيتين» يعلق هونغ. فقصة الارتباط والزواج ترجع إلى ما بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، وبالضبط عندما قررت الولاياتالمتحدة شن حرب على الفيتنام وحلفائها ومنهم فرنسا. هذه الأخيرة التي كانت آنذاك تحتل المغرب اعتمدت وقتها على إرسال مواطنين من مستعمراتها بشمال إفريقيا ومنها المغرب إلى الجبهات. انتشر القواد وبأمر من القنصل العام بالأسواق والدواوير بحثنا عن شبان ، لكن حسب رواية الآباء التي ظلت عالقة لدى الجيل الثاني من العائدين « فقد كانت مهمة هؤلاء اختيار أشخاص من ذوي البنيات الجسدية القوية وإغرائهم بالذهاب إلى فرنسا من أجل العمل ». لكن النوايا الحقيقية سرعان ما ستنكشف « لقد تبخرت مناصب العمل التي وعدوا بها من لدن المستعمرين، حيث فوجؤوا بذلك مباشرة بعد أن حطت الطائرة التي أقلتهم ، وبدل أن يتوجهوا إلى المصانع والمعامل تم اقتيادهم إلى قاعدة عسكرية وخضوعهم لتدريبات عسكرية مكثفة بدعوى تمكينهم من تكوين عسكري قبل إلحاقهم بالجيش الفرنسي». أنذاك شرعت الدولة الفرنسية في إختيار أفواج من المتمكنين من استعمال السلاح لإرسالهم إلى الفيتنام لمساندة القوات التي تحارب تحت العلم الفرنسي في الحرب التي كانت تدار وقتها على دولة الفيتنام. إرسال آخر فوج من الجنود المغاربة تزامن – حسب المعطيات التاريخية – مع نفي محمد الخامس إلى جزيرة كورسيكا وهو ما جعل الجنود المغاربة يتمردون ويعلنون رفض المشاركة في حرب على حساب فرنسا في الوقت التي تقوم بإرسالهم إلى ساحة الحرب كدروع بشرية الشيء الذي استوعبه آخر فوج من الجنود المغاربة المدركين للعبة فرنسا إذ ما حطوا الرحال بأدغال افيتنام حتى بدأوا يفكرون بوضع خطة للإلتحاق بأقرب معسكر لجنود الفيتنام لمساندتهم في حربهم على الولاياتالمتحدةالأمريكيةوفرنسا حيث التحقوا بمعسكرات الجنود الفيتناميين الذين تفهموا موقفهم وأشركوهم ضمن كتيبات جيشهم للحرب ضد الغزاة.. انتهاء الحرب بانهزام الولاياتالمتحدةالأمريكية وحلفائها في الحرب على دولة الفيتنام قامت فرنسا بإجلاء جيوشها النظاميين من الفرنسيين والمغاربة التي أشركتهم في هذه الحرب غير أن المغاربة الذين شاركوا الفيتناميين الحرب ضد الحلفاء في صفوف الجيش الوطني تحت قيادة هوشي منه فضلت العيش بقرى الفيتنام في أوضاع صعبة إلى أن كافأتهم دولة الفيتنام بامتيازات منها إعداد وثائق إدارية لهم وتزويجهم ببناتهم وإدماجهم في المجتمع الفيتنامي حيث أنجبوا أطفالا واندمجوا في حياتهم الاجتماعية. سنة 1972 ستكون سنة فارقة لدى المغاربة، بعدما علم الملك الراحل بقضيتهم والظروف التي جعلتهم يقاتلون بجانب القوات الفيتنامية ،وبعد الاتفاق مع مسؤولي دولة الفيتنام بعودتهم رفقة زوجاتهم الفيتناميات وأطفالهم إلى المغرب ليتم توزيعهم في البداية على الخيريات الإسلامية قبل أن يسلموا أراضي فلاحية . أسرة «بوسلهام خربوش» و «محمد العلام »… كانت من بين العشرات من الأسر التي اختارت العودة إلى المغرب حيث تم توزيعهم على مجموعة من المناطق المغربية حسب رغبتهم واختارت مجموعة منها العيش بمنطقة الغرب لأن الأزواج ينتمون جميعم إلى منطقة "حد كورت" القريبة من المنطقة التي قررت السلطات آنذاك استقرارهم بها ومنحهم 35 هكتارا من الأراضي المسترجعة بمعدل خمسة هكتارات للأسرة الواحدة. عادات.. وفيتناميات معمرات الحديث إلى بقية الفيتناميين بالدوار بمنازلهم المتفرقة بين الحقول بدوار "الشينوا" كان صعبا، أما سبب تسمية الدوار ب «الشينوا» فهي تعود حسب رشيد وهو من أبناء دوار الصفاري إلى بداية السبيعينيات من القرن الماضي عندما حلت الأسر بالمنطقة كانت« بشرة وسحنة أغلبية قاطنيه من نساء و أطفال غير المألوفة، دافعا لاطلاق التسمية، خاصة أن السكان كانت معرفتهم بالصين أقرب من الفيتنام.. ». كريم وهو من الجيل وابن «محمد العلام» الجندي الذي تجاوز عقده الثامن وآخر الجنود الأحياء بهذه المنطقة، فسر التحفظ في الحديث بالقول « إنهم مستاؤون من الطريقة التي يتم تقديمهم بها، كما حدث منذ مدة عندما حل فريق تصوير تابع لقناة وثائقية معروفة، حيث تفاعل معه القاطنون بتلقائية، وقدموا لمعدة البرنامج جميع المعطيات، إلا أنهم فوجؤوا أثناء متابعهم له بتناول مسئ خاصة للنسوة الفيتناميات وهن بملابس عمل، على أساس أنهن يعانين من التهميش، ويعاملون معاملة صارمة » استطرد كريم الذي اختار مدينة الرباط كمكان للاستقرار وإدارة مطعم أسيوي هناك « لكن الحقيقة أن النسوة الفيتناميات يعرف عنهن حبهن للعمل، لذلك تجدهن يمارسن مختلف الأعمال سواء المنزلية أو في الحقل طيلة النهار.. وهو مايفسر قوتهن، وبلغوهن أعمارا تفوق الثمانين ..». حيوية كانت تلمس لدى الكثير منهن، كالممرضة «تيهيان» التي لاتتأخر في تقديم خبرتها في الاسعافات الأولية من حقن وتدخلات طبية لعدد من ساكنة دواوير المنطقة. «تيهيان» التي « شربت » مهنة التمريض من زوجها المغربي الذي كان من ضمن الجنود المغاربة بالجيش الفرنسي، أكملت مشواره بعد وفاته واستمرت في تقديم خدماتها. ارتباط الفيتناميات بالأرض، هنا بسهول الغرب، يجد تفسيره في كون معظمهن ينحدرن من مناطق فلاحية لأقاليم بالفيتنام خاصة منطقة « با في» التي عرفت استقرار الجنود المغاربة بها بعد الحرب، وهن لايترددن في مساعدة الفلاحين أو القيام بأعمال الزراعة خاصة، وهو ما يفسر احتفاظن بلياقتهن مع حرصهن على الاشتغال دون كلل طيلة اليوم. « والدتي رفضت الاقامة بالبيضاء .. وأصرت على العودة إلى الدوار خاصة بعد المضاعفات الصحية التي آلمت بها هناك، رغم أن المدة القصيرة التي قضتها بالعاصمة لم تتجاوز شهورا». يقول هونغ وهو يشير إلى والدته التي كانت تتنقل بين أركان المنزل دون ملل، وهي تخاطب جارتها المغربية التي تقطن بجوار منزلها. « الأشخاص يفاجؤون بالتعايش القوي بين نساء الدوار والفيتناميات اللواتي لايترددن في الذهاب إلى السوق الأسبوعي، وشراء مايحتاجونه من سلع وخضروات» يسترسل هونغ. « ناس معقولين .. ». الأسر الفيتنامية المتبقية بالمنطقة، نجحت في الاندماج الفوري مع ساكنة القرى المجاورة، خلافا لما يمكن أن يتبادر إلى الزائر في الوهلة الأولى. بدا ذلك في حديث مرافقنا المغربي رشيد الذي صرح بينما كان يتحرك بحرية داخل منزل كل من أسرتي العلام، وهونغ بتلقائية « الله اعمرها دار.. ناس معقولين ، وجيران مزيانين». فجل القاطنين بجوارهم تعودوا على زيارتهم بين الفينة والأخرى، بل ومساعدتهم في أشغال الأرض كلما سنحت لهم الفرصة لذلك. أبعد من ذلك فقد اعتنقوا الإسلام ويؤدون الشعائر الدينية مثل الآخرين بل ويشاركونهم في أعمالهم الخيرية « لقد ساهموا في بناء مسجد دوار الصفاري، دون تردد.. من خلال هبات وأموال » يعلق رشيد مرافقنا بارتياح شديد. كما تشبعوا بعادات المغاربة في أفراحهم وأحزانهم وارتبطوا بعلاقات مصاهرة مع ساكنة القرى المجاورة ومدينة سيدي يحيى الغرب، وهو ما أفرز تعددا ديموغرافيا موزعا على المناطق المحيطة، حيث يبدي المحليون نوعا من الارتياح للمصاهرة بينهم، بل إن الأسماء الفيتنامية، باتت قليلة التداول بين الساكنة، بعد أن حمل النسوة والأبناء أسماء عربية، وذلك « إما لأن الأسماء الفيتنامية صعبة النطق، أو لتسهيل التواصل بين الطرفين .. خاصة أن النسوة تقن الحديث بالدارجة المغربية..». يضيف مخاطبنا. لكن مايلاحظ أن الجيل الثاني بل والثالث – حسب الشهادات – « قد غادرا المنطقة إلى مدن كبرى كالرباطوالبيضاء.. بل إلى بلدان أروبية ساهم نشاطهم الفلاحي واستقرارهم وتفوق أبنائهم في الدراسة إلى الاستثمار في مطاعم متخصصة في الطبخ المحلي الأسيوي، ومنها مطاعم بالرباط و بالدار البيضاء وفاس، وأكادير، حيث يصل عددها إلى 18 مطعما بالمغرب.نسبة منهم لم تكتف بالاستثمار هنا بالمغرب، بل انتقلت إلى أوروبا حيث منهم من فتح مطعما آسيويا بباريس. عوامل كانت كافية ليتحول دوار "الشينوا" اليوم، إلى دوار تسكنه النساء فقط ، معظم الأزواج توفوا إلا «محمد العلام » آخر المحاربين الذي لازال يتنقل بين المغرب وفرنسا، أما الشباب من الأسر فقد التحقو بالمطاعم الآسيوية التي أصبح يملكها ذويهم للاشتغال بها أو الذهاب إلى أوروبا لمتابعة دراستهم، وهو مايفسر أنه عند ولوجك لمنازل الدوار اليوم لن تجد سوى نساء فيتناميات يسهرن على منتوجاتهم الفلاحية بمساعدة عمال فلاحيين من القرى المجاورة. التشبع بالعادات المحلية، لم ينسيهم جملة من التقاليد الفيتنامية خاصة في الطبخ حيث يحرصون على إعداد أكلاتهم «أغلب الأطباق تحضر بالأرز، والمعجنات، وكذا المقليات .. ويستعملون إضافة إلى المواد المحلية مجموعة من الأعشاب التي يوصون بها أقربائهم عند زيارتهم للفتنام لجلبها، كالزوكاي، شوشو، زومو..». يعلق هونغ، الذي لايخفي بحكم عمله في مجال المطعمة الأسيوية، الاقبال المشجع على الأطباق الأسيوية لدى المغاربة وهو ماشكل دافعا للمغامرة في هذا المجال. رغم قوة الاندماج مع المحيط المحلي، فلازال مشكل الإقامة يرحي بظلاله على حياة القاطنين . فمشكل الوثائق الإدارية يورقهم فهم لايتوفرون حسب الشهادات المستقاة من لدن عدد منهم « على الإقامة الدائمة حيث يتم تجديد بطاقتهم الوطنية على مدد محددة بخلاف المواطنين المغاربة غير أن اثنان يقطنان بمديتة سيدي يحيى الغرب يتوفران على البطاقة الوطنية لمدة عشرة سنوات كباقي المغاربة « حسب مسؤول أمني، لكن دخول قانون الجنسية الجديد أعاد لعدد منهم الأمل في تسوية وضعيتهم. الحياة التي تدب نسبيا كل يوم إثنين بمنازل الفتناميين هنا بدوار الصقاري بسيدي يحي الغرب، سوعان ماستترك وراءها سكونا، وهدوءا .. بعد أن تنتهي زيارة الأبناء إلى أعمالهم بالمدن الأخرى، حيث يفضلون العودة في نفس اليوم بالتحديد، وقد ضربوا موعدا جديدا للإطلالة، رغم أنها قصيرة، فهي دليل قوي لربط صلة الوصل مع الأمهات وأرض الآباء. محمد عارف محمد لحليبة تصوير : عبد اللطيف القراشي حرب «لاندوشين».. مغاربة الفيتنام هم من بين الجنود والذي يعدون بالآلاف حاربوا بجانب فرنسا وضدها في الحرب الهند الصينية (لاندوشين) مابين 1946 و 1954. وهي الحرب التي دارت رحاها بين قوات الفرنسية والمجموعات العسكرية الموالية لها من جهة وقوات «فيت مين» بقيادة هو تشي منه (اتحاد استقلال فيتنام) من جهة أخرى. معظم الأحداث الرئيسية حدثت في الثلث الشمالي لفيتنام (المنطقة التي سماها الفرنسيون باسم "تونكين") بالرغم من أن النزاع شمل كامل البلاد وامتدّ أيضا إلى البلدان الهندية الصينية المجاورة مثل لاووس وكمبوديا. وحسب المعطيات التاريخية فقد جندت فرنسا 123000 جندي من أصل مغاربي في الحرب التي شنتها ضد الوطنيين الفيتناميين بقيادة مؤسس الحزب الشيوعي الفيتنامي «هوشي منه» الذي أمر انصاره منذ البداية باقناع الجنود المغاربيين بعدم خوض الحرب ضدهم، وذلك بكون فرنسا تحتل بلدان شمال افريقيا وتعامل مواطنيهم بقسوة وعنف وشراسة. وبفضل هذه الحملة تمكن الوطنيون الفيتناميون من كسب تأييد العديد من الجنود المغاربة الذين فروا من الجيش الفرنسي ليعيشوا متخفين بين السكان الاصليي، وليحاربو في صفوفه في حرب عصابات انتصرت فيها الفيتنام في أكثر من موقعة. وكانت معركة «ديين بيين فو» في ربيع 1954 قد شكلت نهاية وهزيمة فرنسا، وقد غادر الجنود الأفارقة والقوات الفرنسية الفيتنام في شتنبر من سنة 1956 . وقد قدر عددهم في 5792 . أما عدد الجنود من شمال افريقيا ، فوصل عددهم 20691 منهم القتلى، والمفقودين. وبعد نهاية الحرب الحرب الهندوصينية سنة 1954 وبتعليمات من الزعيم الوطني الفيتنامي هوشي مينه… تجمع هؤلاء المغاربة في إطار تعاونية فلاحية مع جزائريين وتونسيين وسنغاليين، وكذلك أوروبيين. وكان الفيتناميون يسمون المغاربة ب «الاوروبيين السود». وعند عودة هؤلاء الى المغرب عام 1972، اطلق عليهم مواطنوهم اسم: «الصينيين»، واستقروا في عدد من المدن المغربية. المصادر التاريخية تشير إلى أن آلافا من المجندين المغاربة قد قضوا نحبهم في الحرب الهندو صينية، بينما عاد مغاربة فيتنام في أواخر الستينيات وبداية السبعينيات، بعدما قضوا هناك أزيد من 20 سنة. "حكاية أنه ما، سيرة جنيرال مغربي في حرب فيتنام" كتاب "حكاية أنه ما، سيرة جنيرال مغربي في حرب فيتنام" للباحث المغربي عبد الله ساعف، عن منشورات "دفاتر سياسية" وهو مؤلف / تحقيق يسلط الضوء عن مرحلة تاريخية لمغاربة اليتام من خلال شخصية ومسار امحمد بنعمر لحرش(1914-1971 ) المناضل في صفوف الحزب الشيوعي المغربي سابقا وأحد أعضاء لجنته المركزية. توجه امحمد بنعمر لحرش إلى فيتنام بشكل سري في نهاية سنة 1945 بطلب من مؤسسته الحزبية كنوع من الاستجابة لطلب الزعيم الفيتنامي هوشي منه الذي رغب في استقدام عنصر حركي من هذا الحزب وتوكل له مهام إعداد وتاطير المقاتلين المغاربة الهاربين من لواء الجيش الاستعماري الفرنسي أو الذين قامت بأسرهم قوات "الفييت منه" (وهو الاسم الفيتنامي الذي يحيل على القوات الفيتنامية الثورية المكافحة من أجل الاستقلال عن فرنسا)، من جهة أولى. ومن جهة ثانية، العمل على استقطاب واحتواء العسكريين المغاربة المنضوين في إطار القوات الفرنسية. وقد حصل في الفيتنام على رتبة "جنرال"، كرتبة شرفية عليا . كما منح أيضا لقب "أن ما" وهي كلمة فيتنامية تعني "الأخ الفرس" وقد أطلقه عليه الزعيم هوشي منه شخصيا. هذا السفر إلى المستنقع الفيتنامي، سيعود منه بنعمر إلى بلده، في نهاية الستينيات، برتبة جنيرال خبير بمختلف العمليات والمهام الاستراتيجية العسكرية. «باب المغاربة» معلمة مغربية بالفيتنام ترك المغاربة الجنود معلمة من المعالم التاريخية التي تزخر بها الفيتنام. كانت تسمى في البداية "باب أوروبا-إفريقيا-آسيا" قبل أن يتحول بعد ذلك اسمها إلى باب المغاربة، وهي تشبه في تصميمها المعماري باب السفراء. المعلمة تقع في قرية "بافي ها طاي" شمال العاصمة الفيتنامية هانوي». وهو الباب الذي بناه المجندون المغاربة الذين انقلبوا على الجيش الفرنسي، وانضموا إلى القوات الفيتنامية المقاتلة. الباب بني ما بين سنتي 1956 و1960. وقد قدر للمغاربة الاستقرار في هذه المنطقة، وتأسيس أسر لهم هناك.. ولكي يتركوا بصماتهم في هذه المنطقة كانت فكرة بناء هذه المعلمة العجيبة التي قاومت كل أشكال ومحاولات الهدم خاصة بعد انتهاء الحرب. التصور المعماري لهذه المعلمة مستفاد -كما تحكي الروايات التاريخية- من جريدة روسية وُجدت ملقاة على الأرض… تحوي تحقيقا مصورا عن المغرب ومختلف مواقعه التاريخية. ومن هنا ذلك الشبه الذي نجده واضحا بين "باب المغاربة" وبين الكثير من المواقع المغربية التاريخية، بل الشبه بينه وبين التراث المعماري والحضاري العربي والإسلامي. وقد بدأت ترى النور محاولات عديدة في سبيل إحياء القيمة الرمزية والإنسانية التي يحملها هذا الباب. منها محاولة نادي التفكير في الأمم (CRN) Cercle de Reflexion الذي يرأسه (Dr. Michel thao chan) الذي وضع ضمن أهدافه الاستراتيجية إيجاد كل الوسائل من أجل جعل هذا الباب شعارا للسلام العالمي، مادام هذا الباب يحمل بصمات أبرز الحضارات على المستوى العالمي. ومن هنا كانت تسميته الأولى "باب أوروبا-إفريقيا-آسيا". وقد قامت السفارة المغربية بالعاصمة هانوي بالفيتنام بترميمه سنة 2009 وأقامت له صرحا كتذكار لمرحلة تاريخة لمرور مغاربة بهذه الدولة الأسيوية. «غبار امبراطورية» من الكتب التي تناولت هذه المرحلة من تاريخ الجنود المغاربة بالفيتنام كتاب يحمل عنوان «غبار امبراطورية» والذي صدر بفرنسا والذي تروي فيه مؤلفته «نيلكيا ديلانوي» قصة جنود مغاربة كانوا يعملون في الجيش الفرنسي في فيتنام التي كانت تسمى آنذاك «الهند الصينية» وهؤلاء المغاربة هم: محمد الجلالي وبن طاهر وميلود وزوجاتهم الفيتناميات تي آن وونه وماي واولادهم الذين كانوا يحملون اسماء فيتنامية وعربية. ينضاف الى هؤلاء عشرات من المغاربة الآخرين الذين فروا من الجيش الفرنسي مفضلين العيش مع السكان الاصليين. وفي فيتنام عاشوا ازيد من عشرة اعوام، اي منذ نهاية الحرب الفرنسية ضد المجاهدين الفيتناميين وحتى التدخل الامريكي في المنطقة. في مقدمة الكتاب، تقول المؤلفة نيلكيا ديلانوي التي عاشت في المغرب خلال الحقبة الاستعمارية: «ربما أردت من خلال مغامرة هؤلاء الرجال اعادة تركيب تاريخ ظلت فرنسا الاستعمارية تهيمن عليه لفترة طويلة حارمة المؤرخين من اضاءة جوانبه المعتمة والغامضة، ولعل هؤلاء الجنود المغاربة الذين عاشوا ممزقين بين وطنهم وفيتنام التي ارسلوا اليها لقتال الوطنيين فيها والراغبين في حصول بلادهم على استقلالها قد ساعدوني في الوصول الى هدفي والى تقديم صورة اخرى عن الحقبة الاستعمارية».