أطفال في عمر الزهور حكمت عليهم الظروف بالحرمان من حنان آبائهم وأمهاتهم، الذين قرروا التخلي عنهم بعد الطلاق وإرغامهم على العيش في منزل الجدين، ليجد الأبناء أنفسهم عاجزين عن التأقلم مع ظروف حياتهم الجديدة، نتيجة عجز الجدين عن تعويض دور الوالدين، الأمر الذي كان له العديد من التداعيات السلبية على نفسية هؤلاء الأطفال. انفصل والداه حين كان عمره لا يتجاوز الخامسة، لينتقل بعد ذلك للعيش في شقة مستقلة مع والدته التي حرصت لأشهر طويلة على تعويضه عن حنان وعطف والده، الذي امتنع عن زيارته بعد الطلاق. لكن سرعان ما ستقلب حياة مراد رأسا على عقب عندما ستقرر والدته الزواج من رجل آخر، بحيث ستصر على انتقاله للعيش في بيت جديه، بعدما امتنع زوجها عن رعايته والتكفل به في منزله. لم يتأقلم مع حياته الجديدة حالت المسافات الطويلة التي تفصل منزل الجدين عن مقر سكن والدته دون إمكانية زيارة الأخيرة له، لنكتفي بالاطمئنان عليه من حين لأخر عبر الهاتف، لكن ذلك لم يكن كافيا لطرد الحزن الذي صار يخيم على حياة الإبن، الذي فشل في التأقلم مع ظروف حياته الجديدة. تمر الأيام على مراد كالسنوات في بيت جديه الطاعنين في السن، لأنهما لا يتجاذبان معه أطراف الحديث، بل يقضيان وقتهما في متابعة البرامج التلفزية، ما جعل الطفل يجد عزاءه الوحيد في الشارع، حيث كان يحاول نسج علاقات صداقة مع أطفال الحي. كانت لحظات السعادة التي يعيشها مراد رفقة أصدقائه تتلاشى بمجرد أن يرى أحد الأصدقاء رفقة والديه، فذلك يكون كافيا لجعل معاناته من غياب الأب والأم تطفو على السطح، وتحرمه من الاستمتاع بطفولته كبقية أقرانه. الظروف التي يعيشها مراد لم تنعكس بشكل سلبي على نفسيته فقط بل على مستواه الدراسي، الذي تراجع بشكل كبير في غياب مواكبة الوالدين، وعدم قدرة الجدين على تعويض دورهما. عرضة للاستغلال لا تقل فصول حكاية سفيان مأساوية، فهو بدوره حرم من الدفء والحنان في بيت الأسرة، الذي ظل لسنوات حلبة تحتضن صراعات الوالدين اليومية، قبل أن تنتهي الحروب والخلافات في حياة الزوجين بإعلان الطلاق، الذي لن يشكل سوى نقطة الانطلاقة في مشوار الطفل ذي الرابعة عشر عاما مع المعاناة. «حاولت إقناع والداي بالسماح لي بالعيش في منزل أحدهما»، يقول سفيان، الذي كان يحرص على زيارة والديه، حتى بعد أن تزوج كل واحد منهما ورزق بأبناء آخرين، فهو كان يتمنى أن يعيش في منزل أحد الوالدين، لكنه اصطدم برفض زوج الأم وزوجة الأب لتلك الفكرة. بعد إدراكه بأنه لا جدوى من اللجوء إلى والديه قرر سفيان الاستسلام لقدره بالعيش في منزل جديه، وتحمل ظروف عيشه هناك رغم قسوتها، فهو لم يجد في منزل الجدين الحنان الذي من شأنه أن يعوضه عن غياب والديه، بل على العكس وجد نفسه عرضة للاستغلال على يد أقرب الناس إليه. يؤكد سفيان أن جدته اعتادت الحصول على المال الذي يرسله والده بهدف الإنفاق عليه وتأمين مصاريفه دراسته، حيث كانت تذخر تلك الأموال أو تنفقها في متطلباتها الخاصة بدلا من اقتناء مستلزمات سفيان، فحتى الثياب القليلة التي يرتديها طيلة السنة كانت تشتريها له الجدة من «البال»، ويضيف المراهق أنه يرغم أيضا من طرف جدته على القيام بكل الأعمال المنزلية، التي لم يعتد القيام بها عندما كان يعيش في حضن والديه. غير مرغوب بهما نفس الوضع ينطبق على دنيا ومروان الشقيقان اللذان وجدا نفسيهما بعيدا عن حضن الوالدين، لا لسبب سوى أنهما كانا ثمرة زواج لم يكتب له الاستمرار، حيث حكم عليهما انفصال الوالدين بالعيش في منزل جديهما اللذين توليا مهمة رعايتهما، بعدما تزوج الأب وأنجب أبناء آخرين، بينما غادرت الأم أرض الوطن من أجل العمل وانقطعت أخبارها منذ ذلك الحين. كان الشقيقان يتألمان في صمت بسبب تذمر جديهما من كونهما مضطران للانفراد برعاية دنيا ومروان، خاصة أن الأب لم يكن يلتزم بتسديد نفقتهما، الأمر الذي جعل من دنيا ومروان عبءا ثقيلا على الجدين. بالإضافة إلى المعاناة نتيجة شعورهما بأنهما غير مرغوب بهما في منزل جديهما، كان مروان ودنيا يتوقان إلى رؤية والديهما، ويعيشان على أمل أن ينعما بدفء الأسرة في يوم من الأيام، لكن مرور الأعياد والمناسبات دون أن يتذكر أحد الوالدين السؤال عنهما أو يرسل إليهما هدية يكون كفيلا بجعل ذلك الأمل يتلاشى ويزرع بدله الحزن في نفس الطفلين. شادية وغزو