إذا كان البعض يفضل الانفصال عن العش الأبوي منذ سنوات المراهقة الأولى وقبل حتى أن يشتد العود وتستقل الشخصية، فإن اعتماد كل من محمد وعادل على عائلتيهما كان مفرطا لم ينته حتى بعد تجاوزها سن الشباب. فأصبح الرجلان غير قادرين على تحمل المسؤولية حتى بعد أن تزوج كل واحد منهما وأسس أسرة. فغياب الشروط الأساسية والشخصية القوية والاستقلالية، دفعت الأول إلى اللجوء للطلاق فيما الثاني عاد إلى والديه كالعادة لإيجاد الحل. وجد نفسه في وضع لا يحسد عليه بمشاكل كثيرة بدأت منذ قرر الزواج والعيش مع عائلته حيث تغير كل شيء من حوله ولم يعد يستطيع إيجاد حل لمشاكله التي كان دائما يعتمد على والديه لحلها. الطلاق هو الحل عاش طوال عمره تحت كنف والديه، ولم يكن يعرف شأنا من شؤون البيت، لأن والده كان يتحمل المسؤولية كاملة ولا يترك له مجالا لتقاسم المسؤولية معه سواء في فترة شبابه أو حتى عندما تزوج وأنجب. لذلك لم يجد بدا من الاستمرار في العيش رفقة أسرته بالرغم من المشاكل الكبيرة التي اعترضت سبيله. تعود محمد على التبعية لوالديه فلا يتخذ قرارا دون العودة إليهما، لأنهما عوداه منذ البداية على الاعتماد عليهما في كل شيء. تغيرت حياة محمد للأسوأ منذ أن بدأت المشاكل تنشب بين زوجته وبين والدته. مشاكل بدأت تتزايد وتتراكم بالتدريج إلى أن أصبحت كابوسا ينغص عليه حياته التي تحولت إلى جحيم، لأن زوجته لم تتمكن من التقرب من والدته فوقعت بينهما الكثير من الخلافات. عانى محمد بشكل يومي من خصامات بسبب غياب التفاهم والحوار بين والدته وزوجته لأن كل واحدة منهما كانت تحاول فرض رأيها ووجودها بالبيت غير عابئتين بما تخلقانه من مشاكل له، وعدم قدرته على التدخل لفض النزاع الذي نشب بينهما. اعتماد محمد على والديه في كل شيء دفعه إلى ترك مهمة البحث عن زوجة لوالدته، التي أشرفت على مراحل الزواج بكاملها. لكن اختيارها لم يكن موفقا فسرعان ما تغيرت الأوضاع وكشرت الزوجة عن أنيابها وبدأت تحاول إثبات وجودها بالبيت. مضت الشهور الأولى للزواج هادئة لا مشاكل فيها لكن ما أن علمت الزوجة أنها حامل حتى بدأت تحاول فرض أرائها والانفراد بمنزلها بعيدا عن بيت الأسرة الكبيرة. وهو الأمر الذي رفضه محمد. لم يكن رفض محمد مبنيا على عدم الرغبة في تحقيق مراد زوجته، إرضاءا لوالدته، ولكن لمعرفته المسبقة بأنه لا يمكن أن يعول عليه في تحمل مسؤولية أسرته، وهو الذي اعتمد على والديه بشكل كلي في جميع مراحل حياته. كثرت الصراعات والخلافات داخل المنزل ولم يعد الزوج يستطيع تحمل الأمر فأصبح الهروب هو وسيلته الوحيدة للابتعاد عن ذلك الجو المكهرب الذي أزم حالته النفسية. غابت الراحة عن محمد، ولم يعد مهتما بعمله كما كان الشأن في السابق، وأصبح كل تفكيره منحصرا في الشكايات التي ستستقبله بها زوجته عندما يدخل إلى المنزل. بدأت الزوجة تحاول الضغط على زوجها أكثر بمغادرة البيت بين الفينة والأخرى متوجهة صوب منزل أهلها، ولم يعد زوجها يستطيع تحمل هذه الضغوطات أكثر فاختار الحل السهل بالتخلي عن زوجته وتطليقها، مفضلا حياة العزوبية، التي حن إليها بعد أن نفذ صبره من كثرة المشاكل. والدته أنقذت الموقف تغيرت شخصيته وتحول من شخص مرح لا تفارق الابتسامة وجهه إلى آخر لا ينبس ببنت شفة يقضي وقته في التفكير في المشاكل التي حلت عليه بعد أن تزوج وأنجب، دون أن يتمكن من الاستقلال بحياته وأسرته الصغيرة. تعود عادل على حياة الفشوش في كنف والديه لأنه الابن الأكبر بين ثلاث بنات. هذا الأمر جعله مفضلا وكل طلباته مجابة لذلك كان لا يقوم بشيء سوى الاستمتاع بالحياة دون التفكير فيما ينتظره في قادم الأيام والسنوات تتعاقب تباعا. عادل ذو الخامسة والثلاثين سنة لم يستطع التأقلم مع وضعه الحالي بعد أن تحمل مسؤولية عائلته. وضع فرضه عليه مرض والده الذي كان ينوب عنه في كل أموره. اتكال عادل على والده نتج عنه نقص في التجارب الحياتية للابن الذي غلبته أمور الحياة ووجد نفسه جاهلا بطرق تدبير متطلبات المنزل. يعمل عادل في إحدى الشركات الخاصة ويقبض راتبا متواضعا، يصرفه في قضاء حاجيات البيت التي استعصت عليه ففقد القدرة على السيطرة على ما في جيبه مما يجعله يقضي الأيام الأخيرة من الشهر صفر الجيبين. لم يكن هذا هو المشكل الوحيد بالنسبة لعادل المتزوج والأب لطفلين، فزوجته بدأت تطالب بالاستقلال ببيت منفرد عن والدي زوجها لكن الزوج بإمكانياته البسيطة لم يكن يستطيع توفير طلبها بل ولم يكن يستطيع الاستقلال عن أبويه والعيش بعيدا عنهما. فقد عادل القدرة على السيطرة على الأمور وفقد أعصابه بعد أن أثقل الحمل كاهله وهو الذي لم يتعود إلا على تحمل مسؤولية نفسه دون غيره، وكان كلما استعصى عليه شيء سارع إلى حضن والديه لحل المشكلة. بالرغم من محاولات عادل المتكررة إلا أنه لم يتمكن من تحمل المسؤولية كاملة ليتركها لوالدته التي تدخلت لإنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل فوات الأوان. تدخل الأم لم يكن فقط في تدبير مصاريف البيت، وإنما أيضا من أجل إصلاح علاقته مع زوجته التي فسدت بسبب سوء تصرفه وتقديره للأشياء, وبسبب تدخلاته العنيفة في حقها كلما طالبته بسكن مستقل. كان هدف الأم إنقاذ الأسرة الجديدة من الانهيار، فهي تعرف أنها وزوجها لن يعيشا العمر بأكمله في النيابة عن ابنهما في أمور الحياة. مجيدة أبوالخيرات