عش هانئ ينعم بالسعادة وتزدان أركانه بالورود ويشع الفرح من زواياه.. رجل تلقي برأسها على صدره، فيحمل همومها ويدفع عنها غوائل الحياة ويشعرها بالأمن.. يدللها.. يمنحها إكسير الحب الذي تشتاق إليه روحها وشعور الأمومة التي تكتمل بها أنوثتها. هذه بعض من أحلام كل فتاة قبل الزواج، وعلى هذه الصور ترتسم في ذهنها ملامح البيت الذي سيضمها مع فتى الأحلام القادم ممتطياً صهوة جواده الأبيض. أمّا الشاب فإنّه يرى في مشروع الزواج المرحلة الأكثر أهمية في حياته فهنا سيبدأ مشوار رحلة تحقيق الأهداف التي لا تكتمل سعادة الدنيا بدونها، وستجد روحه العطشى للحب شقها الآخر وسيسعد باليد الحانية التي ستمحو من قلبه وروحه هموم الدنيا. الحلم مشروع لكليهما وهو مقصد الزواج الذي شرعه الله عزّوجلّ بقوله: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (الروم/ 21). - ولكن..!! كم يمكن للزوجين أن يحققا من أحلامهما.. كلها؟ نصفها..؟ أم سيقنعان بتحقيق بعض منها؟ أم أنها ستصبح بعد أشهر قليلة أضغاث أحلام تذرو رياح الخلافات بقاياها؟ فيهدم العش فوق رؤوس ساكنيه؟ سؤال يطرحه القريبون من الزوجين.. ما الذي صدع أركان هذا البيت؟ ولماذا لم يكبر الحلم وقضى طفلاً رضيعاً لم يقدر له أن يحبو ويخطو؟ لقد شاعت في الآونة الأخيرة قضية الطلاق لأزواج لم يقضوا مع بعضهم سوى بضعة أشهر، وازدادت في سجلات المحاكم الشرعية أعداد قضايا الطلاق لزيجات لم يجف بعد حبر عقد قرانها.. قلة الخبرة وتختلف الحكايا وتتنوع الشكاوى ويسعى كل طرف لإلقاء اللوم على الآخر في سبب هذا الطلاق، وتتقاذف العائلتان التهم التي تصبح ككرة النار يلقى كل منهما بها للآخر. قد يكون أحد أسباب الطلاق سلبية الفتاة أو تسرع الشاب وعدم إدراكهما لأساليب حسن التبعل فهذه وفاء ابنة العشرين عاماً روت لنا قصة طلاقها فقالت: أنا فتاة خجولة وطيبة يمكن أن تقولوا عني "على نيتي"نشأت في أسرة متدينة، وكنت لا أعرف من العلاقات بالآخرين سوى ما يدور في محيط العائلة. تقدم لخطبتي شاب من معارفنا، وكان لقاؤنا الأوّل مختصراً جدّاً سألني خلاله بعض أسئلة عن إسمي، دراستي، واخبرني عن عمله ووعد انّه سيهيئ لي سكناً خاصاً ولم تستغرق هذه الجلسة أكثر من عشر دقائق كنت مترددة في الموافقة على الزواج، ولكن أهلي زكوه وامتدحوا عائلته المتدينة ووصفوه بأنّه خالٍ من أي عيب، وتتمناه كل فتاة. مضت الأيام ومنذ أوّل يوم لعقد قراننا طلب منِّي حقوقه الزوجية ما أصابني بالدهشة والصدمة، فامتنعت بشدة وتناقشنا بصوت عالٍ فارجعتي إلى البيت، تكرر طلبه في الأسبوع الأوّل وكنت أرفض بشدة فأنا لا أعرفه بعد وأسلوبه في الطلب كان فظاً وكان الأولى به أن يتودد إليَّ ويجعلني أحبه وأتعلق فيه أوّلاً. وهنا تدخلت إحدى قريباته واتهمتني بالتقصير والفظاظة لكنني لم أكن قادرة على تغيير موقعي، وحدث الطلاق قبل أن نكمل شهراً واحداً. وحملت بجدارة لقب مطلقة فانغلقت على نفسي وعشت مرارة التجربة لكنني أكملت دراستي ثمّ تزوجت من شاب آخر من دون أن أتعلم من تجربتي الأولى، فلم أجلس معه لفترة طويلة ولم أختبره عن قرب لا عرف بعضاً من طباعه، ولا مواصفات الزوجة التي يرغبها وحدث ما لم يكن بالحسبان فقد اكتشفت بعد زواجنا الكثير من الصفات السيئة التي يصعب قبولها والتعايش معها فهو بخيل، فظ، سيء الأخلاق، لكنني برغم كل ذلك كتمت آلامي وصبرت خوفاً من احمل لقب مطلقة للمرّة الثانية وعندها لن يصدق أحد انني مظلومة. زواج.. تكنولوجي وكأن كل تناقضاتنا الإجتماعية، لم تكن كافية لتقويض عروش الأسر الحديث حتى جاءت التكنولوجيا لتضيف هماً إلى كوم من الهموم فتصبح سبباً في طلاق سريع عصف بتجربة زوجية غضة تعرف فيها العروسان إلى بعضهما في غرف الدردشة الإلكترونية على الإنترنيت. أحمد شاب في سنته الجامعية الأخيرة تعرف في أولى مغامراته العاطفية الإنترنتية على فتاة وبادلها الأحاديث والعواطف ولم تستغرق فترة تعارفهما عن بعد أكثر من ثلاثة أشهر ما لبث أن طلب يدها للزواج. زوجته كانت فتاة وحيدة لوالدتها الأرملة، وهي كل ما تملك من الدنيا ولذلك فإن علاقتها بإبنتها بلغت من الإرتباط "الحد المرضي" الذي يزيد عن الحدود الطبيعية.. وهذا كان أوّل مسمار دق في نعش الزوجية.. بل كان الاسفين الذي هدم خيمته وقوض أركانه فقد اعتادت الزوجة أن تشكو إلى أُمّها كل صغيرة وكبيرة.. وان تنقل لها كل خلاف مهما كان تافهاً ولم تكن الأُم أكثر عقلانية بل كانت تطلب من ابنتها أن تحضر إليها وتقيم معها. ويبدأ مسلسل الاسترضاء وتعود الزوجة إلى البيت بعدها لكن الأمر تكرر مرّة بعد أخرى حتى فاض الكيل بأحمد. ويضيف: ذات مرّة منعتها من الاتصال بأُمّها واختطفت سماعة الهاتف من يدها ودفعتها قليلاً.. وذهبت إلى أُمّها مغاضبة.. ومكثت عندها أياماً فوجئت بعدها باستدعاء من المحكمة بدعوى طلاق رفعتها ضدي.. لم أتردد وطلقتها غير نادم وخرجت من المحكمة وفي قلبي غصة وفي عيني دمعة ولم يكن حال أبي الذي رافقني إلى المحكمة بأفضل من حالي في حين كانت وأمها غير مباليتين وكأن شيئاً لم يكن. وتابعت حياتي وسافرت للخارج فأكملت دراستي وصرفت النظر عن موضوع الزواج إلى أجل غير مسمى فمرارة التجربة مازالت عالقة بروحي. القصتان اللتان سمعناهما في السطور السابقة ليستا الوحيدتين بل هناك الكثير من القصص التي تروي النهايات المأساوية لزيجات لم تستمر طويلاً والتي لا يتسع المجال لذكرها جميعاً. الأمر بات يحتاج إلى وقفة صادقة نحلل فيها الأسباب ونضع الحلول فانتشار الطلاق ظاهرة تهدد بنيان المجتمع وتترك ندبة نفسية لدى الزوج والزوجة، عازبين ينضمان إلى طوابير العازبين من الشباب والفتيات في المجتمع. الأسباب كثيرة ومتنوعة بعضها تفرضه العادات والتقاليد وبعضها ينجم عن عدم معرفة كل طرف بحقوقه وواجباته ضمن الإطار الشرعي وقسم آخر من أسباب الطلاق يندرج في باب التدليس والغش الذي يمارسه أحد الطرفين على الآخر. اللقاء الأوّل.. بداية الرحلة السيدة حياة ترى انّه لابدّ من أن يقضي الخطيبان فترة أطول من التعارف في الجلسة الأولى قبل اتخاذ قرار الارتباط، ولا يقتصر الحديث في هذه الجلسة على الأسئلة العامة، بل لابدّ أن يتحدث الخطيبان بصراحة عما يريده كل منهما في شريك حياته، بينما يرى ناصر أن جلسة واحدة لا تكفي ويتساءل: كيف يمكن للشخص أن يتعرف على شريك حياته من خلال لقاء واحد تسوده عادة الرسميات والتكلف؟ ويطالب ناصر بضرورة عقد أكثر من لقاء حتى تتضح الصورة ويحصل بعض الود والتفاهم على نقاط الخلاف، وتضيف عفاف إلى رأي ناصر شيئاً آخر هو أن يتحدث الخطيبان إلى بعضهما بكل صراحة، فالأمر الذي يعقد لأجله اللقاء ليس للاتفاق على رحلة ترفيهية.. إنها رحلة العمر كما تقول عفاف، وتطالب بأن يدع الطرفان التمثيل والتصنع وان يتحدث كل منهما على سجيته وليقدم طلباته وتصوراته مهما كانت صغيرة أو كبيرة. هروب من المسؤولية كما يمكن للتنشئة الاجتماعية نفسها أن تلعب دوراً هاماً في استقرار الزواج واستكمال مسيرته دون مشكلات تذكر ولذلك يرجع أبو حسن أسباب الطلاق المبكر في كثير من الأحيان إلى عدم احترام المرأة لزوجها وطاعته بالصورة التي أمر بها ديننا ونصت عليها الأحاديث، وترى أُم عبد الله أن نجاح الزواج مسؤولية يتحملها الطرفان وان أحد أسباب الطلاق قد يعود لعدم قدرة أحدهما على تحمل أعباء المسؤوليات الجديدة الملقاة على عاتقه ويرى في الطلاق سبيلاً للإنعتاق من هذه المسؤوليات، ولذلك فإنّ الحل من وجهة نظرها يتمثل في تربية الأبناء على تحمل المسؤوليات وممارستها من خلال توكيلهم ببعض المهام كي يكونوا مستعدين للمستقبل. ومن هذا المنطلق تقول أُم أحمد أنّه من الضروري أن يجد الأبناء في أسرهم المثل الأعلى فهم غالباً ما يحاكون طريقة تعامل والديهم مع بعضهم بعضاً. فإذا عاشت الفتاة في كنف أُم صالحة تحترم زوجها فإنّها ستحذو حذوها في طريقة تعاملها مع زوجها، وإذا رأى الشاب كذلك والده يحسن معاملة والدته فإنّه سيتبع خطاه وسيكون زوجاً صالحاً بإذن الله. وهناك الكثير من الأسباب الأخرى التي أوجزها لنا الشيخ محمد الجزاف "المأذون الشرعي" من خلال خبرته الطويلة في التعامل مع عقود القران حيث يقول: الطلاق ظاهرة تتنامى ليس فقط في مجتمعنا بل في عموم المجتمعات البشرية، وهذه الظاهرة لا تقتصر على شريحة حديثي العهد بالزواج بل تشمل حتى الزوجين اللذين قضيا فترات طويلة ولهم أبناء كثيرون. ولعل من أهم أسباب الطلاق المبكر الحب قبل الزواج فكثيراً ما تحصل علاقة عاطفية بين الشاب والفتاة ? طبعاً من الناحية ? الشرعية يحرم نشوء مثل هذه العلاقة التي من شأنها إثارة الغريزة بدون رباط الزوجية ومن المعروف أن الذي يعيش أجواء العاطفة المسيطرة عليه لا يفكر بعقله وإنّما يفكر بقلبه ومَن يفكر بقلبه لا تكون قراراته سليمة، ومن الواضح أن قبل الزواج يرى الاخر كله حسنات وصفات جميلة ولا يرى عيوبه، ولكن عندما يتم الزواج وتفقد حرارة الحب وهجها السابق يكتشف كل منهما الآخر على حقيقته. وقد يعمد أحد الطرفين إلى إخفاء بعض العيوب أو ما له دخل في قرار الشاب والشابة لذلك فإنّه من الضروري مصارحة كل من الطرفين الطرف الآخر ببعض الخصوصيات التي قد تؤثر في قرار الزواج وان كانت تبدو بسيطة، فقد يفضل شكلاً معيّناً لشعر الفتاة التي يريد الزواج منها، واعرف شاباً طلق فتاة اعتمادا على قول أهله بأن شعرها ناعم ? مثلاً ? وتبين له بعد الزواج انّه ليس كذلك وقد تضع الفتاة عدسات لاصقة لتغيير لون عينيها، نحن لا نرى أنّ مثل هذه الأمور كافية للطلاق ما دامت البنت مؤمنة صالحة، ولكن هذا هو الواقع الذي نعيشه فيلزم عدم فتح هذا الباب والمصارحة منذ البداية كما قد يحصل العكس فيخبر الشاب عن نفسه بأمور كطبيعة وظيفته أو راتبه أو انّه متدين مثلاً فيظهر الأمر بعد الزواج خلاف ذلك. وقد تتدخل أسرة أحد الطرفين بطريقة سلبية حيث انّ الشاب والفتاة حديثي الزواج خبرتهما في الحياة قليلة، فإذا ما حصل سوء تفاهم وتم طرح ذلك للوالدين، فإنّ الوالدين إذا لم يكونا بدرجة من الوعي والمسؤولية فإنّهما قد يساهمان في زيادة المشكلة، وتتحول حياة الزوجين المسكينين ميداناً لصراع الأُسرتين ومجالاً للعناد وتصفية الحسابات. كما انّ التغاضي عن بعض السلبيات إعتماداً على إمكانية إزالتها بعد الزواج قد يكون عاملاً هاماً في حدوث الطلاق فقد يرى الشاب في الفتاة أمراً سلبياً في تصرفاتهما ولكنه يتغاضى عنه أملاً بإزالته وعلاجه بعد الزواج، مثلاً يرى البنت غير محجبة فيقول إنني أستطيع أن أقنعها بالحجاب بعد الزواج ولكنه يفشل وتصر الفتاة على رأيها، أو تلاحظ الفتاة أنّ الشاب حاد الطبع عصبي المزاج وتوافق على الزواج منه أملاً بأنّ يتغيّر لكنه لا يتغير، ونحن نوصي بعدم الموافقة في مثل هذه الحالات أن كانت تلك السلبيات تشكل عنصراً مهماً في استمرار الحياة الزوجية. وقد يتسرع الأهل في الموافقة على الزواج فنرى بعض الأسر تزوج بناتها دون التحقق الكامل والمناسب من أخلاق الشاب، ويسلمون ابنتهم سلعة رخيصة بحيث تكتشف الأسرة والفتاة حقيقة الشاب منذ أوّل لقاء لهما بعد الزواج. وفي بعض الحالات يكون التطرف في التدين والمغالاة فيه سبباً لحدوث الشقاق، فبعض الشباب المؤمن يريد أن يحتاط في أمور دينه ويترك كل ما هو مشتبه حتى وان لم يوجبه الشرع أو يحرمه، فمنذ أوّل لقاء مع زوجته يخرجان فيه يقول لها: هذا مكروه هذا شبهة.. هذا فيه إشكال.. بحيث يصدم الفتاة وتعيش هاجس تعقيد الحياة مع مثل هذا الإنسان. هذه الأسباب واقعية وحاصلة في المجتمع وإن لم تكن أسباباً كافية في كثير من الأحيان، وهناك فرق بين ما هو حاصل وما هو صحيح فقد تجد فعلاً من يطلق فقط لأنّه اكتشف ان شعر الفتاة ليس بتلك النعومة التي يريدها أو أن عمرها 21 عاماً وليس 20 عاماً كما اخبر أهل الفتاة وهي أسباب تافهة فيما لو كانت الفتاة ذات دين وخلق وجمال مقبول وأسرة محترمة، ونحن حين تطرقنا لهذه الأسباب غرضنا الالتفات إلى هذه النقاط ومحاولة وضعها بعين الاعتبار من قبل أن تتم عملية الزواج، ولسد كل ثغرة من شأنها هدم الحياة الزوجية الجديدة.