من أجل اقتناء مستلزمات "البلية" من خمور ومخدرات لتزجية ساعات خارج حدود الواقع، قرر ثلاثة شبان اعتراض سبيل المارة وسرقة من يقع في قبضتهم بالعنف. وأثناء تنفيذ عملياتهم صادفوا الضحية، رفقة أحد أصدقائه. كانا في في طريقهما إلى الحي الذي يقطنانه. وبعدما حاصروهما، سلبوا الأول هاتفه النقال ومبلغ 50 درهما. لكن الضحية لم يسمح لهم بتفتيشه، رفضا أن يسلبوه ما بحوزته… لجأ اللصوص الثلاثة إلى تعنيف الضحية لمقاومته إلى أن فارق الحياة، حينها فقط رضخ لسطوتهم قانونهم وهو جثة هامدة.. كسر صراخ الضحية السكون الذي كان يخيم على أحد أزقة «حي البورنيات» بفاس، تلك الليلة الباردة، وبدأ يصل إلى أسماع ساكنة المنازل المجاورة، وبعض العائدين إلى بيوتهم.. لم تسمح الظلمة التي تخيم على الزقاق، رغم وجود الأعمدة التي ترتفع فوقها المصابيح الكهربائية المثبتة على جدران المنازل برؤية ما يحدث غير بعيد عنهم. ولم يجرؤ أحد على التوجه إلى مصدر الصراخ، خوفا من الوقوع في "المصيدة"، واكتفوا بمتابعة صدى الصراخ إلى أن رمقوا شبانا يغادرون بسرعة في جنح الظلام. اقترب بعض الحاضرين من الضحية الذي كان يئن ممسكا بمؤخرة رأسه. كان يطلب الإسعاف، قبل يغمى عليه ويدخل في غيبوبة. ولربط الاتصال بالإسعاف نقل الضحية إلى المستشفى. احتشدت الجموع حول الضحية، الذي كان يكتفي بإلقاء نظرات أخيرة في وجوه المتحلقين حوله. كان الضحية يتنفس بصعوبة، غير قادر على الكلام.. وفي دواخله إحساس، جعله يتمنى لو لم يصادف أفراد العصابة الذين كانوا في حالة هستيرية مستعدين لتنفيذ سرقتهم والحصول على المال، مصممين على تفتيشه لسلبه ما بحوزته. تمنى بعد فوات الأوان أن لا يقاوم المعتدين، ليكون ذلك اليوم آخر يوم في حياته.. لكن هذا الحوار الداخلي الذي شغل بال الضحية «محمد» جاء متأخرا، ولم يبق بيده سوى التشبث بالأمل في الحياة، رغم ما تعرض له من ضرب مبرح تسبب له في نزيف داخلي وكسور في الجمجمة، وتوقف في التنفس ليفارق الحياة رغم نقله إلى المستشفى . عصابة الثلاثة.. ترعرع اللصوص الثلاثة في حي شعبي بأحضان أسر فقيرة، بالكاد أولياء أمورهم يوفرون بعض ضروريات الحياة لأفراد أسر تفتقر لأبسط شروط السكن والحياة والأمن والطمأنينة، بسبب سيادة لغة العنف والسيف التي لم تترك من فرصة للعيش بهذه الفضاءات لال «المسالمين». في وسط يسوده التوتر، وتغزوه محتلف أشكال الانحراف، تعلم الشبان الثلاثة مبادئ الانحراف، التي انطلقت من التدخين، لتواصل المسار نحو السكر حد الثمالة، لوجود جميع التسهيلات لاقتناء المخدرات والخمور وغيرها من السموم التي تنخر أجسام الشبان الذين لم يستطيعون التمكن من طوق النجاة من الموبقات التي تحيط بهم. عاشوا لحظات خارج حدود عوالمهم، لنسيان الشعور بفقدان الأمل في غد مشرق. وما لبثت هذه العدة إلى أن تحولت إلى إدمان يستحيل عليهم مسايرته في ظل ظروف البطالة التي يعيشونها، وفي غياب أي مستوى دراسي أو مبادئ حرفة توفر لهم مداخيل مالية، فما كان منهم إلا أن سلكوا درب السرقة والعنف، وزج بهم بالسجن أكثر من مرة. ولم تكن مدد سجنهم سوى فترة "نقاهة" واستعداد، قبل العودة من جديد إلى ممارسة نشاطهم الإجرامي. كانت جلستهم الأولى عبارة عن استرجاع ل "مغامراتهم" و"بطولاتهم" في ميدان الإجرام. قرر الشبان الثلاثة سلك درب السرقة لتلبية حاجياتهم الضرورية والكمالية، إضافة إلى سلك درب العنف لحل مشاكلهم ونزاعاتهم. وهو الأمر الذي جعلهم محط أعين رجال الأمن كلما تقدم الضحايا بشكاياتهم. لتكون الحصيلة من هذه السرقات، حصولهم على عقوبات حبسية جعلت سجلهم حافلا بالسوابق العدلية. كانت «سمعة» سجين من أجل السرقة، تلاحقهم، فيظهرون نوعا من الأسف الآني. لكن سرعان ما يعودون إلى ممارسة السرقة والتهديد، د،ن أن يتوانوا في استعمال العنف، بعد كل مغادرة للسجن، في غياب البديل الذي لم يبحثوا عنه لكي يجدوه، متجنبين عناء إيجاده. فقط عوالم الانحراف والسرقة كانت تغريهم بالاستمرار في مدينة تزايدت بها أعداد العاطلين. كان نشاطهم الإجرامي يتم وفق تخطيط محكم حددوا مساره، الذي يبتدئ باختيار الأزقة المظلمة والخالية من المارة، وبعدما يترصدوا ضحاياهم ينتظرون عبور أحدهم لذلك المكان، ليعترضوا سبيله شاهرين أسلحتهم البيضاء في وجهه. وبعد إخضاعه لتفتيش يستحوذون خلاله على كل ما يجدون بحوزته من مال أو هواتف نقالة. حتى الملابس من أحذية رياضية، أو المعاطف ذات القيمة تكون هدفا لسرقاتهم، فغايتهم الواضحة هو سلب الضحايا كل ما يمكن أن يعود عليهم بربح بعض الأموال خلال عملية السرقة، بعد بيع المسروقات بالأسواق العشوائية التي تعج بالسلع والبضائع المشكوك في مصادرها. قتل من أجل السرقة واصل اللصوص الثلاثة نشاطهم في درب السرقة بالعنف والتهديد بالسلاح الأبيض بنجاح مكنهم من تنفيذ 15 عملية سرقة، وفرت لهم مداخيل مالية تلذذوا بها في التمتع ب «ليالي حمراء» برفقة خليلاتهم، لإشباع نزواتهم بعد تسويق المسروقات بطرقهم الخاصة، وكأنها عين لاتنضب دون أن يقعوا في قبضة رجال الأمن. في المقابل استمرت معاناة الضحايا الذين منهم من عدل عن تقديم شكاية، خوفا من الانتقام، أو أن الذي سلب منهم لايتطلب تقديم شكاية وتتبع أطوارها في حال إيقاف الجناة. ومنهم من تقدموا بشكايات مرفقة بمعلومات تخص الطريقة التي سلكها اللصوص لسرقتهم. في تلك الليلة الباردة كانوا على موعد مع تنفيذ السرقة التي ستدفعهم إلى ارتكاب جريمة قتل بعدما نفد ما كان لديهم من مال. وكعادتهم بدأوا مساءهم بتدير أمورهم من أجل احتساء أكواب من الخمر كان يجعلهم أكثر "شجاعة" وتهورا عند تنفيذ سرقاتهم. في الموعد والوقت المحددين التقى الشبان الثلاثة.. شرعوا في شرب الخمر ومع مرور الوقت وسريان المادة المسكرة في عروقهم ارتفعت قهقهاتهم غير حافلين بوضعيتهم التي تثير انتباه وقلق السكان والمارة، كما تثير خوف النساء خاصة، قبل أن يقرروا التوجه إلى أحد أزقة «حي البورنيات» المظلم، حيث كان عليهم الانتظار والترصد قبل تنفيذ إحدى العمليات. بعد مرور بعض الوقت، وبينما هم متربصون بأحد ضحاياهم، شاهدوا أحدهم قادما رفقة أحد أصدقائه. كانا مارين بالزقاق المظلم. ولكي لا تثير «عصابة الثلاثة» شكوكهما، ظلوا منتظرين حتى قطعوا نصف طول الزقاق فتحركوا صوبهما. فوجئ الضحية وصديقه بمحاصرتهما من طرف أفراد العصابة وأسلحتهم البيضاء المشهورة في وجوههم.. ارتفعت دقات قلبيهما وشعرا بالخوف. اختار صديق الضحية أسلوب الهدنة وتركهم يسلبونه هاتفه النقال ومبلغ 50 درهما. وفي الوقت الذي حاولوا تفتيش الضحية تمكن من الفرار وتركه لوحده في مواجهة اللصوص الذين بادروا إلى ضربه بعدما رفض تفتيشه. وتحت تأثير الخمر وهاجس السرقة واصلوا تعنيفه بسلسلة من اللكمات والركلات بمختلف أنحاء جسمه إلى أن فقد وعيه وسقط أرضا ليلفظ أنفاسه الأخيرة. القبض على عصابة الثلاثة فارق الضحية الحياة بالمستشفى، وإثر ذلك باشرت عناصر فرقة الأبحاث الأولى مهامها لفك لغز هذه الجريمة. ومن أجل ذلك انطلقت الأبحاث في مسرح الجريمة. تبين من خلاله أن الجريمة وقعت قبل آذان صلاة العشاء، وهناك من السكان من شاهد أحد أفراد العصابة المعروف بسوابقه العدلية في حالة غير طبيعية. لقد كان آخر من غادر مسرح الجريمة، حيث واصل تعنيف الضحية «محمد». بعد التوصل إلى هذه المعلومات انخرط رجال الأمن والمخبرون في حملة لإيقاف المتهم التي أدلى بعض الشهود بمعطيات عنه. كان لا يعلم أن رجال الأمن يبحثون عنه بعدما فارق الضحية «محمد» الحياة، واستمر في البحث عن ضحية أخرى تلك الليلة. تمكن رجال الأمن في نفس الليلة من إيقاف المتهم الأول الذي اعترف بالمنسوب إليه، وكشف عن أسماء وهوية باقي أفراد العصابة الذين شاركوه في تنفيذ سرقاتهم التي كبلتهم بجناية القتل المقرونة بالسرقة تحت التهديد بالسلاح الأبيض. وفي نفس الليلة اقترفوا سرقة أخرى. لكن السرقة التي انتهت بجناية القتل قادتهم إلى يد العدالة بمحكمة الاستئناف بفاس بتهمة الضرب والجرح المفضيين للموت، بناء على اعترافاتهم بتكوين عصابة إجرامية تخصصت في السرقة تحت التهديد بالسلاح الأبيض ليجدوا أنفسهم بالسجن في انتظار انطلاق محاكمتهم. فاس: محمد مقدام