حين فتحت شركة «سلطان غاز» أبوابها قبل خمس سنوات، ظن شباب بلدية مديونة، أن الاستثمار التركي جاء ليكسب أرباحا بالمغرب حيث تكلفة اليد العاملة لا تقارن بنظيرتها في أوروبا، وينتشلهم بالمقابل من بطالة مزمنة أرخت بظلالها منذ عقود على كل شيء في القرية الصغيرة على هامش الدارالبيضاء. لكن التجربة لم تثبت صدق الانتظارات. فمنذ إنشائها لم يتوقف مسلسل شد الحبل بين العمال والإدارة، تغذيه تارة التوقيفات الجماعية والاحتجاجات بخصوص الإمعان في عدم احترام الحقوق الاجتماعية للعمال، وتارة أخرى المضايقات والتحرشات والسب والشتم والإهانة. آخر فصول الصراع، الوقفة الاحتجاجية التي نظمها عمال الشركة صباح أمس الخميس للتنديد ب «الطرد التعسفي» الذي تعرض له 12 عاملا في ظروف ملتبسة كما جاء على لسان عبد الواحد الأحرش، الكاتب العام للمكتب النقابي لعمال شركة «سلطان غاز». «تاريخ طويل من هدر الحقوق وفرض الأمر الواقع بالقوة» بهذه العبارة لخص أحد العمال المشاركين في الوقفة طبيعة العمل داخل الاستثمار التركي منذ شروعه في الإنتاج سنة 2005. بدون تغطية صحية إجبارية ولا حق في الأقدمية ولا ورقة أداء، استمر هذا العامل في تلقي مبلغ 1800 درهم كراتب شهري لمدة أربع سنوات، قبل أن يقدم مدير الشركة على رفع المبلغ إلى 2200 درهم قبل 5 أشهر، مباشرة بعد نشر «الأحداث المغربية» لتحقيق حول الوضعية الاجتماعية الكارثية للعمال في عدد من الوحدات الصناعية في مديونة. إمعانا في تلميع الصورة، أقدم مدير الشركة « التركي» على طرد المسؤول المغربي المكلف بأداء «جوايات» الرواتب للعمال، بعد اتهامه علنا بأنه المسؤول عن الاختلاسات التي كانت تطال أجور العمال، وأن الشركة براء منه براءة الذئب من دم يوسف !! غير أن صورة العلاقة داخل «سلطان غاز» ما لبثت أن تلطخت بإقدام الإدارة على إجبار العمال على الإمضاء على إجراء مسطري غريب في حالة ما إذا أرادوا الحصول على ورقة الضمان الاجتماعي. الأمر يتعلق ببصم تواقيعهم أسفل ورقة بيضاء في مكتب المسؤول عن العمال بالشركة. «كل من يتضامن معنا يكون مصيره الفصل أو التهميش» هكذا أنهى عبد الواحد الأحرش حديثه ل«الأحداث المغربية»، في إشارة إلى المضايقات التي يتعرض لها المكتب النقابي أولا، وعدد من المسؤولين عن الموارد البشرية الذين عبروا عن تضامنهم الصريح مع العمال، أمام إدارة الشركة، حيث إن المكتب كان يجد أمامه محاورا جديدا يمثل الشركة عند كل جلسة حوار جديدة. هاتف شركة «سلطان غاز» رن طويلا قبل أن يجيب صوت في غاية الأدب من الجانب الآخر لخيط الاتصال. طلب من «الجريدة» الانتظار قليلا حتى العثور على الشخص الذي يمكنه تقديم وجهة نظر الشركة في الموضوع. استمرت موسيقى المجيب الآلي في التكرار... إلى أن عاد الصوت المؤدب متأسفا على عدم وجود الشخص المطلوب في ذلك الوقت.