كما نتوقف للاستفسار في الاتجاه المعاكس الإخوة الجزائريين: إذا كان خلق مشاكل وأزمات للمغرب يحقق سعادة للجزائر، فهل إنجاز وتحقيق سعادة للمغرب قد يؤدي إلى تعاسة وأزمات للجزائر؟ مقدمين في ظل هذا الاستفسار مثالين كبيرين حققا مؤخرا سعادة كبرى للمغرب- ولا ندري ماذا حققا للجزائر؟-ويتعلق الأمر بأولهما الذي أسميناه: «التدبير الديمقراطي والحقوقي لملف الهجرة لدى جلالة الملك…» وقد بينت بعمق هذه المبادرة الملكية تفاعلها الإيجابي مع التقرير الموضوعاتي للمجلس الوطني لحقوق الإنسان عن قضايا وإشكالات الهجرة، هذه السعادة التي عبرت عنها الهيئات الوطنية والدولية المدنية والحقوقية والسياسية في الداخل، بل إن حجم هذه السعادة المغربية لم يتوقف على الأبعاد الداخلية فحسب، إنما تعداها إلى الخارج من خلال الإشادات والتثمينات الدولية: الأوربية والإفريقية والأمريكية حكومات ومنظمات ومؤسسات، بهذه المقاربة الحقوقية والقانونية والإنسانية الجبارة والعادلة، ولو أننا كنا ننتظر إشادة وتثمينا جزائريا بهذه المبادرة، خاصة وأن الجزائر معنية أيضا بالموضوع، لكننا لمسنا صمتا جزائريا رهيبا ومطبقا، وهنا نتوقف لمجرد الاستفسار: هل أتعست وأغضبت وشنجت وأقلقت هذه السعادة المغربية أختنا الجزائر؟ أما المثال الثاني الذي أسعد المغرب والمغاربة حقا فقد كان الاستقبال التاريخي لمالي وباماكو والماليين رئيسا ومؤسسات وشعبا للزيارة الملكية التاريخية لمالي، والتي كانت استقبالا بحفاوة شديدة تحمل دلالات مشبعة بمعاني المحبة واللحمة المغربية الإفريقية، ومعبرة أيضا وبعفوية عن العمق الحضاري للثقافة والشخصية المغربية في هويتها الإفريقية، وأبعادها الصحراوية التي عملت الجزائر لعقود على احتضان «مشروع بتر المغرب عن عمقه الصحراوي»، ودعم أذياله بكل ما تملك من قوة وضعف أيضا، لكنها كانت تثبت في كل حين فشلها فيه. كان إذن المثالان المقدمان وباختصار شديد، نموذجا معبرا عن النماذج التي حققت سعادة عظمى للمغرب، وتبقى إشارتنا مجرد استفسار لإخواننا الجزائريين: هل إن تحقيق هذه السعادة للمغرب قد سبب تعاسة للجزائر؟ ولو أننا في الآن نفسه لا ننكر أننا في ظل هذه المبادرات الملكية التي حققت سعادة للمغرب، نعاني ونتألم من مبادرات بنكيرانية، قد جلبت لنا الشقاء والتعاسة المطلقين، وعلى رأسها الأزمة الحكومية التي بينت بحق سعاد ة السيد بنكيران لحزننا، فضلا على اعتماده عملية الجلد المستمرة والتي هي لواحة للبشر، لا تبقي ولا تذر، فيما يخص الأسعار والأثمان وفق «نظام المراقصة» الذي سماه خجلا ب «المقايسة»، فالرقص بالأسعار مع الذئاب يغدو مقايسة لكن بدون قياس، ومثلما سمحنا لأنفسنا بالتعليق الحكومي الذي أطل به البعض باسم بوتفليقة وهو يعاني من شلل جزئي، فإننا نسمح لإخواننا الجزائريين ومن باب إبداء الرأي التعليق على المبادرات الملكية التي حققت لنا السعادة، والمبادرات البنكيرانية التي أحدثت لنا البؤس والشقاء والتعاسة.