مشاهد رمضانية : صناعة السهر في ليل رمضان بالدارالبيضاء علب ليلية تحقق إيرادات تصل إلى 9 ملايين سنتيم في الليلة الواحدة من جلسات سمر المقاهي إلى ملاهي عين الذئاب : لكل سهرته … لكل ثمنه ! نفس الحراس الخاصين … نفس «الفيدورات» ومعاونيهم … نفس الأضواء المتدرجة من الطغيان إلى الفتور وفقا لحالات الزبناء وهواهم … نفس الجلبة في المداخل ونفس الأنفاس والأجساد المتحركة على إيقاع الموسيقات الراقصة. فقط لا أثر لروائح الكحول، لأن الشهر رمضان والناس صيام. وتكشف إحصاءات صدرت قبل سنتين على أن نسبة المغاربة الذين يسهرون ليلاً في الشهر الكريم تصل إلى 69 في المئة، وأن الذين ينامون ما بين ست وثماني ساعات فقط خلال رمضان يشكلون نسبة 65 في المئة. وجاء في تلك الإحصاءات أن المغاربة يقضون ليلاً قصيراً في هذا الشهر الفضيل، وأن الذين ينامون أقل من النسبة المحددة عملياً تتسع من 11 في المئة إلى 38 في المئة في رمضان. «النشاط» المربح ! «الفرجة مقابل المال أو الربح هدف كل أصحاب المقاهي والحانات والكباريهات» يؤكد دريس، صاحب ملهى ليلي بعين الذئاب، فيما يصرح الجيلالي كبير الحراس الخاصيين بأحد فنادق لا كورنيش عين الذئاب للأحداث المغربية بأن « تسعيرة ولوج الكباريهات خلال هذه الفترة من السنة شبه موحدة ، وتتراوح بين 100 و 300 درهم حسب البرامج المعروضة والفنانون المطلوبون في إحيائها، فيما يصل ثمن قنينة ماء في بعض كباريهات الدرجة الأولى إلى 180 درهما أو أكثر، ويكلف استنشاق دخان الشيشة 200 درهم في هذه الكباريهات و100 درهم في أماكن أخرى» . الجيلالي أكد بأن ما تجنيه هذه الكباريهات خلال ليل رمضان يتجاوز بكثير الأرباح المحصل عليها باقي أيام وليالي السنة، بالرغم من تقديم المشروبات على مسار طويل ممتد لثلاثة كيلومترات، يجمع بين شارعي لاكورنيش والمحيط الأطلسي على الحدود الفاصلة بين أرض وبحر الدارالبيضاء، تثير انتباه الزائر السديم المتصل من الأبواب المضاءة والإعلانات المتجاور حتى ليخيل إليه أن الأمر يتعلق ملهى ليلي كبير متصل لا يفصل بين فضاءاته سوى الأسوار الصغيرة التي تحول بين باب وآخر. صور مطربين معروفين ومبتدئين تغطي أبواب الكباريهات والمطاعم وعلب الليل. يتوقف الزوار طويلا للبحث عن ضالتهم بين الصور المعروضة، وتتحكم الصدفة كثيرا في اختياراتهم كما جاء على لسان السيمو وصديقتيه القادمتين من فاس في تصريحهم العفوي للأحداث المغربية « ليست لنا وجهة محددة في كل ليلة. نأتي إلى عين الذئاب ونستعرض كل البرامج المعروضة وغالبا ما نختار بالتوافق حول مكان السهر في كل ليلة». «الجمرة» … « الموال » …«رياض السلام» … أسماء من ضمن أخرى تتحول إلى نجوم تضيء ليل عين الذئاب الصاخب. « لكل موقع زبائنه، لكل موقع ثمنه» يضيف نجيب الذي بدا على استعداد لولوج أحد كبار ملاهي عين الذئاب في حماس زائد. دريس كشف للأحداث المغربية سر ارتفاع أثمان الاستهلاك في رمضان داخل هذه الفضاءات، مبرزا أن الأثمنة التي يطلبها هؤلاء الفنانون تكون مرتفعة، حيث أن الأسماء المعروفة التي تؤدي الأغنية الشعبية تصبح الطلب الأكبر خلال رمضان . وكمثال على ذلك، كشف دريس للجريدة أن القيمة الحقيقية للتعاقد مع فنانين مغاربة مشهورين بتأديتهم للطرب الشعبي، تكلف ميزانية إدارة العلبة الليلية أو الفندق ما بين 8 آلاف و مليون سنتيم عن الليلة الواحدة، فيما يرتفع الأجر عند أسماء معينة إلى ضعف هذه المبالغ كمقابل عن أدائها الموسيقي في الليلة الواحدة. وفيما يتحفظ معظم أصحاب صالات الموسيقى عن الحديث حول أرباحهم الصافية كل ليلة، فإن بعض المصادر تفيد بأن أن بعض الكباريهات والعلب الليلية يتراوح مدخولها في الليلة الواحدة ما بين 40 و60 ألف درهم، وأخرى داخل الفنادق المصنفة في الفئات العليا إلى ما يزيد عن 90 ألف درهم لليلة الواحدة. المقاهي : سهر وسمر دون «مضاعفات» السهر خلال هذه الليالي في المغرب لا يقتصر على مكان محدد، بل تتعدد الأمكنة وتتنوع حسب مرتاديها، لكن الأكثر رواجا تلك التي تقع على كورنيش الدار البيضاء. معظم المقاهي في هذه المدينة، التي تعد قلب المغرب النابض، تظل مغلقة خلال النهار إلى حين موعد الإفطار، حيث يقدم بعض المقاهي وجبة الإفطار للصائمين، وتستمر مفتوحة في وجه الزبائن حتى مطلع الفجر، حيث يقدم بعضها وجبة السحور. هذه المقاهي تبدو مهجورة في النهار ومكتظة في الليل، تتوزع على أرصفة شاطئ «عين الذئاب» وشاطئ «سيدي عبد الرحمن»، الليل يضيء بأنوار المقاهي وأضواء السيارات، ووجودها قرب البحر في هذا الصيف القائظ، جعلها قبلة لعشاق السهر، تزدحم شوارعها وتمتلئ أرصفتها، سيارات ودراجات حشود من الناس منهم من يمشي فرادى ومثنى ومنهم ما دون ذلك. تنتابك الحيرة نحو أي مقهى تقصد وأي نوع من الموسيقى تستمع، فلا يخلو مقهى من غناء أو موسيقى، تحييك على نغماتها وترحب بك. ‘‘ فاماغوستا ‘‘ ... ‘‘ رياض الأندلس ‘‘ ... ‘‘ رياض 21‘‘ .. ‘‘ جوهرة ‘‘... ‘‘ ألافيس‘‘... ‘‘ المنتدى ‘‘ ... ‘‘ شرم الشيخ ‘‘ ...‘‘ الجيزة ‘‘ ... أسماء مقاهي تحتل عناوين أحاديث الناس قبل وبعد الإفطار، على أن تكون موعدهم في اللقاء. العشرات من المقاهي تتحول إلى ‘‘ نجوم الليل ‘‘ البيضاوي بامتياز، وتصبح الوجهة الأنسب والأكثر إقبالا. من عين السبع إلى الحي المحمدي، ومن درب السلطان إلى حي مولاي عبد الله، ومن الحي الحسني إلى الألفة والمستقبل، تزدحم المقاهي الشعبية وتلك التي تتوسط الأحياء الراقية، بالزوار من مختلف الأعمار والشرائح الاجتماعية. نبيل ورياض، شقيقان مسيران لمشروع مقهى عائلي يعرف رواجا منقطع النظير في رمضان كشفا للأحداث المغربية بأن ‘‘ الرواج تجاري هام للمقاهي في ليالي رمضان بخلاف نهاراته، حيث تنعدم الحركة ويغيب الزبائن مما يجعل البعض من رمضان فرصة للقيام بالإصلاحات داخل مقاهيهم ‘‘ مضيفين ‘‘ بأنه لا يجد الوقت للراحة في ليالي رمضان، إذ تمتلئ المقهى لديه عن آخرها بالزبائن، فمنهم من يأتي لارتشاف كأس شاي فقط، ومنهم من يجد لذته في مراقبة المارة، وآخرون يكتفون بالسمر والتنكيت والضحك على نوادر نهار رمضان وطرائفه‘‘. نبيل ورياض ينتظران حلول الشهر الفضيل و لياليه الحميمية بفارغ الصبر، لأنها تفتح لهما الباب أمام مكاسب مالية كبيرة جدا، تعد بانطلاقة مالية جيدة بعد انصرام رمضان، اذ تعود الحالة إلى شبه ركود دائم. بالعودة إلى عين الذئاب، تتشابه المقاهي في الظاهر أو تختلف، مقاه اختارت التعاقد مع مطربين، ونصبت قرب ساحل البحر، خياما على الرمال لكنها لا تحظى بالكثير من الحظ في منافسة مواقع متمرسة في صناعة السهر كعلب الليل أو الحانات المتحولة لصناعة الفرجة دون كحول. سهراتها تحييها فرق من الغناء الشعبي والراي والفلكلور، كما تحييها في بعض المقاهي مكبرات الصوت التي ينساب منها صوت أغان متنوعة. ألعاب وملاهي الأطفال : «حك جيبك أبابا» ! الأطفال. مصدر الرزق الجديد للعشرات من أصحاب مواقع الألعاب والملاهي في ليالي رمضان. توفيق، أب يرافق ابنتيه لينا وهدى، التقته الأحداث المغربية في مدخل ملهى الأطفال المتنوع والكبير بمبنى « الموروكو مول» صرح للجريدة «بأن مصاريفه لا تقل عن 400 درهم في كل مرة يصحب ابنتيه إلى هذا الفضاء. «للأسف ليس هناك خدمات مماثلة على مستوى العاصمة الاقتصادية بكاملها قادر على توفير فضاءات ألعاب دون خطورة وبثمن أقل» يضيف توفيق في حسرة هادئة. «حك جيبك أبابا» عبارة ترددها لينا، كبرى بنات توفيق في كل مرة تنتهي فيها شحنة «الكارت» المحدد لحصص اللعب في مختلف فضاءات لعب ملهى «موروكو مول». تذاكر بشحنات تمتد من 25 درهم إلى 100 درهم، وتستعمل لوقت محدد، يتم بعد انقضائه إجبار الآباء على سحب تذاكر جديدة. «الطعم» يضيف توفيق « يتمحور حول هذه النقطة تحديدا. إذ غالبا لا تكفي تذكرة ال100 درهم سوى لإجراء ألعاب قليلة فيما يكون ارتباط الأطفال بباقي الألعاب في ذروته. على الفور ندخل في مفاوضات مع صغارنا من أجل سحب تذاكر أخرى. وهو ما لا يتم دون كثير شذ وجذب» . «حك جيبك أبابا» لازمة لينا، أصبحت مدعاة لسخرية جماعية في محيط فضاء الألعاب داخل «الموروكو مول» في تلك الليلة. من ليست لهم القدرة المادية على مجابهة صرح الألعاب العجيب داخل «الموروكو مول»، يكتفون بالألعاب الشعبية المشهورة جدا في ساحل عين الذئاب. «عربات التساطيح»، «الطيارة»، «قطار الأطفال» … تشكل ملاذا لا غنى عنه لمن أراد إخراج صغاره في ليل رمضان دون تسجيل خسائر كبيرة في جيبه وميزانيته، المثقلة أصلا من تبعات مصاريف الشهر الفضيل التي لا تنتهي.