تحول محمد إلى رجل مسلوب الإرادة فاقد القدرة على التصرف في أمواله بحكم من المحكمة، بعد أن رفع عليه أبناؤه قضية حجر، وضعوا على إثرها أيديهم على كل ممتلكاته،وأصبح هو مجرد ضيف بمنزله، وضع لم يرض محمد واعتبره ظلما من طرف العدالة ونوعا من «السخط» وجحودا من طرف أبنائه الذين لم يبخل عليهم بتوفير طلباتهم في الصغر، ليردوا له الصاع صاعين في أرذل العمر. أصبح منطويا على نفسه لا يتكلم إلا مع الناس الذين لا يعرفون عنه أي شيء. يغادر المنزل صباحا متوجها صوب إحدى الحدائق العمومية التي يجالس فيها الشيوخ من سنه، والذين لم تكن تجمعه بهم معرفة من ذي قبل ولا يعود إلى بيته إلا حينما تدق ساعة النوم. تغيرت حالة محمد النفسية منذ حكمت المحكمة لأبنائه بالحجر عليه، وحرمانه من التصرف في ممتلكاته، وتحول من صاحب بيت وأملاك إلى مجرد شخص ينتظر ما يجود به عليه أبناؤه من فتات أمواله التي كانت ملكا له في السابق. قضى محمد حياته في الانكباب على عمله في التجارة وجمع المال، من أجل تكوين ثروة لا يعرف طريقا للراحة، ولا يضع برنامجا للسفر والاستمتاع بما في الحياة من متع، لكنه استفاق متأخرا من سباته الذي استمر سنوات طويلة بعد أن أشبع رغبته في جمع المال. أصبح المال بالنسبة لمحمد الذي شارف على السبعين سنة وسيلة للمتعة، لذلك أصبح لا يفوت فرصة للاستمتاع بحياته، وصرف أمواله في سبيل هذه المتع، فكان يرتاد الملاهي الليلية، ويقضي معظم وقته في المقاهي مع فتيات من عمر بناته. هذه الأشياء التي حرم منها محمد في مقتبل حياته، بدأ يتداركها، وهو في خريف العمر، ناسيا أن سنه لا يسمح له بالقيام بمثل هذه الأفعال التي تجلب العار لأبنائه وكل أفراد عائلته، لأن الناس يعيبون عليه القيام بهذه التصرفات الصبيانية في هذه السن المتأخرة. كبر الرجل وشاخ وأصاب عقله الخرف، وأصبح أبناؤه يخجلون من سلوكاته، خاصة عندما يلتقون به رفقة إحدى عشيقاته، في أحد الأماكن العامة والمقاهي التي أصبح مدمنا على ارتيادها، فيجدون أنفسهم مضطرين للمغادرة وتجنب رؤيته لهم حتى يحافظوا على علاقة الاحترام معه. أهمل الرجل منزله وأبناءه ولم يعد يدخل إلى البيت إلا في وقت متأخر من الليل، ولم يعد لبيته إلا النذر القليل من المال، الذي يصرفه على حياة «الزهو» والتي أصبح حريصا على حضورها وعدم تفويتها كل ليلة. هذه السلوكات لم تعد تروق لأبناء محمد الذين عيل صبرهم، ونفد، لأنهم كانوا أول المتضررين من إسراف والدهم في تبديد أمواله على بنات الهوى و«القصاير» وبدؤوا في التفكير في الطريقة التي تجعلهم يستفيدون من ثروة والدهم وتمنعه بالمقابل من تبذيرها على أمور تضر بسمعته وسمعة عائلته بكاملها. فتح قناة للحوار والنقاش بين الأبناء والأب المسرف، لم ينفع في كفه عن الطريق الذي اختار السير فيه بمحض إرادته في آخر حياته، بل إن هذا النقاش لم يزده إلا عنادا، وإصرارا على مواصلة المشوار، الذي بدأه بعد أن فقد القدرة على السيطرة على نفسه، والرجوع عما يقوم به. بعد بحث طويل، توصل الأبناء بمساعدة أحد المحامين إلى الحل الأمثل، ألا وهو اللجوء إلى المحكمة لطلب الحجر على والدهم، ومنعه من تبديد ممتلكاته على العاهرات، لكن المشكلة التي صادفتهم هي الأدلة التي تدين الأب وتقنع المحكمة بفقدانه الأهلية لإدارة ممتلكاته وأمواله، لكن شهادة الشهود أكدت كل ما اتهمه به الأبناء. حكمت المحكمة بعدم أهلية الأب بالتحكم في ممتلكاته وتسييرها، ومنحت الحق للتصرف فيها للأبناء، وهو الأمر الذي لم يستسغه الأب ولم يستطع تحمل صدمته، واعتبره نوعا من الظلم والحيف في حقه، لأنه لم يفهم أن تأخذ منه أمواله وتسلم لغيره وهو مازال على قيد الحياة. اتخذ الأب موقفا من أبنائه، واعتبر تصرفهم نوعا من «السخط»، خاصة بعد أن وجد نفسه في مأزق لم يكن يظن أنه سيجد نفسه فيه في يوم من الأيام، واعتبر أن أبناءه تآمروا عليه مع والدتهم التي كانت تخاف أن يتزوج من أخرى. قرر الأب أن يقاطع جميع من في البيت، وانطوى على نفسه، طالبا الوحدة والابتعاد عن أي نوع من الاحتكاك بأبنائه وزوجته، واختار العيش وحيدا في غرفته، كغريب عن البيت، مكتفيا بالتواصل مع الناس الذين تجمعه بهم جلساته المسائية في الحدائق العمومية حيث يعمل على تفريغ همومه عليهم ويشكو إليهم جحود أبنائه، وإرثهم له وهو على قيد الحياة.