يجمع المتتبعون لمسيرة المؤسسة العسكرية في المشهد السياسي بالجمهورية المصرية اعتماد الجيش في مقاربته للتحولات المتلاحقة –لاسيما في مرحلة الحراك وما بعدها- على استراتيجية ذكية أساسها تحصين مكانته الرمزية من خلال ثلاث نقط أساسية: أولا : تكريس دورها الحاسم في التدخل في الوقت المناسب، وتبرر ذلك استنادا على مسؤوليتها الوطنية والتاريخية كما يرد في بيانات المجلس الأعلى للقوات المسلحة، مكسبا قراراته صفة الحسم والفاعلية، فانحيازه إلى صفوف المحتجين في 25 يناير وفي 30 يوليوز، كان إيذانا بنهاية حكم محمد حسني مبارك وكذا حكم محمد مرسي العياط. ثانيا : قرارات المؤسسة تربطها بالمصلحة العليا للشعب، من خلال تعهدها باحتواء الأزمة وانحيازها إلى صف الشعب ورد ذلك في بياناتها و قد جدد هذا الكلام في الحوار المسجل بين مرسي ووزير الدفاع عبد الفتاح السيسي – كما نقلته جريدة الوطن المصرية في عددها ليوم 5 يوليوز-، افتتح الرئيس بتمسكه بالشرعية ودور الجيش في حمايتها، رد السيسي بأن الجيش كله مع إرادة الشعب وأغلبية الشعب، واختتم الحوار بقوله بأن «الشعب هو اللي هينتصر». ثالثا : تدخل المؤسسة العسكرية الحاسم يأتي من أجل تحصين مكاسبها على المستوى الداخلي: في الميدان السياسي بتزكيتها لدوره الفعال على رأس الهرم بمصر وعلى الميدان الاقتصادي حفاظا على مصالحها، وأخيرا فيما يخص ميزانيته السنوية والتي تسعى إلى استبعاد أية إمكانية لمناقشتها أو التحفظ عليها أو تقليصها … وعلى المستوى الخارجي: فيما يخص الحفاظ على المساعدات التي تتلقاها بالأساس من الولاياتالمتحدةالأمريكية. إن دور المؤسسة العسكرية المصرية في الساحة السياسية من المتوقع ألا يتراجع في اللحظة الراهنة وما بعدها، فقد يسعى إلى إبقاء وضعه على ما هو عليه مع إدخال تحسينات لا تمس الجوهر، ففي هذه المرحلة طبيعي أن يلجأ الجيش إلى تحصين مكاسبه والدفاع عنها، وقد يستدعي الأمر نضالا جديدا من المؤسسة المدنية بعد الانتهاء من تحدي المرحلة الانتقالية عبر مأسسة المشهد السياسي وتكريس ثقافة الديمقراطية، باعتبارها أولى الخطوات لإحياء العملية الديمقراطية بالبلد، فرغم نجاح المصريين في إسقاط رأس النظام إلا أنهم فشلوا في تغيير «فلسفة النظام» وبنيته حسب تعبير ناصر عارف أي طريقة العمل وأدواته وأجهزته، بعد النجاح في ذلك، ستكون مهمة إخراج الجيش من السياسة أمرا يسيرا. في الأخير، في الحقيقة إن الارتباك الحاصل حول دور المؤسسة العسكرية مرده كما سبق إلى فشل الثورة المصرية في الإجهاز على النظام أولا وفشلها ثانيا في إرساء نظام بديل، لذلك كان من الطبيعي أن تنجر مصر إلى احتقان سياسي داخلي؛ حول شرعية الرئيس السابق والانقلاب أو تصحيح مسار الثورة، وهو أمر محمود مادام نقاشا للأفكار … لكن المؤسف حقا أن يسقط الجميع في معركة الدماء، إلى درجة أن العنف هو المتصدر للمشهد السياسي فيما المنطق يقتضي سيادة الحوار والتفاهم، إجمالا وكما قال مالك بن نبي فان «الثورة حين تخشى أخطاءها ليست بثورة … و إذا اكتشفت خطأ من أخطائها ولم تعره اهتماما فالأمر أدهى و أمر» ما نتمناه أن تكشف وتصحح وتستمر لتحقق مطالب المصريين.