ظاهرة الاكتظاظ التي تعانيها مختلف سجون المملكة،هي تحصيل حاصل نتيجة الإفراط في إصدار قرارات الاعتقال الاحتياطي، كتدبير استثنائي يتم اعتماده حال انتفاء ضمانات الحضور.خلاصة انتهى إليها المشاركون في أشغال المائدة المستديرة الثالثة حول «إصلاح العدالة الجنائية بالمغرب: مرحلة تنفيذ العقوبة» التي نظمتها بمراكش جمعية حقوق وعدالة بشراكة مع المكتب الجهوي لنادي قضاة المغرب. أرقام صادمة كشفت عن عمق الأزمة، وعن مدى اتساع دائرة الاكتظاظ التي أصبحت بمثابة فرض عين على كل مؤسسة سجنية، حيث بلغت النسبة مثلا بالسجن المحلي بولمهارز بمراكش 124 في المائة، فالمؤسسة المخصصة لاحتضان 700 نزيل تأوي حاليا 1572 سجيان ،أما سجن قلعة السراغنة فقد بلغت نسبة الإكتظاظ به 40 في المائة،وتحول فضاؤه المخصص لاستقبال 738 نزيلا إلى بؤرة توتر مع بلوغ عدد النزلاء سقف ال1035 نزيلا. أسفي ذو الطاقة الاستيعابية ل1225 نزيلا، يضم اليوم1689 سجينا أي بنسبة فاقت ال37 في المائة،تماما كما هو الشأن بالنسبة لسجن الصويرة الذي تجاوزت نسبة النزلاء به 707 نزلاء، فيما طاقته الاستيعابية لا تكاد تتجاوز سقف ال530 سجينا، ما جعل النسبة ترتفع إلى 33 قي المائة. في زخم هذا المشهد المثير، تبرز نقطة ضوء أساسية هي أن الفئات الاجتماعية المحشورة وسط هذا الجحيم، تتمتع بقدرة خارقة على التحدي، ورفع راية الإصرار والعزيمة، في مواجهة كل الإكراهات، لإبراز الذات وطموحاتها الإنسانية،حيث بلغ عدد السجناء المتمدرسون برسم سنة 2011-2012 بالأسلاك التعليمية الثلاث202 متمدرس تمكن 108 منهم من النجاح بنسبة 53في المائة،تم تحديدهم بالنسبة لمستوى الباكالوريا في 58 متمدرسا بنسبة نجاح فاقت ال47 في المائة، والتعليم الجامعي 35 تلميذا بنسبة 60 في المائة،إلى جانب 584 مستفيدا من التكوين المهني بمختلف الشعب، بنسبة نجاح وصلت إلى 50 في المائة. أمام هذه الحقائق طالب المشاركون بضرورة إعادة النظر في السياسة الجنائية المتبعة ببلادنا، لاسيما في مرحلة تنفيذ العقوبات الحبسية، التي أصبحت خارج السياق التاريخي، وأثبتت عدم فاعليتها، بدليل تواتر حالات العود، التي تؤكد على فشل المقاربة التي ظلت تعتمد نظرية الردع، بدل التربية والتهذيب. تم تحديد البديل المقترح في التركيز على إصلاح الأوضاع الاجتماعية خارج السجون، مع توجيه الانتقاد لدور النيابة العامة ومؤسسة قاضي تطبيق العقوبة، الذي ظل محتشما ومحدودا على مستوى مراقبة السجون ومواكبة السجناء خلال قضائهم لعقوباتهم السالبة للحريات، في ظل ضعف آلية المراقبة (اللجن الإقليمية والهيئة القضائية) وسوء المعاملة والتعذيب داخل بعض فضاءات المؤسسات السجنية الوطنية التي تضم حسب آخر إحصاء 70 ألف سجين. تم التشديد كذلك على ضرورة إعادة النظر في قانون الموضوع، ضمانا لحقوق المتقاضين في محاكمة عادلة، مع إعادة النظر في الصلاحيات الممنوحة لقضاة تطبيق العقوبة بصفتهم هيئة قضائية لها الحق في مواكبة العدالة الجنائية خلال مرحلة تنفيذ العقوبة، ورفع الملتمسات الخاصة بالعفو أو الإفراج المقيد لفائدة بعض السجناء الأسوياء. انتهى المشاركون في الندوة إلى تقديم جملة توصيات، كإكسير لحياة كريمة داخل السجون المغربية وجعلها أكثر أنسنة، من قبيل تفعيل آلية المراقبة الفعلية لحسن تدبير المؤسسات السجنية، وإعادة النظر في قرارات الترحيل وجعلها قابلة للطعن في مشروعيتها، بالإضافة إلى إخضاع القرارات التأديبية الصادرة في حق السجناء لمراقبة قاضي تطبيق العقوبة. من بين التوصيات كذلك، إلغاء عقوبات الحرمان من ممارسة بعض الحقوق، وتوسيع المقاربة التشاركية بإشراك المنظمات المدنية والهيئات المهتمة بحقوق الإنسان، بالإضافة إلى ضمان الحق في العناية الصحية، والتفكير في إيجاد حلول عملية لامتصاص ظاهرة الاكتظاظ داخل الفضاءات السجنية، مع إعادة النظر في الاعتقال الاحتياطي، بصفته من بين مسببات الاكتظاظ. وجوب تفرغ قاضي تطبيق العقوبة للمهام المنوطة به دون غيرها من الأعباء والمهام المنوطة برجال القضاء، كانت كذلك من بين التوصيات، وضرورة ملاءمة التشريعات الوطنية للتشريعات الدولية، وكذا إشراك الجماعات المحلية في كل المشاريع والمبادرات الرامية إلى النهوض بالمؤسسات السجنية. محمد موقس