لا شك أننا نحن أمة العرب نواجه تحدي التخلف الذي ينخر جسمنا، ونواجه تحدي الحضارة الغربية التي تستصغرنا وتحتقرنا. لرفع هذه التحديات تطالب التيارات الإسلامية بالعودة إلى الماضي لإحياء حضارتنا وإعادة أمجادنا وذلك انطلاقا من أربع فرضيات أساسية : الأولى: تنعي بأزمة هوية لأن هيمنة القيم الغربية شوهت هويتنا .فلا هي استوعبت تلك القيم وتصالحت معها ولا هي حافظت على أصالتها وبكارتها. الثانية: تنعي بأزمة سياسية، لأن كل الأنظمة السياسية العربية مبنية على الغلبة والقهر، والاستبداد والفساد . الثالثة: تنعي بأزمة إيديولوجيا: فلا الاشتراكية حققت التنمية والعدالة الاجتماعية، ولا اللبيرالية أنتجت التقدم والديمقراطية . الرابعة: تنعي بأزمة ضمير، لأننا ابتعدنا عن تعاليم الإسلام واتبعنا أهواءنا. أمام هذه الفرضيات التي لا تدعو إلى جدال، تبقى في منظور التيارات الإسلامية العودة إلى الماضي هي الحل الوحيد والأوحد، لإعادة حضارتنا واسترجاع أمجادنا . كنت أتفق على هذا الاستنتاج، لو أن الأمر يتعلق في هذا الماضي بالعودة إلى الإسلام إسلام «اقرأ» وإسلام «اطلبوا العلم و لو كان في الصين» أو «اطلبوا العلم من المهد إلى اللحد». إسلام «لا إكراه في الدين» وإسلام «من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر» إسلام «وجادلهم بالتي هي أحسن» إسلام «فاذهبوا فأنتم الطلقاء» إسلام «من اجتهد وأصاب فله أجران ومن اجتهد وأخطأ فله أجر واحد» إسلام «النساء شقائق الرجال» إسلام المذاهب الأربعة باختلافاتها . إسلام «أعقلها وتوكل»… فحينها أقول أنا مسلم وأفتخر بذلك لأنه إسلام يحض على طلب العلم، ويضمن حرية الضمير، ويحث على الآداب ويدعو إلى التسامح والحلم، ويشجع على الاجتهاد والعمل، ويقر بالمساواة، ويعترف بحق الاختلاف… كنت أتفق لو أن العودة إلى الماضي تعني قراءة لتاريخ المسلمين لاستخراج الدروس والعبر: فمن عمر ابن الخطاب نتعلم الاجتهاد في الدين ومن دعاة العرب الأربعة، المغيرة ومعاوية وعمر بن العاص وعبد الرحمان الداخل، نتعلم فن السياسة ودسائسها . ومن خالد بن الوليد نتعلم الشجاعة وفن الحرب . ومن أبي بكر الصديق نتعلم كيف أنه أرسى ركائز دولة العرب والمسلمين… حينها أقول إن لي أجدادا أعتز بهم وأجعل منهم سراجا وهاجا أنير به طريقي، ولي أمجادا أطمع في استعادتها وتفجيرها من جديد . كنت أتفق لو أن العودة تتعلق برموز حضارتنا لاستحضار نخوتها وعزتها وعظمتها من قبيل : هارون الرشيد وشهرزاد … لنستوعب مفهوم الخيال العلمي . ابن سينا وابن رشد… لنتعلم الحكمة والفلسفة والطب . جميل بثينة وولادة وابن زيدون… لنتعلم الحب والوصال. الموصلي وزرياب… لنتعلم الطرب والغناء. الروض العاطر وعودة الشيخ إلى صباه… لتعلم علم ألباه (L'érotisme ). ابن الرومي وأبو نواس والمتنبي وامرؤ القيس، … لنتعلم منهم الشعر . رابعة العدوية… لنتعلم منها التوبة وحب الله. حينها أقول إن لي حضارة وأتمنى إعادة بنائها لأنها شملت كل العلوم والفنون بشتى أنواعها ومازالت لحد الآن لم تفصح عن كل خباياها. لكن كل هذا الماضي الزاهر بحضارته التي امتدت أطرافها من المشرق إلى المغرب، وبكل أعلامه ورموزه التي سجلها التاريخ في صفحات الخلود، تتنكر التيارات الإسلامية إلى كل تمظهراته الفنية والثقافية والعلمية، وإلى كل قيمه ومقوماته وتختزله في التشبث بالمظاهر من قبيل إسدال اللحية وقص الشارب، ومضغ السواك، وتكحيل العيون وفرض أحكام الشريعة جملة وتفصيلا بما تستدعيه من قطع اليد، والرجم، والجلد، ولا تستخرج منه إلا العدوانية والكراهية والتعصب والعنف. فإذا كان هذا هو المستقبل الذي تبشرنا به تلك التيارات فالأجدر بها أن ترد لنا جاهليتنا، لأنها كانت لنا فيها شهامة و كرامة، وكنا نتوفر فيها على أرض وعرض، ولم نكن نفجر أنفسنا لنقتل الأبرياء من أطفال وشيوخ ونساء، ونلصق بذلك بديننا صفة الإرهاب والدموية وبنا صفة البربرية والوحشية، وتجر علينا عداوة وكراهية، وسخط كل ساكنة الكرة الأرضية .