هاهي الفضيحة الأخلاقية الثالثة، تهز أركان بلد الحريات في ظرف أقل من أسبوعين. فبعد الفضحية الجنسية، التي كان بطلها مدير صندوق النقد الدولي، دومنيك ستراوس كان، وجعلته يقبع بسجون الولاياتالمتحدةالأمريكية بتهمة اغتصاب منظفة فندق، وبعد استقالة كاتب الدولة في الوظيفة العمومية جورج ترون، إثر التحقيق الأولي معه في قضية التحرش الجنسي، هاهو وزير فرنسي سابق تُوجه له أصابع الاتهام في قضية اغتصاب قاصرين. إنه جاك لانغ، وزير الثقافة الأسبق. فهل جال هذا الاسم بخاطر؟ لا، بكل تأكيد. لأن48 ساعة الفاصلة بين تصريح لوك فيري، وزير التربية الوطنية الفرنسي السابق، على عهد حكومة جان بيير رافران، علنا في البرنامج التلفزي” النشرة الكبرى” على قناة “كنال بلوس” ما يمكن اعتباره “همهمات كواليس”، حيث قال استنادا على مقال نشرته الأسبوع الماضي مجلة “الفيغارو”، إنه «تم ضبط وزير سابق وهو يعتدي جنسا على قاصرين بمراكش»، وبين لحظة تداول اسم جاك لانغ، لم تترك فرصة لاستعراض لائحة طويلة ب”أسماء المشتبه فيهم”. «أنا سعيد بأني رميت الحجرة في البركة الآسنة» بهذا عبر لوك فيري عن الوضع النفسي، الذي هو فيه، بعد مرور 48 ساعة على إثارته الجدل في إحدى خرجاته التلفزية النادرة. مساء الإثنين الماضي وهو يشارك في مناقشة موضوع «الفضائح الجنسية في العالم السياسي ومسؤولية الإعلام»، صرح فيري وبنبرة من لا يفشي سرا خطيرا قائلا :«هناك حكاية وزير سابق تم ضبطه بمراكش في عربدة جنسية جماعية تضم قاصرين» قبل أن يشدد على كلماته كمن يرغب في منح الشرعية لبوحه :«أعلى سلطات الدولة حكت لي تفاصيل هذه القضية، وخاصة الوزير الأول» يسترسل فيري، لكن دون أن يأتي على ذكر اسم رئيس الحكومة المعني. اتهام بالاعتداء الجنسي على القاصرين، السياحة الجنسية، التواطؤ .. كل التوابل اجتمعت لخلق ملف شبيه بقضية “روبيغيت” الإيطالية على الطريقة الفرنسية! لوك فيري، برر تحفظه على ذكر اسم الوزير المتهم بخوفه من المتابعة القضائية :«إذا ما أعلنت الاسم الآن، فأنا من ستتم متابعته واعتقاله، ومن المؤكد الحكم علي بالرغم من أني أعرف أن القصة هي حقيقية». ثم، يضيف معترفا دون مواربة :« لربما، نحن هنا، نعلم كلنا بمن يتعلق الأمر». لكن، تصريحات الفيلسوف الكاتب، ووجهت بالتشكيك والحذر، نظرا للظرفية، التي جاءت فيها فالوسط السياسي الفرنسي لا يزال لم يستفق من رجة قضية “دي إس كا” ولأن النخبة السياسية، سواء يمينا أو يسارا، اشتمت فيها رائحة الشعبوية والرغبة في إشعال نار إعلامية فحسب. وأشهرت نبذها لفيري مثلما أعربت عن الاستياء من هذا الكلام «المطلوق على عواهنه»، الذي لا يليق بالأستاذ السابق، الذي يعتبر نفسه أحد ورثة الأطروحة الأخلاقية الكانطية. والبعض دعا إلى أن يقدم لوك فيري «الدلائل المادية لاتهاماته» مثلما هو حال المندوبة الأوروبية، ووزيرة العدل السابقة، رشيدة داتي، التي اعتبرت «مايقوله هو عدم الإبلاغ عن الجريمة». هذا، فيما صرح آلان جوبي، الوزير الأول السابق، يوم الأربعاء لإذاعة “فرانس كولتير” «حينما تكون لدينا دلائل على وقائع حقيقية، فإنه من الخطإ عدم الإفصاح عنها،لكن الحق في الإعلام لا يعني الحق في الافتراء». جاك لانغ، المتهم المحتمل، الذي راج اسمه مباشرة بعد تصريح فيري، لم يحتم بالصمت. خرج مدافعا عن نفسه :«مطلقا لم أتعاط قط لهذه اللعبة القذرة» يصرح في حوار منشور على الموقع الإلكتروني “نور ليتورال” أمس الخميس. ثم، رد على زميله قائلا :«في واقع الأمر، لا أحتاج الدفاع عن نفسي، فالصحافة والمواقع الإلكترونية تولت عني مهمة تفنيد كل ما روجه فيري. لقد ردت بسرعة وقتلت لوك فيري.. أنا هادئ ومطمئن». ومع ذلك، الهجوم قاس؟ «في السياسة، لابد من أن يكون جلد المرء قاسيا. لقد مررت بأوقات عصيبة وغير سهلة.. لكن ما يثير غضبي أن هذه الإشاعات جاءت على لسان مثقف وفيلسوف. هذا لا يشرفه». الإشاعة، ليست وليدة الإثنين الماضي؟ «أبدا هي قديمة، قديمة جدا.. وتعود إلى رئاسيات 1995. كنت أعتزم الترشح. وقال حينها بعض الصحافيين إن الإشاعة كان يرددها 3 أو 4 أطر قريبين من جاك شيراك، الذي كان يسعى إلى إقصائى وإلحاق الأذى بالمناسبة نفسها بليونيل جوسبان». جاك لانغ، لايريد محاربة الإشاعة، كما يقول، لكنه يعترف، ردا على تلميحات لوك فيري :«أنا صديق للمغرب. إذ كيف يمكن تفسير أنني أُستقبل بحفاوة كبيرة فيه خلال زياراتي المتكررة له. فأنا أقوم بزيارتين إلى ثلاث مع زوجتي وأحفادي إلى المغرب سنويا. هل سيكون الأمر هكذا، لو أني ارتكبت مثل هذه الأفعال المشينة؟».